الأرشيفوقفة عز

إعْتَذِرْ عما فعلت في بيان ثقافة الهزيمة حول القدس

البيان الذي نتحدث عنه هنا صدر قبل أيام قليلة عن مؤسسة محمود درويش وهي بالمناسبة مؤسسة تطبيعية بامتياز، كان حتى وقت قريب يديرها ياسر عبد ربه أحد أسوأ الفلسطينيين على الاطلاق. وهي كذلك جهة تتلقى كل الدعم من سلطة أوسلو التي تتحكم بالمؤسسات الفلسطينية بعدما حولتها الى مؤسسات تابعة لمقاطعة رام الله ورئيسها.

وبما أن التطبيع العربي كان على الدوام مطلباً سلطويا أوسلوياً، منذ عاد أهل أوسلو الى غزة وأريحا أولاً، فقد حرص الأوسلويون على الايقاع ببعض العرب وجرهم للتطبيع تحت مسميات عديدة ومنوعة، تارة بحجة زيارة فلسطين المحتلة والتعرف على أوضاع الشعب العربي الفلسطيني تحت الاحتلال، والتضامن معه، وتارة أخرى بحجة التواصل بين الفلسطينيين واخوانهم العرب.

 لذا دأب الأوسلويون على فعل ذلك مستغلين تعاطف الشعوب العربية مع قضية فلسطين. ومن نتائج ذلك كل ما نراه اليوم من هرولة عربية رسمية جماعية للتطبيع مع الصهاينة على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

 في رد من المفكر الفلسطيني عادل سمارة كتب مخاطبا الموقعين والموقعات على البيان :

( أخذتكم/ن الحماسة، تداركوا الخديعة واسحبوا توقيعاتكم/ن
بيان مثقفين، ونضيف هنا /ات كي لا يتم اضطهادهن. من الواضح أن كثيرا من المثقفين والمثقفات لم ينتبهوا إلى اللغم الكامن في البيان والذي لا شك قصد وضعه دهاقنة التسوية. فهو ينطلق من وضع القدس المحتلة 1967. وهذا يعني أن القدس المحتلة قبل 1967 وجميع الأراضي المحتلة عام 1948 هي “إسرائيل”. وهكذا، كلما اشتغل الشرفاء على تأكيد ان الصراع على كل فلسطين، يأتي أهل التسوية ليقولوا: لا. نحن نريد فقط المحتل 1967. هذا الاستقواء بالضعف كارثي. للأسف رايت اسماء هم/هن ليسوا مع تسوية أوسلو. وبالطبع، كما قلت، هناك كثير من الفلسطينيين والعرب لا يعرفون هذه الخدعة.

أما من يعرفون، فيبدو أنهم لم يتعبوا من كافة العروض المقدمة للكيان ومن ركلها برجله. لن يطول الوقت حتى يطالب الدهاقنة ب “ابو ديس” . على أية حال مثقفو الطابور السادس الثقافي، هم ظاهرة معولمة، أي ليست عربية فقط. (جاء في بيان ما يسمى التضامن مع القدس ( يقصدون القدس الشرقية ) وهذه القدس المفترض انها عاصمة للفلسطينيين من وجهة نظر ترامبياهو ونتنياهو تقع في أبو ديس والعيزرية، وممنوع تسميتها باللغات اللاتينية جيروزوليم بل القدس، تماما كما جاء في وثيقة عباس – يعلون سنة 1995 . ويعلون بالمناسبة هو وزير أسبق للأمن الصهيوني أقر أول أمس أنه أجهز بنفسه على الشهيد القائد أبو جهاد الوزير في تونس سنة 1988 .

جاء في بيان المثقفون والمثقفات :

( إنّ القدس جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وينطبق عليها قرارا مجلس الأمن 242 و338 اللذان ينصان على انسحاب (إسرائيل) من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وكذلك القرارات ذات الصلة.).

مَرَ على البعض دون أن يدري أو بدراية أنه بوضع توقيعه تحت هذا النص يكون قدم تنازله عن 78% من أرض فلسطين المحتلة للصهاينة وكذلك اعتباره ان القدس المحتلة هي فقط القسم الذي احتله الصهاينة في حزيران 1967 .

 في رد على البيان كتب عبد اللطيف مهنا :

( مثلاً، جاء فيه: إن “القدس جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967” .. “الأراضي” وليس فلسطين، أي مستخدماً ذات التعبير الاحتلالي والتسووي التصفوي الأوسلوي والعربي والدولي .. و”عام1967″، أي تجاهل القدس الغربية و78% من فلسطين المستلبة إثر النكبة الأولى عام 1948، وإذ لا من ذكر لهما، فلا من ذكر أيضاً لستة ملايين لاجىء مشرَّد في دنيا الشتات .. بيان لكأنما الذي صاغه واحد من كتبة مكتب كبير المفاوضين، أو ومدبّجي بيانات المفاوضات حياة .. بيان مدان ومن لايدينه من المثقفين من غير موقعيه حُشر في زمرتهم.).

كلام شديد الوضوح للكاتب الفلسطيني عبد اللطيف مهنا ودعوة منه لادانة القائمين على البيان ولموقعيه لأنه جريمة. ولأن فلسطين أكبر من البيانات والتوقيعات أقول أنه يحق لكل من أخطأ ووضع توقيعه دون انتباه لما ورد فيه من تنازلات، وبعملية خداع أن يعتذر عما فعل في بيان مؤسسة صاحب قصيدة لا تعتذر عما فعلت.

بدوره كتب الأديب الفلسطيني الكبير رشاد ابوشاور رداً على البيان وتحت عنوان (مثقفو التغطية) :

 ( فلسطينيا هناك اختلاط، فثمّة كتاب ومثقفون (واكبوا) المسيرة الفلسطينية، وتعايشوا مع الخيارات السياسية الفلسطينية الرسمية، تحديدا منذ ما بعد حرب تشرين 1973، مع بدء الإعلان عن مسار سياسي يفارق أطروحات تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني الذي انطلقت الثورة من أجل تحقيقه، وما زالت فتح تباهي وتحتفل برصاصته الأولى التي أُطلقت في اليوم الأول من عام 1965.

هؤلاء( المثقفون) سلكوا ونظّروا وغطّوا (كل) خطاب ( التسوية) منذ بدأ، وبرروا (كل) التنازلات انطلاقا من أن شعبنا ( تعب)، وأن ( العرب) لم يقدموا لنا شيئا، وأن ( المرحلية) ستنقذ ما يمكن إنقاذه، وأن شعارات الستينات ماتت، وأن شعار عروبة فلسطين مزاودة، وأننا نحن الفلسطينيين وحدنا ولن ننتظر زحف العرب إلى فلسطين.. يعني خطاب يُكرّس ( الإقليمية) الفلسطينية السياسية!).

 يؤكد ابوشاور وهو الذي عاصر الثورة الفلسطينية منذ بداياتها ويعرف الكثير عنها وكتب في رواياته وقصصه ومقالاته كل ما يمكن كتابته عن التجربة الفلسطينية المعاصرة. يؤكد أن هذا الطابور السادس الذي تكلم عنه أيضا المفكر عادل سمارة يمارس الخداع مع شعبنا ومع أمتنا ويمارس التملق مع القيادة الفاسدة والمفسدة لكي ينال رضا السلطان والحاكم. فمن برروا للقيادات المتعاقبة في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كل ما قاموا به من تنازلات ومن أعمال أضرت بفلسطين وبالأمة وهللوا لهم ولشعاراتهم السياسية التي أدت الى الاستسلام، ومن ثم الوصول لحد العمل كجماعة لحد في جنوب لبنان، عبر التنسيق الأمني مع الاحتلال. هؤلاء المُبَرِرون مجرمون أكثر من المنسقين الأمنيين. وأكثر من أهل الحياة مفاوضات وتنازلات. ويجب محاسبتهم عاجلاً أم آجلاً.

 كيف مرَ على بعض الموقعين – ت الكلام الخطير الذي ورد في البيان؟

أقول على البعض لأنهم – ن ليسوا ولسن من مؤيدي ومؤيدات نهج أوسلو ووادي عربة وكمب ديفيد والتطبيع والاستسلام العربيين. ومن موقع الاحترام لهم-ن أطالبهم بسحب تواقيعهم- توقيعاتهن و اعلان سبب ذلك للجمهور، ولكي يفهم الجميع أن فلسطين الكاملة والقدس المكتملة غير قابلتان للقسمة ولا للتفريط. وان فعلوا وفعلن ذلك فهم-ن يعملون بالحكمة العربية القائلة: الاعتراف بالخطأ فضيلة. وبما أن فلسطين هي أم القضايا وقلب المسألة فأن الاعتذار عن سهوة أو خطأ ليس بالمشكلة. ولا يعتذر عن الخطأ إلا الانسان الراقي والمحترم والعزيز. فكيف اذا كان الخطأ يمس جوهر ولب الصراع مع العدو الأزلي.

 ان مهمة المثقفين والمثقفات في فلسطين أولاً وفي الوطن العربي الكبير هو نشر ثقافة المقاومة وتعزيز وتكريس مبدأ الكفاح الشعبي المسلح وبكل السبل لأجل تحرير الأرض والانسان. فلا يمكن ولا يجوز لأي مثقف وطني أن يلتزم الصمت أو يتغاضى عن جرائم المتأوسلين وطابورهم الثقافي المهزوم، الذي ارتضى أن يعمل في خدمة أعداء فلسطين والأمة. فضح هؤلاء وتعريتهم إسوة بفضح وتعريّة السياسيين المهزومين واجب وطني وثقافي مقدس.

نضال حمد – كراكوف في 29-12-2017