ثقافة وفن

حسن رايح …. حسن جاي …! + وديني على حيفا ! – محمد عادل

 غادرنا وترك لنا أمانة أحلامه وحكاياته  وأمانيه في العودة الى بلدته الجميلة  جاحولا قضاء صفد المطلة على سهل الحولة…   إلى الدار التي حكى له عنها جده  وأبوه وعمه …. غادرنا  وفي العيون دموع  غزيرة  ومّرة  على الذي  مضى  وعلى …. الذي  سيأتي …  ذكّرنا جيدا أن أحلامنا يجب أن تبقى في الذاكرة  الوطنية متقدة حتى نعود  الى توتة الدار  … وأشجار البرتقال والليمون … ونوار اللوز في نيسان … غادرنا أبو زهير وهو يذرف الدمع غزيرا وحارا  على ما يجرى من تآمر على سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وكل البلاد في الوطن العربي الذي كان يحلم به حسن …أن يكون وطنا واحدا موحدا قويا كريما عزيزا يعيد للأمة حريتها وكرامتها وعزتها … ودمشق التي أحبها وعشقها وحمص وحلب  وطرطوس  وكل الطرق التي توصله إلى فلسطين …كان على الدوام يؤكد … إن نبقى أوفياء لما عملنا وناضلنا من اجله وان لا ننسى أننا أصحاب ارض ووطن لا يمكن لأحد ان ينوب في التحدث باسمنا … وان نعمل من اجل إن تبقى هذه القضية حية ومتقدة حتى يأتي زمن ينهض ابناء امتنا ليعيدوا ما فقدناه وهذا ليس ببعيد ولا مستحيل … الغزاة ومهما تعددت إشكالهم ومواقعهم سيرحلون لأنهم ضد المنطق والطبيعة والجغرافيا والتاريخ … سيرحلون وان توهموا أنهم سيبقون على أرضنا …

 

غادرنا وهو يسأل عن مخيم نهر البارد والبداوي وغزة والقدس …. والمعهد والطلبة  والأصدقاء والاختيارية الذين كانوا يمازحونه ويطلبون منه تسجيل الأولاد في المعهد …كم كان شوقه لأزقة المخيم  لأولاد وصبايا المخيم …لأحبة لم يرهم … لبيوت تهدمت … لشوارع اختفت … لطرق لم يعد يعرفها احد … لام عمر التي أخبرته أنها تريد العودة إلى حيفا … إلى الياجور … إلى  حواسه … إلى البحر … والجبل … تقول له يا أبو زهير اشتقت أن أعود إلى البلاد … إلى البحر  هناك …إلى حيفا إلى توتة الدار …قال لها حسن …؟ يا ام عمر … ستعودين إلى حيفا … وأخذها حسن معه … وأوصلها  إلى  مكان رأت فيه من بعيد وقريب … سماء البلاد … وأشجار البلاد  وجبال البلاد … وطيور البلاد وأهل البلاد وزيتون البلاد  ….وقالت ما لم يقله احد … لأحبة جاءوا من الجليل  من وراء الأسلاك ومن وراء الحواجز … اسمعوا ما قالته أم عمر … واسمعوا حكاياتها …وأين اختفت أم عمر وكيف عادت إلى حيفا …يخبرني احد اقرب أصدقائه أبو المجد … راح  اخو الرجال والأصدقاء راح الذي لم يغضب منه احد ..راح الذي كان يسلم عليه الناس من أول الشارع إلى آخر الشارع وفي الليالي الظلماء يعرفونه من صوته ويسلمون عليه … لا احد ينسى حسن …. الحسن والُحسن بقي في المخيم بانتظار أن يعود إلى الدار وتوتة الدار … ويرى من أحب ومن كانوا ينتظرونه ومنهم اُم عمر …يا لأيامنا الصعبة يا حسن … لم ولن ننسى أحلامنا وأمانينا وقيمنا … وسنظل أوفياء للقيم والمبادئ النبيلة التي تربينا عليها … الأخلاق هي الأساس … الوفاء لكل الأصدقاء والأحبة والناس الطيبين … على من نسأل الآن … وكيف للمخيم الآن …وهو يفتقد ابنه البار والشجاع والأمين … كيف للمخيم …

أن لا يرى حسن شعبان ….. والآن أيها  يا أبا زهير …من يذكرك… غير وقوفك الى جانب اهل المخيم الذين مازالوا يحلموا بالعودة جنوبا إلى قرى وبلدات فلسطين وبحر فلسطين ….غير كلماتك …التي نثرتها للوطن …

لتضئ في  أيامنا  المقبلة …

ولتدلنا على الطريق في ….

أيامنا المتعبة ..حتى نصل الطريق

ونرى أيامنا المشرقة …

 

… بعد اليوم …بعد كل هذا الحضور البهي لرجل أحب الفقراء والأطفال

الأستاذ  والمناضل والصديق … غادرنا وحملنا أمانة أحلامه …؟

وديني  على حيفا !

                                                                محمد عادل

 

بعد أن أدّت صلاة الفجر وكعادتها منذ ما يزيد على خمسين عاما، واصلت تلاوة الدعوات وأولها أن تعود للدار التي ولدت وتربت فيها، ورأت الأيام الطيبة الأولى من عمرها في حيفا.

 نظرت إلى خارج الغرفة، السماء ملبدة بالغيوم ..وصوت الريح مازال يصل إليها عبر الشقوق في بيتها المتهاوي في المخيم …لكنها أصرت على الخروج في هذه الساعة وفي هذا الجو البارد والعاصف دون أن تخبر أحدا… إلى أين هي ذاهبة…؟! ماذا تفعلين يا جدتي سألتها الطفلة الصغيرة، وين رايحة؟! أجابتها بعد أن أحكمت ربط الصرة الصغيرة: إلى حيفا يا جدتي. غادرت الطفلة الغرفة دون أن تستفسر من جدتها، ولكنها سألت أمها: وين حيفا يا أمي … جدتي رايحة عليها … أروح معها يما؟

نهضت زكية بسرعة سألت أمها: على وين يا مسهّل، وين رايحة يما؟ أجابت العجوز بكل هدوء وثقة: على حيفا على دارنا، امبارح كنت هناك..طول الليل وأنا هناك..خبزت وأكلت خبز الطابون الساخن، من خمسين سنة ما أكلت …امبارح… بس، اليوم راجعة إن شا الله.

خرجت من الباب نادت عليها ابنتها …انتظري… لحظة… انتظري! أم عمر تمشي بثقة وهدوء حاملة صرتها، تنادي على بعض المارة الذين يعرفونها … خير انشا الله وين يا أم عمر؟ على حيفا يا خيتا. نظر البعض بدهشة والبعض الآخر بتجاهل واستغراب، والبعض يسأل …شو يا أم عمر: حيفا صحيح قريبة … لكنها بعيدة وكيف بدك تسافري لها ..أسلاك حواجز.. بعدين لك خمسين سنة طالعة ..شو هالحكي… وتمضي أم عمر في الأزقة الضيقة لا تثنيها لسعات البرد عن عزمها، فشحنتها العارمة من الشوق والحنين أنستها البرد والمطر والجو العاصف.

 أبو زكي يقف إلى جانب سيارته المرسيدس القديمة التي يعرفها كل أهل المخيم …منذ أكثر من أربعين عاما ً …توجهت أم عمر إليه … يسعد صباحك خيتا … الله يرضي عليك … أجابها: يا مرحبا .. وين بدك أنا جاهز يا أمّ عمر .. حلّت البركة، أنت نوارة المخيم …كل مخيم البداوي يحلف بحياتك ياغالية!

فاض الشوق والحنين بأم عمر وقالت له: وديني لحيفا يا أبو زكي .. قال بتعجّب واستغراب: وين بدك! على حيفا وينك ووين حيفا … شو أنت مجنونة يا حرمة!؟ ردت بسرعة: لقد فاض بي الشوق والحنين وتفجرت فيّ  كل ينابيع الحب والذكريات يا أبو زكي..أنا بدي أروح إلى حيفا …أنت المجنون مو أنا …هناك في حيفا كنتُ مثل الوردة التي يفوح عطرها على أرض الدار …كيف تتجرأ وتقول لي فقدت عقلك! … شايف هالصرة المربوطة ما زالت على ربطتها منذ أن رحلنا من حيفا …شم رائحة التراب ما زالت فيها … معطرة ظلت كما هي لم تتبدل …يا الله كم أنا مشتاقة أن أطير وأحط وأشوف كل ما تبقى من أهلي الذين لم يغادروا أرض فلسطين!

تجمعت بعض النسوة ممن يعرفن أم عمر …حاولن إقناعها بالعودة إلى البيت … قالت نعم أنا جاهزة … وكانت تقصد بيتها ودارها في حيفا حيث الدار الواسعة والشجر المثمر والريحان والطابون … أما هنا في هذا المخيم فالغرفة لا تكاد تأوي زوجها المقعد وأولادها الذين يذهبون للعمل في الصباح ويعودون مساء … متعبين مرهقين … مهدودي الحيل !

لن أعود إلا إلى بيتي…مين رايح لحيفا يا أولاد…ليأخذني معه…أطفال المخيم يعرفون أم عمر جيدا..ويحترمونها وكثيرا ما يمرون أمام بيتها يلقون عليها تحية الصباح وهي لا تنسى أن تقدم لهم بعض الفطائر في المناسبات وتحكي لهم حكايات عن الدار والطابون …والبحر وبيوت حيفا الجميلة …نظروا إليها بحزن شديد …أحدهم قال لها بعيدة حيفا يا خالتي … أنا لو أعرف أسوق سيارة لكان أوصلتك لهناك وما بدك الانتظار الطويل !

حسن الذي كان يتابع ما تقوم به أم عمر …منذ أسابيع عديدة يسمع نداءها للعودة لم يتمكن من الصبر طويلا ً …لقد شعر بانكسار كبير أمام هذا المشهد …إنه يعرفها ويحترمها ..إنها السيدة الفاضلة المؤمنة …والتي يشهد لها الجميع بدورها في الدفاع عن المخيم …والدفاع عن الفقراء …والتصدي لكل من يحاول تهميش المخيم وزيادة فقره وحرمانه!

اقترب حسن من أم عمر وطيب خاطرها …أخذ الصرة منها ووضعها في السيارة …قال لها سآخذك إلى أي مكان إلى حيفا ومن هناك نرى ماذا نفعل …شهقت أم عمر من الفرحة وزغردت. قبّلت حسن .. عادت إليها الروح … شعرت وكأنّها تنبعث من جديد, قال لها حسن …بعد أن تحرر الجنوب من الاحتلال الصهيوني …هناك على الحدود يأتي أهلنا ليشاركوا أبناء الجنوب ولبنان فرحتهم بالنصر وتحرير الجنوب…

تحركت السيارة باتجاه الجنوب …لم يتوقف حسن عن الحديث عن الشوق للعودة إلى فلسطين … أنت يا أم عمر تعرفين القرى والأحياء … والسيارات والطرقات وينابيع الماء والعتابا والميجنا ..إنك تحملين فلسطين معك وفلسطين تحملك إليها كل يوم, بضع ساعات كانت أم عمر على الحدود …يا إلهي أشارت بيدها…فلسطين …أشتم رائحة غصن الليمون والذكريات …أكيد حيفا على بعد خطوات …كيلو مترات الأسلاك الشائكة على الحدود لم تمنع أم عمر من محاولة الزحف إلى العالم الآخر ..إلى الجنة كما قالت …إلى التراب الذي يضم ما بقي من رفات أهلي في حيفا ..اقتربت .. نهرها الجندي الإسرائيلي …ردت عليه بصوت عال ٍ …ولك مين أنت هذه بلادنا أرضنا …تحركت عدة أمتار كان الكلّ من أبناء قرى وبلدات فلسطين من المناطق المحتلة شمال فلسطين …يقفون وراء الأسلاك الشائكة …هذا يبحث عن أب عن أم, عن أخ, عن قريب, عن صديق, وأم عمر تتفرّس الوجوه علّها تجد من تعرفه …صوت ينادي من خلف الأسلاك الشائكة العريضة …يا حاجة عايشة..أم عمر …أنا هون…تلتفت أم عمر … هذا الصوت ينادي اسمها .. هي … سألت حسن: هل تسمع ما أسمع؟ قال: نعم …ولكن من أين يأتي الصوت, هناك الجميع ينادي على الجميع …والكل يسأل، والذي يصل من الجانب اللبناني من المخيمات يسأل …والذي يأتي من شمال فلسطين يسأل…وصيحات الانتصار تعلو من مقاتلي حزب الله …وأبناء الجنوب يحيّون أبناء فلسطين نفس الوجوه خلف هذا الحد الدامي …هذه كانت أرضاً واحدة وبلاداً واحدة …شعب واحد قسّمه المستعمر … لم تكن هناك حدود بل كان الجميع يعيشون في هذه البلاد منذ آلاف السنين

اقترب الصوت مجددا يا حاجة عائشة…يا أم عمر …أنا أم دعاس بنت أخوك …أنا اللي بقيت هناك وعرفتك …من الصورة اللي طلعت على التلفزيون …اخبروني وقالوا لي هذي أم عمر …عرفتك من دون كل اللي هون …مدت أم عمر يدها …ومدت ابنة أخيها يدها التصقت بالأسلاك الشائكة …التي غرزت في جسدها …اقتربت أكثر فأكثر والأسلاك تنهش جسدها وهي تحاول الوصول …أمسكت يد ابنة أخيها …وابنة أخيها تردد: أنا لازم أبوس يدك يا عمة أدخلتها بين الأسلاك رغم احتجاج العدو الصهيوني …بكت أم عمر وسالت الدموع, شو أخبار أهلك, الجيران, الأقارب … وأخذت تقترب أكثر حتى وجدت نفسها مطوقة بالأسلاك من جميع الجهات مع ابنة أخيها …وحضرت بعض السيدات من كبار السنّ …وبدأن يسألن عن أقاربهن …وأهلهن في المخيمات …وأم عمر تسأل عن الحاجة صفية …ويأتي الرد العمر إلك…والحاج مصطفى العمر إلك …هذا ابنه مثل الحصان…تعال سلم على أم عمر …يزحف يرفض أوامر الجندي يقبّل أم عمر …تسأله: خذني معك إلى حيفا …من زمن ما حدا قابل يوصلني لحيفا … تواصل البكاء ما هذا العالم الظالم …متر بيني وبينكم…ساعة أو أقل وأصل إلى حيفا ..والأوامر  …ممنوع …ممنوع…ارجع ..والبنادق موجهة إلى صدورنا …تواصل أم عمر زحفها بين الأسلاك يحاول حسن إيقافها …الدماء تغطي يدها…يمسح حسن يدها …أم عمر تمشي …تنادي…يما  ما أحلى هواء الجليل …والساحل …والجنوب …وكل البلاد ….البلاد بلادنا..وتغني:

           يا ظريف الطول وقف تقلك!    رايح عالغربة وبلادك أحسن لك

طلقات من الجنود الصهاينة لإرهاب المواطنين الذين بدؤوا  يتوافدون …وصيحات الله أكبر …صيحات النصر تشقّ العنان والكل يردد …فلسطين …وعيونهم الدامعة على الجبال على السهول …على الشجر …على رائحة الغصن الحبيب … ونسمات الهواء الرائعة من هناك …أم عمر توجه كلامها إلى جندي إسرائيلي …إحنا أصحاب الأرض, أنت دخيل ومستعمر …والله لو كل العالم معك …ما راح تبقى … إلا يجي يوم وتروح … شوف أنت غريب …صحيح القوة معكم آه …والخونة معكم آه والغرب معكم آه …لكن الزمن لن يكون معكم إلى الأبد…سيأتي يوم …ونعود..هذه أرضنا …دورنا …بياراتنا …حقولنا ..بحرنا…جبلنا …أنتم يجب أن ترحلوا …وجه الجندي البندقية …أطلق عدة طلقات لإرهاب الجموع …دوت طلقات من الجانبين…وأم عمر مازالت تحضن التراب ….والأهل والأقارب  …وتنادي من يأخذني إلى حيفا …الساعة قاربت منتصف الليل …والحشود تزداد …وضاعت أم عمر بين الحشود القادمة من فلسطين والحشود القادمة من المخيمات …والحشود القادمة من قرى وبلدات الجنوب …والمدن اللبنانية

تذكّر حسن .. أنّ أم عمر لم تأكل منذ الصباح وربما قبل ذلك…من أين لها هذه القوة ؟ من أين لها هذا التوهج…أخذ يبحث عنها …ووجدها جالسة على الأرض وفي أجمل لحظاتها … مسرورة في حبور …تعال يا حسن …كل من أكل بلادنا …احضروا لي خبز الطابون …انظر هذه الفواكه, والخضرة والأكل …أكلت أم عمر بنهم شديد …ووضعت الباقي في الصرة …سوف أطعم أولاد ابني …وبناتي …ليذوقوا من خيرات بلادهم. طلب حسن منها العودة إلى المخيم …فالأوضاع متوتّرة وليست مطمئنة …هناك بعض الجرحى …وأنا أريد أن أعود بك سالمة لأهلك …أنا هون مرتاحة …اذهب لوحدك أنا لن أرجع معك …روح الله معك

رغم حلول الظلام …تنظر أم عمر إلى الأضواء القريبة والبعيدة …وجالت بذكرياتها.. وأمانيها إلى فلسطين، وأخذت تتنفس بعمق  لتأخذ أكبر كمية من الهواء العليل القادم من الوطن …نسمات من الهواء, حامية تحمل معها سلامات وتحيات من تحبهم هناك خلف الأسلاك …خلف الأضواء ….خلف الأشجار …تابعت أم عمر الحديث مع من التقت بهم من فلسطين …خبروني عن كل شي احكوا لي …خمسون عاما ً … هوت بيني وبينكم ماذا جرى…الأرض التي أحبها …من يمشي عليها …من أخذها من يحرسها …عين الماء…الغنم…الجرار من يملؤها بالماء…وسؤال يجر سؤال …وأهل الوطن لا يبخلون على أم عمر بالأجوبة …والذكريات …والشوق الذي يكبر كل يوم …والشهداء الذين رووا  بالدم أرض فلسطين

رأت أم عمر من خلف الأسلاك الشائكة …هناك الوديان التي مرت بها والطيور التي تنام على أغصان الأشجار والدواب التي تنقل الماء وأخذت تغني :

يا من درى نرجع يوم ع الدار ؟

رأت أم عمر الجرار …جرار الماء الفخارية التي لا مثيل لها وهي ترشح على الوجوه والمناديل …وكذلك تذكرت كل من طلب منها شربة ماء على الطريق وهي تنزل الجرة وترفعها رغم ثقلها لكنها كانت تشعر بالسعادة وهي تقوم بذلك ….سقى الله تذكرت برودة وطعم الماء كأنها تشرب منه الآن …ابتل ريقها الناشف وشعرت ببرودة الماء تنساب على الوجه والجسد …تذكرت النبع الذي لم تره  منذ أكثر من نصف قرن …إنّها الان تشرب الماء وكأنها بالقرب من النبع البارد والنظيف …وترى الحصى الأبيض يرقد فيه …ترى الماء العذب البارد كأنه آت من الجنة ! عاد حسن إلى المخيم …ولم تعد أم عمر …سأله أهل المخيم عنها …قال لهم: إنها تلتصق بالأرض التي أحبتها, بالناس والأهل الذين تبحث عنهم …رفضت أن تعود معي …أخبرتني إنها تحيا من جديد مع كل كلمة تسمعها من أهالي فلسطين ..

  بعد أيام سأل أهل المخيم عن أم عمر …عدة أسابيع …بعد شهور لم يعثر أحد على أم عمر …لم تظهر أم عمر في الشوارع ولا في الأزقـة …ولا على شاطئ البحر …من يدري أين ذهبت أم عمر …البعض قال إنها مشت في ماء البحر…حتى اختفت …البعض قال إنها جلست على حافة أحد الأنهار المتجهة إلى البحر …وما زالت كلماتها ترن في المخيم من يأخذني إلى حيفا…

اترك تعليقاً