الأرشيفوقفة عز

الحاج نقولا 1960 – 1990 – نضال حمد

ولد الحاج نقولا خليل منصور سنة 1960 في بلدة الحسانية شرق مدينة صيدا اللبنانية، من عائلة لبنانية. حمل الحاج بندقيته مثلما حمل صليب الكفاح وواصل على درب الفدائي الفلسطيني الأول، السيد المسيح، عبر درب الآلام والأحلام، وعبر الايمان بتحرير فلسطين كل فلسطين وبوحدة الأمة العربية. فقد عاش على حب العروبة وحب فلسطين وحب لبنان والوطن العربي الكبير، فأنحاز منذ بداياته الى الفكر التقدمي والتحرري العالمي. ثم أصبح فدائياً فقائداً فدائياً. حيث كانت فصائل الثورة الفلسطينية في ذلك الزمان البيروتي والجنوبي اللبناني، مثل ميناء تجمعت فيه سفن العالم العربي والعالم التحرري. ففي أحواض ذلك الميناء الثوري الأممي رست سفن ثوار وأحرار وشرفاء العالم أجمع.  هناك كُنا نرى العراقي والأردني والجزائري والسوري واللبناني والمصري والتونسي والمغربي وحتى الأجنبي في الفصائل وفي قيادتها الأولى… والأمثلة على ذلك وفيرة وكثيرة.

تزوج الحاج نقولا من رفيقة دربه في مخيم عين الحلوة فأنجبا طفلين. لكنه للأسف الشديد توفي مبركراً في تونس بعد عناء مع مرض (السِل) في 21 أيار – مايو 1990. توفي وهو في ريعان الشباب عن ثلاثين عاماً، قضى نصفها في النضال والمعارك والميادين. سبق للحاج نقولا أن أصيب على إثر اطلاق رصاص أثناء تشييع أحد الشهداء في لبنان سنة 1986، فأثرت تلك الاصابة على وضعه الصحي بقية سنوات حياته وحتى وفاته.

أعرف تمام المعرفة بأن هذا الإسم (الحاج نقولا) وهو إسم لقائد وطني ميداني وبطل قومي راحل، كرس حياته كلها لأجل فلسطين، قد لا يعني شيئاً لصغار السن من الفلسطينيين وحتى من اللبنانيين. خاصة من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان وبالذات أبناء مخيم عين الحلوة. فهؤلاء الذين ولدوا بعد غزو لبنان سنة 1982، كثيرين منهم ربما إن لم نلحقهم الآن، فبعد وقت إضافي من عمر تذويب وشطب القضية الفلسطينية، سوف ينسون أسماء بلداتهم ومدنهم في فلسطين المحتلة، فكثيرين منهم فقدوا حتى لهجتهم الفلسطينية. أقول هذا الكلام المؤسف لأن ما تعرضت له المخيمات الفلسطينية في لبنان على مدار السنوات الأربعون الأخيرة لا يقل خطورة عن كارثة اتفاقية أوسلو ولا عن نكبة 1948.

الحاج نقولا مناضل عربي لبناني التحق مبكراً بالعمل النضالي والمقاوم عبر انضمامه في صفوف جبهة النضال الشعبي الفلسطيني. ووصل خلال مسيرة نضاله المميزة الى عضوية اللجنة المركزية للجبهة. وكان مسؤول الجبهة في جنوب لبنان. عقب غزو صيف 1982 للبنان غادر الى الشام ومنها الى تونس فيما بعد. لكن قبل ذلك كان المقر الرئيسي لعمل الحاج نقولا في مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا اللبنانية. أيام كان الحاج نقولا عضواً في اللجنة المركزية للجبهة كانت عضوية تلك اللجنة تأتي بالتعب والنضال والتضحيات والتثقيف الذاتي والتنظيمي. فثقف الحاج نقولا نفسه، ثم ابتعث في دروة فكرية الى واحدة من الدول الاشتراكية. تلك العضوية تختلف تماماً عن عضوية هذه الأيام وهذا الزمان الفصائلي، حيث اليوم ومنذ سنوات الانهيار الشامل بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وانشقاق كل الفصائل الفلسطينية تقريباً، أصبح أي وصولي وانتهازي وبائع مواقف، يمكنه أن يصبح عضواً في كل اللجان المركزية والتنفيذية والمكاتب السياسية للفصائل الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية. حتى وصلنا الى زمن صارت فيه عند بعض ناسنا وأهلنا وشرفاء أمتنا وشعبنا تلك الرتبة في بعض الفصائل تهمة.

يقوا أبو شادي الخطيب أحد رفاق الحاج نقولا من أيام بداياته التنظيمية: “الحاج نقولا أذكر بداياته عندما قدم الى المخيم (عين الحلوة) وكنا شبابا يافعين وفي بدايات الحرب الأهلية اللبنانية. تعرفنا اليه عندما كنا منظمين وبدأ يتردد الى الحارة ويمكث أوقاتا طويلة معنا. كان إنساناً متحمساً للعمل في صفوف فصائل العمل الفلسطيني. هو لبناني مسيحي ماروني ولكنه يحمل قلباً فلسطينياً حت تكاد أن تنسى أصوله الحقيقية وهو يعمل بيننا. كان متزوجاً من أخت فلسطينية من حارتنا الى أن داهمه مرض السل وأنهكه حتى كان سبباً بموته بعد رحلة علاج طويلة لم تنقذه من هذا المرض القاسي.
أعرف بأنه كان شديد الحماسة وكان سياسياً مثقفاً وسرعان ما أخذ دوره في سلّم التعيينات… وكان نشيطاً وجماهيرياً وأصبح معروفاً لدي الجميع بسبب الديناميكية، التي كان يتمتع بها. إذ كان يحب أن يعقد الندوات مع رجال ونساء الحارة وفي باحاتها… والحقيقة أنه كان مفوهاً ويعرف كيف يخاطب الناس بطريقة مبسطة ومحببة، إضافة إلى نشاطاته التنظيمية المتواصلة”.

المجد والخلود لروح الحاج نقولا الذي قدم حياته كلها لأجل فلسطين الكاملة من أقصى شمالها الى أقصى جنوبها.

نضال حمد

4-8-2021