الأرشيفوقفة عز

الأستاذ الراحل ضرار سليمان الحسن – أبو بسام – نضال حمد

الفقيد المربي الأستاذ الفاضل ضرار سليمان الحسن – أبو بسام – المولود في بلدة صفورية قضاء الناصرة بفلسطين العربية قبل احتلالها من قبل العصابات الصهيونية الاستعمارية الغازية بتسع سنوات، أي في سنة 1939. لم يكن يعلم الطفل الصفوري ضرار سليمان الحسن أنه بعد تسع سنوات من ولادته قرب قلعة صفورية التاريخية، وغير بعيد عن الناصرة مدينة سيدنا المسيح في شمال أرض كنعان، حيث في حطين هزم السلطان صلاح الدين الأيبوي جيوش الغزاة الإفرنج والمحتلين الصليبيين ليعيد فلسطين كذرة من التاج وقطعة مقدسة من أرض العرين.

بعد الخروج والتشرد واللجوء والنزوح الاضطراري الى لبنان العربي عاشت عائلته كما كل عائلات شعب فلسطين التي تشردت سنة النكبة، في المخيمات وفي الخيام وبيوت الصفيح والطين. مع الأيام تحولت المخيمات الى مدارس وكليات لتخريج المتعلمين والمثقفين والأكاديميين والفدائيين من أبناء جيل النكبة واللجوء.

في المخيم ومدارس الانروا هناك واصل تعليمه ثم في مدارس صيدا ولبنان، في معهد سبلين. بعد التخرج عمل أستاذاً في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فكان مدرساً ومعلماً ومربياً محبوباً ومقدراً ومبجلاً من قبل تلامذته وطلابه في مدارس المخيمات. فقد كان استاذاً حريصاً جداً على اللغة العربية وقواعدها ونحوها وآدابها. كما كان ضليعاً جداً بالشعر العربي قبيل الاسلام أي الجاهلي وفي عصر الاسلام وما تبعه وتلاه من أزمنة.

دافع الأستاذ أبو بسام عن رسالة الماجستير بدرجة جيد جداً وكانت بعنوان “الشعر العربي قبيل الاسلام وبعيده” والتي ناقشها الدكتور صبحي الصالح. في هذا الصدد قال نجله وسام: “كانت اللغة شغفه وخبزه وعشقه”.

في بداية فتوته وشبابه التحق الأستاذ ضرار الحسن بجمعية الكشاف العربي في لبنان… وفي سنة 1957 تم تكليفه بقيادة فرقة في مفوضية الجوالة. تلك على ما يبدو كانت بداية التحاقه بالعمل السياسي والكفاحي الفلسطيني فيما بعد.

اشتهر المرحوم الأستاذ أبو بسام أيضاً بطوله الفارع لكنه لم يكن الأطول في عائلته فكان لديه شقيقه الأكبر أبو فخري صاحب الطول المميز، والذي بسببه كان يقال له في مخيم نهر البارد (يوسف الطويل)، وبحسب الأخ وسام ضرار الحسن فإن عمه أبو فخري كان من المجاهدين في فلسطين قبل النكبة وأن والده تأثر كثيراً بشقيقه.

إنتمى الأستاذ أبو بسام الحسن الى الرعيل المُبجل من مدرسي مدارس المخيمات ووكالة الغوث الانروا. فقد كان لهم ولهن، المدرسين والمربيين والمعلمين والأساتذة ومعهم المربيات والمعلمات والمدرسات الفلسطينيات، الأثر الكبير في تخريج أجيال متعلمة ومثقفة من شباب وصبايا مخيمات شعبنا الفلسطيني في لبنان. كما كان لهم ولهن فضل كبير في ترسيخ الثقافة الوطنية والانتماء الوطني الفلسطيني والقومي العربي في عقول وقلوب الطلبة والطالبات والتلاميذ والتلميذات. فالمعلمون كانوا ومعهن المعلمات كُنّ سبباً للنهضة التعليمية والتربوية والثقافية والوطنية. النهضة التي كانت الركن الأساس في تبوء ووصول تلك الأجيال من أبناء الشعب الفلسطيني الى أرفع المناصب في العالم العربي. وكانوا وكن السبب المباشر للنهضة العلمية والتربوية والأكاديمية والوطنية لدى أجيال فلسطينية عديدة، ساهمت في إبراز وانطلاقة العمل الوطني الفلسطيني مساهمة رئيسية وفعالة. فاستشهد وجرح الكثيرون والكثيرات منهم في معركة تحرير فلسطين والدفاع عن القضية الفلسطينية ومخيمات شعبنا في الشتات.

يجب أن أذكر شيئاً يربط بيني وبين عائلة الأستاذ ضرار الحسن فربما كثيرين وكثيرات من قراء وقارءات مقالاتي وكتاباتي يجهلونه ويجهلنه. الشيء الأول هو أن زوجته أم بسام، صفصافية من عائلة زغموت أي من بلدتي الصفصاف، فزغموت وحمد كانا شقيقين، مما يعني من عائلة واحدة. أما الشيء الثاني فهو العلاقة الحميمة التي كانت ولازالت بيني وبين أخي حسام. فهناك علاقة صداقة قديمة جمعتني بنجله الدكتور حسام الحسن، منذ التقينا في بولندا قبل نحو 40 سنة. حيث كان حسام طالباً في كلية الطب بمدينة كاتوفيتسه البولندية. الآن ومنذ عشرات السنين هو دكتور وطبيب ناجح يمارس عمله في بولندا. كما أنه انسان مثقف ومناضل ويعيش آلام شعبه ومخيماتنا ويساعد شعبه بما يستطيع وبما يمليه عليه ضميره الوطني والانساني.

قرأت في بروفيل أخي وسام ضرار الحسن رسالة تعزية من الأخ ياسر العلي جاء فيها:

” تأخرت بالكتابة عن الأستاذ المرحوم ضرار الحسن، والد الأخ والصديق وسام الحسن، لأني كنت أفتش عن أوراقه التي كان يرسلها لي عندما كنت أدير #مجلة_البراق في العام 2006. تأخرت لكي أفشي سراً لطيفاً، بأن #ابن_الأزور الذي كان يكتب زاوية #أوراق_لاجئ هو الأستاذ ضرار، الذي زودنا على مدى سنوات بذاكرته الفائضة في التفاصيل عن النكبة وبدايات اللجوء إلى مخيم القرعون ثم مخيم نهر البارد.. ومسيرة حياته التي تجسد نموذجاً لحياة اللاجئين في لبنان.”.

أما السيد صالح الشحري فقد كتب عن الراحل:

“العم العزيز ضرار الحسن

بعض الأشخاص تتعرف عليهم، فينتصب في مخيالك الشموخ مجسدا في إنسان، تعرفت الى العم ابو بسام خلال زياراتى القليلة الى صيدا لبنان، لكننى منذ زرت بيته، الذي تغلف مئات الكتب جدرانه، أحسست كأننى أعرفه منذ نعومة أظفاري، مكتبة تمشي على قدمين، فيها ما طاب من الحكمة، الى جانب كنوز العربية، وتاريخ القضية الفلسطينية، تظللها تجربة ثرية في العمل النقابي ضمن اتحاد المعلمين العرب. كل ذلك كان هذا الرجل الشامخ كالنخلة، الساطع كالشمس، العذب كالفجر. مضت سنوات منذ زرته آخر مرة، تهاتفنا مرارا، كان ينتعش بعد كل مرض، وما كنت- حين أتذكره- أظن أن مثله يموت، ولا أننى سأقرأ يوماً من الأيام نعيه، ولكن طاب له فراقنا ليرحل الى كنف الله الكريم الرحيم”.

أما الأخ وسام نجل الفقيد فقد استحضر بعد وفاة والده قصة عن والده وعن جدته الصفصافية الحاجة الراحلة أم عصام زغموت. فكتب تحت عنوان: “عن جدتي والتفاح… قبل المغيب في مخيم البداوي:

كان جدي أبو عصام يشتري التفاح وكانت جدتي تصنع منه (تفاح معلل) وكنا أنا وإخوتي نتولى بيعه في حارة ستي… وفي أحد الأيام لاحظ والدي الأستاذ ضرار سليمان الحسن أن جدتي (حماته) ليست على ما يرام فبادر إلى سؤالها، ما بك يا حجة؟ فقالت شارفت الشمس على المغيب و”سدر” طبق التفاح كما هو؛ مما يعنى كساده ومصيره التلف لأن تفاح جدتي له سمعة طيبة ولا يمكن بيعه في اليوم التالي، وعليه استدعى والدي أخي (الدكتور حسام) وكان عمره عشر سنوات أو يزيد وتوجها بالسيارة إلى منطقة الميناء في طرابلس، حيث يكثر المارة ونظراً لجودة البضاعة والثمن الزهيد ومع الغروب عادا إلى مخيم البداوي بالسدر فارغاً والغلة حرزانة، فكانت سعادة جدتي عارمة وممتنة لصنيع أبي … رحم الله جدتي إم عصام زغموت، لقد كانت عصامية حنونة محبة عاشت حياة اللجوء بكل المرارة التي كانت تحولها إلى مفردات من العطاء ودروس في حياة أحفادها وأحبابها وما أكثرهم”.

قبل أيام مر عيد المعلم في لبنان ففي التاسع من آذار – مارس من كل عام كُنا في مدارسنا نحتفل بعيد المعلم فنكرمه ونقدره ونبجله… وها أنا اليوم بعد تلك الذكرى بأيام قليلة أكتب هذه الكلمات عن هذا المعلم الجليل. وفاء ومحبة واحتراما وتبجيلاً… تماماً كما جاء في قصيدة جميلة من نظم أمير الشعراء العرب أحمد شوقي في مدح المعلم:

«قم للمعلم وفه التبجيلا..

 كاد المعلم يكون رسولا» 

رحم الله أستاذنا ضرار الحسن وكل أساتذتنا الذين مضوا الى العالم الآخر.

مرفق نص مقالة بقلم الاستاذ الراحل ابو بسام ضرار الحسين عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كان نشرها في مثل هذه الأيام من شهر آذار سنة 2010.

أعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

13-3-2022


كتب الأستاذ ضرار سليمان الحسن المكنى بإبن الأزور في مجلة البراق الشهرية الصادرة في مخيمات لبنان والتي تعنى بالشأن الفلسطيني العدد ٧٣ السنة السابعة آذار 2010

اوراق لاجئ

من المسؤول؟!

من المسؤول عن الظلم والغبن وإلغاء إنسانية فلسطيني لبنان؟

لسنا بحاجة إلى التحليل وجمع المعلومات والمقارنة والاستنباط والاستنتاج، وسوق المستندات والشهادات، فما يعانيه هؤلاء من واقع مرير وقاس دون بصيص أمل بالعلاج أو الانتعاش ينبئ وينذر بمستقبل أسود حالك، يضع الوجود الفلسطيني والقضية برمتها في دهاليز الضياع المجهول، فهناك من يصرخ ويجاهر بوقاحة بلغت منتهاها بترحيلهم وتوزيعهم كحصص متفق عليها، وتشتيتهم وكأنهم مجرد محصول زراعي كالقمح أو الأرز أو السكر على بلاد العروبة، فإن ضاقت فعلى قارات العالم. حتى المنتوجات الزراعية والمحاصيل تحمل هويتها إلى كل مكان فهناك القمح الكندي والأمريكي والأسترالي، وهناك البن العدني والكولومبي والبرازيلي تتمسك بمصدرها وذاتها حيثما صدرت وأينما استقرت، أما نحن فالمطلوب أولا وأخيرا إسقاط هويتنا وتذويبنا كما يذاب الملح بالماء، وما هجرة فلسطينيي العراق إلى شتات الغرب بعد أن ضاقت بهم أرض العروبة والإسلام إلا واقع جار يطمح إليه الكثيرون.

ونظراً لما تحمله مخططات الأعداء والأصدقاء وبعض الإخوة الضالين أو المضلين كان من الواجب تحديد المسؤوليات بموضوعية متناهية، وصراحة وجرأة حقة، عل في ذلك ما يجنبنا المأساة، فتفشل المخططات، لتبقى القضية وأصحابها هدف العودة، والعودة فقط ما يسعى ويصبو إليه الأحفاد جيلا بعد جيل وعقداً بعد عقد، وقرناً بعد قرن حتى لا نتحول إلى كوب شاي أو فنجان قهوة يرتشقه المتأمرون ويتلاشى في كروشهم وبطونهم المترهلة التي لا تعرف جوعاً ولا شبعاً.

والمؤسف المضحك المبكي أن من كان عليه أن يحمل أمانة الحفاظ على هذا الأمر والمسؤولية القومية الإنسانية عن هذه القضية وشعبها هو من يسارع ويساهم إلى حد كبير في تنفيذ هذه المخططات وأنا لا أتجاهل ولا أنفي ولا أخفف من جريمة ومسؤولية إسرائيل ، والغرب ومؤسساته ذات الاسم الإنساني والعمل السلوكي العدواني ، فهم من خلق المأساة ، وهم سبب كل ما نعانيه من عدوانية وعنصرية وظلم وتشريد ، لهذا مبرر وجودهم وهذه رسالتهم الشيطانية منذ الحروب الصليبية التي بعثها وجددها بوش الابن إلى وعد بلور إلى سايكس بيكو إلى زرع الكيان السرطان إلى قلب هذه الأمة إلى حضانته ورعايته ومده بكل مقومات الحياة من حليب الأطفال إلى المليارات إلى الأساطيل والغواصات والطائرات وقنابل الدمار الشامل.

هذه حقائق ساطعة ومسلم بها لا ينكرها إلا كل أعمى البصر والبصيرة ، فهي ثوابت نراها كل يوم كما نرى الشمس والقمر سنن الكون من حياة وممات ، لكن تواطؤ أو تقصير أو جهل أو التقاء المصالح ، أو المناكفات الضيقة أو الحسابات الخاطئة لدى بعض مسؤولينا ، تشكل عوناً لأعدائنا أو خصومنا . وقديماً قيل إن الجاهل عدو نفسه ، وهنا يخدم ويساعد مع الأعداء ، فكيف إذا عمد وقصد ورضي ؟ وفي كل الظروف والأحوال يصح فيه قول من قال : إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم –

ابن الأزور

رعيل التربية والتعليم الأول في لبنان

أخذت هذه الصورة في معهد سبلين (دار المعلمين) سنة 1970

من اليمين الأستاذ أديب عبد الخالق ، الأستاذ سعيد حجير ، الأستاذ محمود العينات ، والدي الأستاذ ضرار سليمان الحسن ، الأستاذ محمود الأسدي ، الأستاذ محمد أبو زريق .