الأرشيفوقفة عز

الأستاذ المرحوم خليل أسعد كردية – أبو شادي- نضال حمد

يوم الأربعاء 23-3-2022 تحل الذكرى الأولى لرحيل الصديق وابن البلد الاستاذ خليل كردية – أبو شادي. الذي توفي فجأة وبعد عناء مع مرض عضال للأسف تمكن من الفتك به. كنت ذات مرة في احد المؤتمرات الخاصة بالقضية بالفلسطينية والذي انعقد في الشام ربما سنة 2008، يومها التقيت بالأستاذ أبو شادي بعد سنوات من الغياب، فجلسنا وتحدثنا وتذكرنا محطات مخيمية وصفصافية عديدة. ثم عدنا وألتقينا في مكتب “جتف” بمخيم مار الياس، لرفاق القائد الشهيد طلعت يعقوب وكان حاضراً في الجلسة الرفاق ابو نضال الأشقر ومحمد ياسين والراحل أبو خالد الشمال والراحل عماد بني حسين والراحل وليد جمعة – ابو مصطفى وآخرين، ربما كان اللقاء الثاني سنة 2009 وقمت في ذلك اليوم بإهدائه كتابي الأول (طفولة بين المقابر) الذي صدر سنة 2008 في مخيم اليرموك بدمشق عن دار الشجرة.

وخلال زياراتي الكثيرة الى لبنان في السنوات ال 15 الأخيرة، كنت دائما التقي به ونتحدث. وآخر مرة التقيت به سنة 2019 وطلبت منه مساعدتي في التوجه الى تجمع “أوزو” لللاجئين المهجرين من مخيمات أخرى في مخيم عين الحلوة لالتقاط بعض الصور. وافق واتفقنا لكن انشغالي بأمور أخرى حال دون أن نتمم المهمة.

المرحوم الاستاذ خليل كردية- أبو شادي

الأستاذ خليل أسعد كردية من مواليد لبنان سنة ١٩٥٢لعائلة صفصافية جليلية فلسطينية نزحت إبان النكبة الفلسطينية سنة 1948 الى لبنان وسكنت في مخيم عين الحلوة. هناك في المخيم كبر وترعرع وقضى طفولته مع أبناء بلدته وحارته ومخيمه ومدرسته. وللعلم فإن من أولائك الرفاق والشباب هناك من استشهدوا أو رحلوا عن عالمنا، كما هناك من لازالوا أحياء يرزقون. من جيل تلك الفترة من الزمن هناك أسماء عديدة اذكرها وكان معظم هم يلتقون ويتجمعون في محل أو نادي والدي المرحوم أبو جمال حمد، غير بعيد عن عيادة الوكالة ومقر الصاعقة الأول قرب السور ومقابل بستان اليهودي، على الطريق الى مدرستي قبية والفالوجة ومدخل المخيم الشمالي عند المستشفى الحكومي اللبناني.

تعلم الراحل أبو شادي كردية في مدارس الانروا حيث أنهى المدرستين الابتدائية والمتوسطة في مخيم عين الحلوة. ثم حصل على شهادة التوجيهي من جمهورية مصر العربية، ففي ذلك الوقت من زمن المد القومي والناصري، قام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، بفتح أبواب المدارس والثانويات والجامعات والمعاهد والمعسكرات والكليات للطلبة الفلسطينيين.

الشهيد حسن كردية 1967

بعد التخرج والعودة الى مخيم عين الحلوة تم توظيف الأستاذ خليل كردية كمعلم في سلك التعليم بالانروا في مدرسة بمخيم تل الزعتر في بيروت الشرقية. المخيم الذي تعرض للحصار والمذابح من قبل عصابات الكتائب اللبنانية الفاشية المتصهينة بين سنتي 1975 و1976. لكن الأستاذ خليل مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وانتشار الحواجز الطيارة وعمليات الخطف والقتل على الهوية، انتقل الى الجنوب اللبناني ليلتحق بركب المعلمين والأساتذة في مدرسة مخيم المية ومية قرب مدينة صيدا ومخيم عين الحلوة.

منذ البدايات كان الصديق الأستاذ خليل كردية متأثراً بالعمل الفدائي وبإنطلاق فصائل العمل الوطني الفلسطيني. كما أنه تأثر كثيراً بإبن عمه الشهيد حسين كردية، الذي كان من أوائل الفدائيين الذين التحقوا بالعمل الوطني الفلسطيني، وكان أيضاً من اوائل الشباب المناضلين الذين طاردهم المكتب الثاني اللبناني، وتعرض للاعتقال وللتعذيب. فيما بعد نفذ حسين كردية عملية فدائية في الجليل الفلسطيني المحتل حيث استشهد هناك بتاريخ ١٩٦٨/١٠/١٩.  

الأستاذ خليل كردية بعد هزيمة حزيران 1967 وفيما بعد عقب استشهاد ابن عمه حسين، قرر أن يكون فدائياً. فقد كان متأثراً بأبن عمه الشهيد، لذا ألتحق أيضا بجبهة النضال الشعبي الفلسطيني هو وعدد من شباب آل كردية. بعد ذلك خضع لعدة دورات عسكرية في سوريا وبعد العودة من الدورات العسكرية توجه مع رفاقه الفدائيين الى قواعد المقاتلين في جنوب لبنان في العرقوب بالقطاع الشرقي.

خلال عمله في مدارس مخيم عين الحلوة كان ضمن اتحاد المعلمين الفلسطينيين هو وزميله وابن بلدته الأستاذ محمود خليل – أبو علاء- وهو بالمناسبة زوج شقيقتي. عملا ونشطا معاً في مخيم عين الحلوة ومنطقة صيدا وفي المدارس وضمن سلك التعليم.

في أعقاب الغزو الصهيوني للبنان صيف سنة 1982 اعتقل كما صديقه أبو علاء خليل وكما آلاف الفلسطينيين المقيمين في مخيمات لبنان. زج بهم في معتقل أنصار. وبقي في المعتقل حتى خرج في عملية التبادل التي حررت كل أسرى أنصار.

في أعقاب زلزال الانسحاب من بيروت سنة 1982 وخسارة الثورة الفلسطينية لمواقعها في الجنوب اللبناني، ووقوع المخيمات الفلسطينية الجنوبية كلها تحت الاحتلال، وتعرض مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت لمجرزة بشعة، ثم محاولات عصابات سمير جعجع وآل الجميل الاعتداء على مخيمي عين الحلوة والمية ومية، بدأ الفلسطينيون في المخيمين الاستعداد الميداني لخوض المعركة والدفاع عن أنفسهم وعن شعبهم ومخيماتهم. فكان أستاذنا أبو شادي من ضمن مناضلي مخيمنا الذي شاركوا في الدفاع عن المخيم.

بعد ذلك ومع عودة العمل الفصائلي الى المخيم وبقية الأراضي اللبنانية انخرط من جديد في العمل الوطني والمجتمعي والشعبي، الجماعي، لخدمة أبناء شعبه. أخبرني أحد زملائه أنه كان من مؤسسي اللجان الشعبية ولجان الأحياء في المخيم. حيث لعب دوراً بازراً مع وملائه ورفاقه واخوته في  حل الخلافات ووقف الاشتباكات بين جميع الأطراف.

بحسب أحد أفراد عائلته فإنه كان يتنقل من حي لحي داخل المخيم، معرضاً حياته للخطر لتأمين وقف اطلاق النار. كان محبوبا من جميع الفرقاء على اختلاف توجهاتهم، كما أنه ساهم بتخفيف المعاناة عن النازحين السوريين والفلسطينيين السوريين في مخيم عين الحلوة، واستمر في خدمة أبناء شعبه حتى آخر أيام حياته.

كان الاستاذ خليل يحب كتابة الخواطر وبعض السكيتشات السياسية والاجتماعية وكان يرسل لي بعضها إما للمطالعة أو للنشر في موقع الصفصاف وربما في مجموعة ذاكرة مخيم عين الحلوة وأهل الصفصاف. هنا رابط لبروفيله في فيسبوك وفيه كل ما كان كتبه ونشره على فيسبوك:

https://www.facebook.com/aboshadi.kurdie

نضال حمد

22-3-2022