وقفة عز

كشيشتوف أو كرستوف ميللر

نضال حمد

 

في مثل هذا اليوم 24-6-2016 وعلى هامش ندوة ومعرض للمصورين الحربيين البولنديين أقيمت في مدينة كراكوف البولندية العريقة، أي قبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ، هناك التقيت بالمصور الحربي البولندي الأشهر كرستوف ميللر. كان متواضعا بسيطا، متحدثا ولبقا، مختصر الكلام، يقول القليل وفيه كلامه الكثير من المعاني.

جرت محادثة خاصة بيني وبين ميلر خلال المعرض في كراكوف. حيث تحدثنا عن مختلف الأمور السياسية والاعلامية والثقافية التي تخص بولندا والعالم. وعن عمله في بلاد اجنبية وفي مناطق متورتة شهدت حروبا ومواجهات. ولكن الحديث الأكثر أهمية الذي داري بيننا كان يتعلق بفلسطين والجرائم الصهيونية والاحتلال (الإسرائيلي) في بلادنا.

عبر كرستوف ميللر عن تضامنه مع فلسطين ورفض الاحتلال الصهيوني. وعند مقارنتي لهذا الاحتلال الارهابي بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وافقني ميللر الرأي. فهو عمل في جنوب افريقيا في ذلك الوقت كمصور حربي. وصور المعاناة في جنوب إفريقيا. في وقت كان لا يزال زمن النظام العنصري الأبيض.

بالطبع، عندما يستمع المرء لكلام من رجل مثل كرستوف ميلر يدين (إسرائيل) ويتفهمم كفاح الشعب الفلسطيني فهذا بحد ذاته أمر لطيف للغاية، فقد كان كرستوف ميلر مصوراً مشهوراً جداً في بولندا. لكن تبقى المعضلة في أن بولندا تعج بالناس والمثقفين الذين يتكلمون معنا بهذه اللغة، لغة ادانة الصهاينة والتعاطف مع قضية فلسطين، لكنهم يفعلون ذلك فقط في المحادثات الجانبية والجلسات الخاصة. فمن الصعب أن تجدهم يعبرون عن مواقفهم الحقيقية عبر وسائل الاعلام أو بشكل علني وحر. لذا فالعمل التضامني في بولندا والدول الاشتراكية سابقاً، أصعب بكثير من العمل في النرويج ودول غرب أوروبا.

عندما انتهت الندوة خرج ميلر لإشعال سيجارة، وجلس خلف نافذة زجاجية في الخارج، مرتدياً بلوزة بألوان علم جنوب إفريقيا، مع صورة دائرية للزعيم الراحل نيلسون مانديلا، الذي كان أحد أهم أصدقاء القضية الفلسطينية.

قبل الحديث الجانبي مع ميللر لفتت انتباهي صورة من بين مئات الصور، فقد وضع المنظمون صورة على خلفية الشاشة مع شعار المعرض، صورة لسياج معسكر أوشفيتز النازي في بولندا، حيث قتل النازيون الغزاة، اليهود البولنديين وكذلك الأوروبيين وأعداء النازية في أوروبا.

في البداية اعتقدت أنها كانت صورة للجدار الصهيوني في فلسطين المحتلة، أو حائط برلين منذ سنوات وجود الجمهورية الديمقراطية الألمانية.

وفي النهاية اكتشفت أنها ليست صورة من تصوير كرستوف ميلر، لأنه قال لي معلقاً على كلامي عن الصورة، أن كل صوره تحتوي على وجود عنصر بشري فيها.

بعد أشهر قليلة من لقائنا في المعرض في كراكوف انتحر ميلر ووضع حداً لحياته الحافلة بالعطاء والتألق وكذلك بالعذاب. كانت وفاته المأساوية بمثابة صدمة لكل من عرفه وأحبه.

 

24-6-2019

تصوير موقع الصفصاف