الأرشيفالجاليات والشتات

خمس وثلاثون عاما على استشهاد ( ناجي العلي ) – فوزي السهلي

خمس وثلاثون عاما على استشهاد ( ناجي العلي ) الشهيد الشاهد مع رفيق روايته حنظلة الذي أثبت حضورا قويا بعد استشهاده .

وظف ناجي العلي الكثير من الأدوات والرموز خلال مسيرته الفنية ، بعضها استمده من الواقع والتاريخ والإرث الثقافي والديني للمجتمع الذي ينتمي إليه ، وبعضها الآخر ابتكره بنفسه. إذا كنا نتحدث عن الأدوات التي استخدمها خلال مسيرته الفنية فهي شبيهه بما يستخدمه رساموا الكاريكاتير الآخرين ، الريشة والورق والخطوط والألوان واللغة ، مع فارق وحيد امتاز به ناجي تمثل بقدرته على استخدامها بطريقة جذابة لإيصال المعنى والمفهوم الذي يقصده، عدا عن تميزه الإنفرادي في توظيف ذات الأدوات في مواقف متعددة ومتباينة دون أن يكرر ذاته .
استطاع ناجي على صعيد الرموز أن يبتكر رموزه الخاصة به وإن كان ذلك في مراحل لاحقة لانطلاقته . ميزته هذه الرموز عن الآخرين دون أن يقلد هو معاصريه وسابقيه من رسامي الكاريكاتير العرب والعالميين . إنفرد ناجي بخصوصية شخوصه في رسومه التي لم تستمر بعد رحيله ، لاسيما الرموز الإستراتيجية كحنظلة الذي لم يستمر برسمه أحد من الفنانين بعد استشهاده ، كما لم يتخذه أي فنان كشعار بعد ناجي لينقل به وعبره إرث العلي ، وإن كان ذلك تكرر بصور متقطعة من قبل بعض الفنانين والهواة ، فعندما إبتدع شخصية حنظلة إستلزمه الأمر سنوات وبالتالي هو صاحب الحق الحصري في إستخدامه ، كما أن ظهوره في لوحات ناجي كان له دلالات خاصة ومآرب تخص ناجي وحده لا يستطيع أي فنان كاريكاتير بعد ناجي أن يكمل المسيرة التي نذر ناجي نفسه لها ومات في سبيلها وفق رؤية خاصة به .
شكل حنظله الرمز الإستراتيجي الأهم في إبداعات ناجي العلي الكاريكاتيرية ، وصار توقيعه الدائم على كل ما ينتج رغم أنه ولد في فترات لاحقة من اشتغاله بالرسم . أول ظهور لحنظله كان في الكويت عام 1969. البدايات لم يكن حنظله يدير ظهره للناس ولا يعقد يديه خلف ظهره، وحنظلة اسم مشتق من الحنظل، وهو نبات طعمه شديد المرارة ينبت في فلسطين، محاط بالأشواك.
إستنجد ناجي بالحنظل ليكون دليله الدال على مرارة واقع الشعب الفلسطيني ، كما اتخذ حنظله شكل الحيوان البري كثيف الأشواك المعروف بالقنفذ التي يستعملها في الدفاع عن نفسه ، ويتميز هذا الحيوان بارتباطه بالأرض .
خروج حنظله للعلن لم يكن نتاج لحظة ، بل كان ولادة طبيعية لإرهاصات كثيرة مرت بها القضية الفلسطينية وتجارب شخصية خاض غمارها ناجي نفسه، وكانت أولى إطلالته عبر صحيفة السياسة الكويتية حيث قدم نفسه للقراء وهو يلتقي بهم وجهاً لوجه بعبارات واضحة تحدد هويته القومية وانحيازه الطبقي للفقراء، يذكرهم بمآسي أمتهم العربية ، فأمه النكبة ، وتاريخ ميلاده في الخامس من حزيران عام 1967 .
أراد ناجي من يبقي جذوة إلتحامه بهمه الوطني والقومي متقدة فوجد ضالته بحنظله ، وأراد كذلك أن يعمم ذلك على قرائه. بقي حنظله منذ ظهوره الأول وحتى آخر نتاج لناجي قبل استشهاده بذات العمر ابن عشر سنين، وهو نفس السن الذي أُخرج فيه ناجي من قريته الشجرة عام 1948، لم يرد ناجي أن تأخذ الأيام حنظلته حتى تبقى القضية الفلسطينية حية في النفوس ودماؤها طرية غضة تدق جدران الوعي في الذاكرة العربية. “الولد الذي أرسمه هو الضمير الذي لا يملك استعداد للمساومة، فهو لن يخسر شيئاً لأنه فقير، كادح ومسحوق، ويمتلك القدرة على التحدي والتصدي أمام جميع قوى القمع…”.. لم يأخذ العمر حنظله كما يفعل بالبشر لأنه ضمير جماعي يخص ناجي والآخرين. الزمن لا يفعل فعله بحنظله لأنه رمز القضية عند ناجي، فهو إستثناء كما هو احتلال فلسطين إستثناء ..
تكتيف يدي حنظله وإدارة وجهه عن الناس
كتف ناجي يدي حنظله ودفعه ليدير ظهره للناس احتجاجاً على نتائج حرب رمضان عام 1973 التي فتحت الطريق أمام التسوية السياسية التي سلكها السادات ، ومع هذا فإن حنظله في حالات محددة بعد ذلك أدار وجهه ليشارك أطفال الإنتفاضة ثورة حجارتهم. تكتيف اليدين وإدارة الظهر سبقت كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية، وهدف ناجي من وراء هذه الخطوة الإعتراض على الآتي من سياسات إنهزامية كما كان يصفها، “أريده مناضلاً ورافضاً لكل ما يجري على الساحة من مؤامرات وخذلان. وحقيقة الطفل أنه منحاز للفقراء لأنني أحمل موقفاً طبقياً لذلك تأتي رسومي على هذا النحو… هذا المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، ربما لا أبالغ إذا قلت أنني استمر به بعد موتي ” .
تعددت المهام التي أوكلها ناجي طيلة رفقتهما لحنظله ، رهن إدارة ظهره للناس بعد حرب عام 1973 بتحقيق أحلام العرب وأمانيهم ، وبحصول المشقيين من الناس على حريتهم التي سلبت منهم ،
ناجي العلي الذي عبر عن الفقراء عبر طفله ( حنظله الشقي) لم يكن محايداً بل نصيراً للفقراء والكادحين والمعذبين في الأرض ومعبراً ليس عن الضمير الفلسطيني فحسب بل عن الضمير العربي والإنساني فكان عالمياً بجدارة انه صاحب شعار ” لا لكاتم الصوت “.

المصدر من موقع فيسبوك