وقفة عز

أبو نضال الأردني .. لكن مرض السكريّ هزمك

لم تهزمك نيوجرسي و( إسرائيل) لكن مرض السكري هزمك

أبو نضال الأردني

عاش مناضلا زاهدا صلبا ورحل هكذا.

رفيق الدرب الطويل، الطويل، الممتد من الكرامة في الأردن على تخوم فلسطين، الى مخيمات لبنان وسوريا، والى مواقع وقواعد ومعسكرات وساحات، وميادين نضال ومقاومة، لأجل تحرير الأرض والانسان، ولأجل تحرير كامل تراب فلسطين.

أبو نضال الأردني الذي لم أعرف اسمه الحقيقي إلا اليوم، يوم رحيله المفاجئ. هو فائق عباس زبن (العجوري) نسبة الى قرية عجور الخليلية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. الرجل الذي ترك مهنة التدريس حيث كان معلماً في مدارس الغور، ليلتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية، وبالتحديد في جبهة التحرير الفلسطينية. وليصبح بعد حين وسنين معلماً للمقاومين، ومدرساً لأشبال ثورة فلسطين، وقائدا ميدانياً مثخناً بالجراح، مفعماً بالأمل، عاشقاً ثملا في حب فلسطين.

لو أن للأمكنة في لبنان ألسنة لكانت تكلمت وتذكرت جولات وصولات أبو نضال الأردني، الفدائي الذي لا يهدأ ولا يستكين، الفدائي الي لم يتعب، المقاتل الذي كان يتأبط بندقيته بلا توقف. صبور وقنوع وواثق الخطوة والموقف، متحدث وصاحب موقف، وكلمة حق، وذو رؤية ثاقبة، وانتماء سياسي عقائدي، لذا في أوقات التراجع والردة واضاعة البوصلة، لم يتراجع ولم يرتد، ولم يضع البوصلة. فبقي الحريص على الهدف، القابض على جمر الثوابت وزناد البندقية، العاض على جراحه الكثيرة، التي أثخنت جسده، المهمش بالرصاص وبالشظايا. كان في طليعة القادة العسكريين الميدانيين الذين قاتلوا الكيان الصهيوني وبوارج أمريكا وأيتام المقبور بشير الجميل في لبنان، وأستطاعوا اسقاط اتفاقية العار، اتفاقية 17 أيار التي وقعها حكم أمين الجميل مع الصهاينة. سيظل اسمك محفوراً في كفر فالوس اللبنانية، حيث سال دمك وحيث أصبت اصابات خطيرة، ظلت وسام عزتك وعروبتك ومقاومتك. وكانت هذه اصابتك الاخيرة بعد عدة اصابات في معارك قبلها.

قال الصديق والرفيق الدكتور عارف حمو، صديقي وصديق أبو نضال:

” لم ينل منه العدو، وكان يداوي جراحه ويعود إلى أرض المعركة، وأنهكه صديقه، مرض السكري في بلدة الكرامة، غور الأردن”.

كما كتب صديقنا ورفيقنا المشترك توفيق أبو ارشيد:

” فائق العجوري ( أبو نضال الأردني) معلماً في مدارس الغور، ثم فدائياً ومقاتلاً في جنوب لبنان … جريحاً إثر معارك الثورة الفلسطينية المجيدة، رفيقاً صاحب رؤيا فكريه وسياسيه، حصنته من أي خطأ في مشورنا الصعب، في الجغرافيا الصعبة حول فلسطين، بقي وفياً لمسيرته الكفاحية .

وحده المرض الشديد تمكن من حصاره وقاوم أبو نضال وصبر، وتمكن من فك الحصار أكثر من مره، ولكنه يعرف أن الموت في النهاية حق، فأستقبله وسار معه.”.

كتب الرفيق والصديق عبد القادر السيد:

” عرفته و عايشته عن قرب، مقاتلاً، مناضلاً، صلباً، شارك في كل المعارك دفاعا عن شعبنا و قضيتنا. و لا ننسى دورك القيادي لرفاقك المقاتلين في تحرير الجبل واسقاط اتفاق 17 أيار الخياني. كنت مبدئياً بأخلاقك الثورية، صادقاً مع نفسك وشعبك، ولا ننسى يوم إصابتك الخطيرة في مواجهة العدو الصهيوني في كفرفالوس.”

آخر لقاء لي مع أبي نضال الأردني بعد فراق دام أقل من ثلاثين سنة كان في منزل الصديق والرفيق توفيق في عمان، بحضور ثلة من الرفاق. لم أجد أي تغيير في أبي نضال، فهو لازال كما عرفته في لبنان.

أبو نضال الأردني رفيق الدروب والحروب .. رفيق التجربة الكفاحية في جبهة التحرير الفلسطينية. مضى الى حيث لا عودة، لينضم الى رفاقه الشهداء، الذين سبقوه الى عالم الخلود.

رحل الرفيق والصديق أبو نضال الأردني هذا اليوم في الكرامة بالأردن، حيث جرت معركة الكرامة سنة 1968 بين المقاومة الفلسطينية، والجيش الأردني من جهة، والجيش الصهيوني من جهة ثانية، وكانت أول انتصار يحققه الفدائيون على الصهاينة منذ بدء العمل المقاوم في فلسطين وجوارها.

رحل أبو نضال الأردني رفيق التجربة الثورية في جبهة التحرير الفلسطينية، رفيق الشهداء طلعت يعقوب وسمير القنطار وجهاد حمو وأبو كفاح فهد وأبو الفهود العراقي وأبو سعدو وأبو خلدون، ومئات من الشهداء الآخرين . رفيق المناضلين الثوريين المبدئيين الحقيقيين.

رحل في الكرامة وهو محافظ على عزة نفسه وتاريخه النضالي، البطولي، المشرف، وعلى كرامته وسمعته الثورية المبهرة .

رحل محافظاً على قدسية جراحه التي بقيت وسام شرفه طوال مسيرة العمر، و بعد سنوات طويلة من النضال القومي والثوري، على كل محاور وجبهات القتال في لبنان، ضد الصهاينة وأعوانهم الفاشيين.

عرفه الجنوب اللبناني من شرق صيدا وعين الحلوة وجواره حتى قلعة الشقيف واقليم التفاح والعيشية، وعرفته مخيماتنا هناك وأحبته.. وعرفه جبل لبنان والشوف والشحار، أيام نيوجرسي وسوق الغرب وما قبلها وما بعدها. حيث أصيب بجراحٍ بالغة الخطورة في معارك شرق صيدا، مع الصهاينة وأعوانهم ودفاعاً عن عروبة لبنان.

في منتصف الثمانينيات من القرن الفائت غادر لبنان عائداً الى الأردن حيث بيته وناسه وعائلته في الكرامة. ولم ينحن لعواصف الأوسلة التي أتت على كثيرين من ضعفاء النفوس والإرادة، والولاء لفلسطين كل فلسطين. بقي عفيفا نظيفا الى أن وافته المنية هذا اليوم. حيث استطاع مرض السكري في النهاية أن يهزم هذا الرجل الجليل.

نهاية صيف سنة 2015 واثناء زيارتي الى الأردن التقيت به فور وصولي، إذ حينما علم من الأصدقاء أنني في عمان، سارع الى المجيء من الكرامة، حيث التقينا هناك، وكان معنا أيضا الرفيق والصديق الذي رحل فيما بعد يوسف زغلول، ابن نفس التجربة المقاومة. قضينا ليلة جميلة وأمسية لا تنسى مع أبي نضال، الذي وعدناه بزيارته في الكرامة، لكن لأسباب معينة لم تتم الزيارة.

وداعا يا رفيق الكفاح والجراح

على العهد باقون حتى تعود فلسطين كل فلسطين.

نضال حمد 26-6-2019

الراحل أبو نضال بالقميص الأبيض في لبنان من ثمانينيات القرن الفائت.

 

Obraz może zawierać: 2 osoby, uśmiechnięci ludzie, ludzie siedzą, tabela i w budynku

 

أيلول 2015 انا وأبو نضال الأردني في عمان

 

Obraz może zawierać: 2 osoby, ludzie siedzą, tabela i na zewnątrz