الأرشيفوقفة عز

أب فلسطيني من غزة … درس في الانتماء والصبر والصمود ..

نضال حمد:

يتحدث هذا الأب المنكوب بحرقة وألم شديد عن إبنه الذي دفنته الطائرات الحربية الصهيونية تحت أنقاض المبنى والمنزل في مخيم الشاطئ في غزة.

يقول أنه يبقى أحياناً وحتى في أوقات الليل فوق الأنقاض يصرخ وينادي على ابنه بإسمه لعله يرد الجواب .. لكن لا جواب يأتي من تحت الأنقاض سوى صدى صوت الوالد الحزين… فقد تحول المبنى إلى مقبرة جماعية لسكانه.

الأب الذي اعتبر أن موت ابنه “صبح” قد أماته هو أيضاً، قال في شريط مصور أنه قام بالاتصال على هاتف ابنه الجوال، رن الهاتف لكن نجله لم يرد عليه.. فأخذ الوالد يصرخ .. “حبيبي، ابني رد .. من شأن الله رد، جاوبني يا ابني”… لكنه للاسف لم يسمع جواب ولم يرفع أحد سماعة الهاتف.. ومنذ ذلك الوقت توقف الاتصال وتوقفت الحياة وأصبح الوالد يسير في الشارع ليلاً وهو يصرح وينادي على ابنه، فظن الناس والجيران أنه جُن أو اصابه مس .. لكنه شرح في الشريط المسجل أنه لم يصب بمس ولم يجن بل هو يفعل ذلك للبحث عن ابنه… فحايته كما قال انتهت من بعد موت ابنه وهو لا يستطيع العيش بدونه لأنه كان روحه مثلما كانت الطفلة ريم روح لروح جدها الذي أبكانا كلنا وهو يودعها بعد أن قتلها الارهابيون اليهود الصهاينة من جيش الاحتلال “الاسرائيلي”..

يقول الأب المفجوع بأنه والجيران ومن كانوا يساعدون في أعمال الأغاثة كانوا يخرجون “اللحوم” وهي قطع من أجساد الضحايا الممزقة والمتناثرة تحت الأنقاض وفي المكان الذي تعرض للقصف. أضاف الوالد الحزين جداً: أنا لا أعرف ولا أحد غيري يعرف “لحم من هذا اللحم”؟… لا نعرف لحم من نحمل ونجمع من تحت الأنقاض؟؟..

ربما هو لحم ابنه الذي فقده بالغارة أو لحم زوجته أو لحم عائلته وجيرانه وكل من كان في المبنى لحظة تسويته بالأرض وقتل وجرح كل ما كانوا فيه.

في حديثه أصرّ الأب على البقاء في مخيم الشاطئ وعدم مغادرته أبداً كما وطالب سكانه بالصمود وعدم مغادرته وعدم تكرار غلطة الأجداد في سنة ١٩٤٨، في إشارة الى مغادرتهم فلسطين تحت تأثير المذابح الصهيونية سنة ١٩٤٨، فهو يعرف أن نفس المذبحة تتكرر اليوم، لذا قال للجميع إبقوا هنا .. لا تخافوا ولا تغادروا .. لو مِتنا، فلن نمت كلنا ولو بقي واحد منا حيّ وهنا فهذا انتصار على مخطط العدو والتصفية العرقية والابادة… هذه المعنويات العالية علو السماء فوق الأارض، وتلك الارادة العظيمة والجبارة لا بد انها ستهزم العدوان والاحتلال وكل الواقفين معه من شذاذ الآفاق ومرتزقة العالم كله.

نضال حمد

21-12-2023