الأرشيفوقفة عز

الأستاذ المرحوم محمود نايف صبحة – أبو احسان – أعداد نضال حمد

من مواليد عام 1937 في قرية الصفصاف قضاء صفد في الجليل الأعلى من فلسطين المحتلة، نشأ وترعرع في طفولته على أرض الصفصاف في فلسطين الحبيبة السليبة، قضى بعضاً من طفولته في فيها، حيث كان يلهو على سفوح جبل الجرمق وعند عين المياه الأثرية، وبين حقول الزيتون ومشاتل التبغ، التي روتها دماء الشهداء، الذين ذادوا ودافعوا عن قريتهم وجليلهم وفلسطينهم حتى الشهادة، يوم سقوط الصفصاف في 28-29 تشرين الأول من سنة 1948.

قضى أستاذنا الطفولة مع رفاق وزملاء وأصدقاء له من بلدته، منهم من أصبحوا مثله معلمين، أساتذة وزملاء له في المدرسة والتعليم فيما بعد. ومنهم من اختاروا طرقاً أخرى لمواصلة الحياة وتحدي صعابها بعد النكبة.

عندما نشرت قبل فترة على مجموعة “ذاكرة أهل الصفصاف” في فيسبوك صوراً لبعض المعلمين الفلسطينيين، من مدارس الوكالة في مخيم عين الحلوة وكان من بينهم الأستاذ أبو إحسان صبحة، سرعان ما تعرف تلاميذه على معلمهم الذي علمهم اللغتين العربية والانجليزية. أما أنا فقد أبهرني حجم الاهتمام الكبير من قبل أبناء وبنات مخيم عين الحلوة وصيدا من الفلسطينيين والفلسطينييات بمعلميهم-ن وبمعلماتهم-ن.

الأستاذ محمود نايف صبحة “أبو إحسان” معلم من جيل المعلمين الصفصافيين الذهبيين، حيث بدأ العمل بسلك التدريس في العام 1956 في نهر البارد ثم انتقل الى مدارس الأنروا في الجنوب حيث خدم نحو سنة في مدرسة للفلسطينين قرب القاسمية.

بعد ذلك انتقل ليكمل مسيرته في تعليم الطلاب بمدرسة الفالوجة في مخيم عين الحلوة خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت، على أنه التحق للتدريس في مدرسة شهداء فلسطين في العام 1971 والعام 1972 ثم عاد بعد ذلك ليلتحق بعمله في مدرسة “نابلس” بمنطقة “القناية” في صيدا.

كان الأستاذ محمود نايف صبحة فرداً من فريق معلمين فلسطينين عصاميين تحملوا المسؤولية ونذروا أنفسهم لتعليم أجيال متعددة من الطلاب والطالبات، وأوقدوا في فكرهم وقلبهم حب العلم والوطن، وتخرج على أيادي جيل المعلمون الفلسطينيون العصاميون هؤلاء، عدد كبير من الشباب والطلبة. لا نستطيع في هذه العجالة حصرهم، جلهم غدوا من الشباب المتعلم والناجح، فمنهم الأطباء والمهندسين والمعلمون والصيادلة. كما منهم كان هناك ولازال الإداريين والمحاسبين والسياسيين والاعلاميين والذين تبوؤا أعلى المناصب وهم منتشرين بجميع القارات.

من معلمي تلك المرحلة هناك إخوة وزملاء للراحل أبو إحسان من الذين خدموا وإياه أو بعده بقليل في مدارس الوكالة بالمخيمات الفلسطينية في لبنان.

من هؤلاء المعلمين نتذكر ونعتذر إن نسينا أيٍ كان، نتذكر الجيل الذهبي فهناك الأساتذة: علي فرهود وصالح حمد وخالد شريدي “أبو رائف” وفوزي شريدي و”أبو مشهور” صلاح الصالح وشحادة وعطا دعيبس، الشاعر محمود صبحة “أبو شوقي” وأبو ضياء الصالح ومحمود يونس وحسين خليل والشاعر صلاح حمد، محمد اليوسف، محمد الحسن بلشة –الحنون-، رياض الطافش ، فلاح الصالح، شحادة أبو الكل، فتحي زيدان، أحمد حمد. ثم بعد هؤلاء أتى جيل جديد أصغر سناً منهم: مثل الراحل فياض فرهود وابراهيم شريدي وخليل كردية وخليل وناظم وجمال شريدي ومحمود خليل… أود التوضيح أنني هنا أتحدث فقط عن (الذكور) من معلمي الصفصاف. مع العلم أن هناك نساء معلمات صفصافيات عديدات، أكن لهن كل الاحترام والتقدير. لن أعددهن لأنني لا أتذكرهن كلهن. لكنني سأحاول في قادم الأيام أن أكتب عنهن وعن المعلمات الأخريات في مدارس مخيمنا.

عند الحديث عن التعليم والمدارس يجب أن نتذكر أن هناك أساتذة من بلدات أخرى مثل: عيسى شحادة الصالح، طاهر أمين الطاهر، محمد السروجي، محمود طحيبش، سليمان داوود، عبد اللطيف، ابراهيم محمد سعيد العيسى، الياس عجينة، غالب حمادة، أحمد نجيب ومحمد صالح عيسى، أبو ياسين، ديب ووليد أبو حمدة، شحادة وفتحي الخطيب وكايد ميعاري، لطفي سبلان، نمر صنع الله، محمد مفلح، عبد المجيد كريم، سعيد القاسم، ابراهيم الحسين، فيصل العابد، نواف، محمد عزام، أسعد كعوش، محمود دهشة وأبو ماجد بليبل وخالد بليبل ومحمد خير شناعة وابو نزار شناعة وآخرين من آل شناعة… وخالد غنوم ومحمد أيوب وعلي جبر وحسن زيدان وعبد رجا وعبد آغا وعاصم قدورة وضرار الحسن وأحمد صالح وعلي صياح وأبو علي حجير وعبد حجير والشهيد الاستاذ ضرار والشهيد الاستاذ علي أبو خرج.

الأستاذ أبو إحسان درس التلاميذ اللغتين العربية والانجليزية في مدرسة الفالوجة بمخيم عين الحلوة وفي مدرستين بمخيمي نهر البارد والبداوي في شمالي لبنان. كما قام بالتدريس في مدارس صيدا للوكالة مثل مدرسة نابلس ومدرسة شهداء فلسطين… رغم أنه لم يكن متخرجاً من فرع اللغة الانجليزية بل كان يحمل ليسانس أدب عربي، لكنه كان من أفضل مدرسي اللغتين العربية والانجليزية في مدارس الوكالة، فقد قال لي إبنه عصام أن والده خلال  تدريسه في مدارس المخيمات الفلسطينية بلبنان نال شهادة تقديرية من مفتشة اللغة الانجليزية في الأنروا السيدة بروللي. التي كانت في زيارة تفقدية لمدارس الانروا، فشاهدت حصة تعليمية باللغة الانجليزية للعم أبو إحسان صبحة في مدرسة الفالوجة، وكان يرافقها المدير عبد المجيد كريم رحمه الله. أنبهرت بمستوى وأسلوب الأستاذ محمود نايف صبحة في تقديم اللغة، بعد انتهاء الحصة تحدثت السيدة “بروللي” فأبدت إعجابها وانبهارها بإتقانه الانجليزية وطريقة تعليمها. ثم قالت للمدير (جنرال المدارس أبو كريم) أنه لم يسبق لها أن رأت هذا المستوى خلال زياراتها التفقدية في مدارس الانروا بلبنان وسوريا والأردن.

في وقت لاحق وبعد أن أصبح لبنان بلداً لا يطاق ومرتعاً لكل أشكال الحروب والمجازر والعداء للفلسطينيين سافر المرحوم الى الامارات العربية المتحدة في العام 1979 والتحق بمدارس وزارة التربية في أبوظبي حتى العام 1998 حيث بلغ السن القانوني حينها وانتهت خدماته.

يقول نجله البكر إحسان : “بعد التقاعد بقي في أبوظبي في كنف ورعاية أبنائه حيث تفرغ للعبادة وقراءة القرآن وانتظار الصلاة بعد الصلاة، الى أن أدركه الكبر والتقدم في العمر وبات طريح الفراش نحو 4 سنوات، ولما ساءت حالته الصحية تم نقله الى المستشفى وبقي فيها شهرين و6 أيام وخرج منها بعد وفاته في فجر يوم 6/2/2019 وتم دفنه في مقبرة بني ياس في أبوظبي. نسأل الله أن يرحم ميتنا محمود نايف صبحة وأن يرحم ذلك الجيل العصامي المخلص من معلمين وغيرهم وأن يجزيهم عنا خير الجزاء”.

رحم الله الأستاذ أبو إحسان صبحة وكل الذين رحلوا من أهالي الصفصاف، كذلك كل أساتذتنا، الذين لهم فضل علينا في مدارس المخيم وحيث تابعنا وواصلنا العلم ومسيرة التطور والتعلم.

إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

22-12-2021