وقفة عز

الشاعر محمد عبدالله ادغيم

نضال حمد

منذ فترة طويلة انقطعت أخباره وما عدت سمعت عنه أو منه أي شيء 

 قلت في نفسي : هذه ليست من صفاته ولا من عاداته..

 فالعم أبو حسام حرص كلما زار السويد خاصة وأوروبا عامة أن يتصل بي هاتفياً أو يعلمني قبل السفر بواسطة رسالة بالبريد الالكتروني. تماما مثلما حرص دائما على تزويدي في موقع الصفصاف بمشاركاته وكتاباته الأدبية وبكل الأخبار المتعلقة ببلدة الصفصاف وأهلها..

 راودتني خلال الشهور الأخيرة أفكارا عديدة منها أنه مريض أو وافته المنية بسبب تقدمه في العمر أو بسبب وعكة صحية ما .. لكنني كنت كلما وصلت إلى هذا الاستنتاج أسارع إلى الخروج من دائرة تلك الأفكار السوداء. ولما لم يكن عندي طريقة للاتصال به بسبب فقداني لرقم هاتفه ورجوع رسائلي التي أرسلتها على بريده الالكتروني، قررت أن أسأل عنه خلال زيارتي الأخيرة قبل أيام معدودة إلى سورية ولبنان. سألت وجاء الجواب صاعقاً: لقد رحل الحاج والأستاذ القدير محمد عبدالله ادغيم  عن عالمنا قبل شهور في العاصمة الأردنية عمان نتيجة أزمة قلبية ألمت به..

حزنت وأسفت على رحيله شديد الأسف إذ كان رجلا متنورا ورغم كبر سنه كان يقضي أوقاتا طويلة ومنذ عدة سنوات على الشبكة العنكبوتية التي أتقن استخدامها بشكل جيد، حيث كتب عن بلدته (بلدتي) الصفصاف بشكل منتظم. وقمنا في موقع الصفصاف بنشر كل المساهمات التي أرسلها لنا ومازالت موجودة في أرشيف موقعنا وفي مواقع أخرى عديدة. ومنها كلماته الطيبة الذكر اثناء الحرب الصهيونية على لبنان صيف 2006

 ” يـا لـلعـار…. يـا لـلـعـار!!!

فـلماذا شـراء السـلاح بالمليار؟

وهـل هـو مفروضٌ عليكم فـرض؟

أم هـو لـلـزيـنـة والـعَـرض؟”.

وسوف نقوم قريباً في موقع الصفصاف بجمع كتابات الفقيد ونشرها كلها في زاوية ثابتة من زوايا صفصافه التي أحبها وأحبته.

تعززت العلاقة وتوطدت بيني وبين المرحوم الأستاذ أبو حسام خاصة عندما علم انني بصدد تأليف كتاب عن بلدة الصفصاف وبعدما طلبت منه المساعدة في مدي بالمعلومات والمواد التي تخدم الكتاب. ولم يبخل الحاج أبو حسام فجاد عليّ بكثير من المعلومات التي أرسلها أو نشرها أو سجلها كملفات فيديو وأخرى صوتية. كما أرسل لي كتابا من تأليفه بعنوان ” المختار من الأمثال الشعبية الفلسطينية وحكم من التراث العربي” قام بجمعه وشرحه وتصنيفه وتبويبه، مرفقاً بقرص سي دي يحتوي مادة الكتاب التي سوف نقوم قريباً جداً بنشرها تقديراً للحاج الراحل. ومع إهداء من العم أبو حسام جاء كالتالي:

 ” اهداء الى المناضل الصفصافي صاحب القلم والمقال الأخ العزيز نضال محمد حمد..”.

اهداء من عم جليل واستاذ قدير اعتز به دائماً.

ازدادت العلاقة توطداً عندما قمت مع مجموعة من الأدباء والشعراء والكتاب الفلسطينيين وفي مقدمتهم الصديق العزيز المبدع رشاد ابوشاور بتأسيس تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين في العالم. حيث سارع الحاج ابو حسام للتسجيل في عضويته. لكن التجمع لم يدم طويلاً لاسباب لسنا الآن في وارد ذكرها. وبالرغم من انفراط عقد التجمع إلا أن العلاقة المتينة استمرت مع الأستاذ والمربي الحاج محمد عبدالله ادغيم.

في احدى زياراته القليلة للسويد قام العم أبو حسام بمهاتفتي من هناك حيث تحدثنا مطولاً عن موقع الصفصاف الالكتروني وعن البلدة وأهلها المشتتين في أصقاع الدنيا قاطبة. ولما سألته عن سر زيارته للسويد أجابني بأن له إبنا معاقاً يعيش في السويد، وهو فنان يقوم بالرسم عبر فمه، إذ يستخدم فمه بدلاً عن اليدين والقدمين بسبب شللهما الكامل. ويعتبر هشام محمد ادغيم من الرسامين الناجحين والمعروفين في السويد. وبعد وفاة أبو حسام صار من واجبنا البحث عن هشام وأعماله والقيام بنشرها والتعريف بها وبصاحبها.

يقول الشاعر محمد ادغيم في مقطع إختتم به قصيدة مهداة لنجله الفنان هشام :

” بِـفـمِـكَ حَــفـَـرتَ فــرسـمـت َ صُــورًا

  وأبدعـتَ بالفـن ِ والتـلـوين ا لمـتعــددِ

 فـغـدوت فـنـا نـًا  بالـرســم مُـبـدعـًا

 يُـشـار إلـيك بـالـبـنان غـالـيًا يـا ولـدي

 وضـربــت لـنـا مـثـلا ً يُـحــتـذى بـه

 في الـسـويـد نـمـوذجـًا لـكـفـاح بـلـدي

 إيـمانـُكَ وصَـبـرُكَ وإبداعُـك مَـفـخـرتي

 أبـاركُ تـعـامـلـكَ مـع الإعـاقـةِ بـتـوددِ”

  يذكر أن هشام أصيب  بحادث نتج عـنه شـلـل رباعي شبه كامل في 2 سبتمبر 1976، انتهى به في مصحة في السـويـد ولا يزال هناك حـيا وفـنانا مكافحـًا رغـم الإعاقة الحركية .

كان العم أبو حسام من أول المثقفين وضمن أول دفعة لخريجي الجامعة الأمريكية على صعيد المخيمات الفلسطينية في لبنان. وحمل درجة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية مع دبلوم التربية. ثم عمل مدة من الزمن مدرساً في الأنروا في مخيم نهر البارد حيث سكن منذ النكبة والى أن غادر ليستقر في عمان. وعمل كذلك في قطر والبحرين والسعودية.

ثم واصل كفاحه بالتحصيل العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية حتى حصل على درجتي ماجستير، فالاولى في تدريس اللغة الإنكليزية والثانية في التربية وعلم النفس.

في 15-11-2004 كتب الراحل أبو حسام في موقع الصفصاف، عن قصف الطائرات البريطانية في السادس من تشرين الأول سنة 1938 لثوار من البلدة في مواجهة وقعت في الجليل، وامتدت من الصفصاف الى السموعي وانتهت باستشهاد الثوار في دير حنا…

 جاء في كلماته :

 ” أمـا أنـا مـحـمـد ا د غــيـم شاهـدٌ أذ كـر هـاتين الـمـعـركـتين ولأ ول مـرة في حـياتي رأيـت الـطا ئرات في الـجـو ومـئات مـن الـجـنود الإ نـكـلـيـز مـد جـجـين بالـسـلاح والـعـتـاد على الأ رض. وقـد فـرضـوا مـنـع الـتـجـول في الـمـنطـقـه. وفي الـصـفـصـاف جـمـعـوا الأهـالي عـلى البيـادر وقـسـم آخـر أمـام الـجـامـع وقـامـوا بالـتـفـتـيـش وقـد تـمـكـن الـمـجـاهـد نـمـر مـجـيـد زغــمـوت مـن الإ فـلا ت مـن الإ نـكـلـيز بأعـجـوبـه . وبـعـدهـا قـامـوا باسـتـجـواب الأ هـالي وخـاصـة الأ طـفـال وكـنـت واحـدًا مـنـهـم. عـاد الـناس الى بـيوتهـم فـرأوا مـا فـعـله الجـنود الإ نـكـليز مـن تـكـسير في الأ ثـاث ومـخازن الـمـؤن وقـد خـلطوا الـطحـين بالـقمح والـعـدس والـشـعـير والـذره وغـيـر ذلك وبحـجة الـبحـث عـن الـثـوّار كـسـروا خـلا يا ومـخـازن وكـوارات الـمـؤن الـمـصنوعـه مـن الـتـبـن والـطـين والـبـعـض مـن الـخـشـب؛ فـيا لـه مـن ظـلـم واعـتداء ســافــر”.

رحل أبو حسام قبل أن يكحل عينيه برؤية مخيمه الغالي نهر البارد وقد عادت الحياة فيه الى طبيعتها بعدما قام الجيش اللبناني بتدميره تدميراً كاملاً في حربه على جماعة فتح الاسلام قبل ثلاث سنوات. ومنذ ذلك الحين والدولة اللبنانية تمارس عقاباً جماعياً على سكان المخيم وتقوم باذلالهم بشكل منظم ومنهجي. في حين أن كافة الوعود التي قدمتها الدولة اللبنانية بقيت حبراً على ورق. ولا يلوح في الأفق أن الدولة اللبنانية تريد إعادة بناء المخيم. فإذلال سكانه وممارسة التمييز العنصري  ضدهم على الحواجز التابعة للمخابرات والجيش أصبحت من الاشياء الروتينية والعادية. رحل ابو حسام والحال في المخيم بقي على حاله..

    للراحل كتابات وقصائد منشورة كثيرة منها:

“النكبة في عامها الستين وذكرى مذبحة الصفصاف”، إرادة الله، مسكونٌ بالوطن، القدسُ والجدار،”من ذكريات الدراسة 6 وما فيها “(من الواقع بداية حكاية)، “شذرات من قلبي “، حمالة الحطب و

الصفصاف في القلب، هشام قاهر الإعاقة، الضحية والجاني سواء، شهر على الحرب، من ذاكرة الوطن، همس العيون فيوزات عرب، قهوة الصباح (خاطرة وقصيدة شعبية )، غزة الثورة، رسالة من غزة، سوف نبقى، كلُ يومٍ مجزرة، طفل برىء يستنطق أمه، ثورتي، قدس يا صخرة الصمود، وتحرير محضر وكتابات عديدة عن تاريخ بلدة الصفصاف. بالإضافة لكتابات وترجمات باللغة الانكليزية.

خير شهادة على عصامية هذا الرجل الراحل نستعيرها من فقرة وردت في مقدمة كتابه والتي كتبها الصفصافي الآخر شحادة يوسف ادعيبس وجاء فيها : ” يسرني وبكل فخر أن أكتب عن رجل عصامي خاض الحياة ومحطاتها منذ نعومة اظفاره، وأن أقدمه للقراء كما عرفته صديقاً وأخاً ، زميل دراسة في مدرسة قريتنا الصفصاف الابتدائية والجش الاعدادية ثم مدرسة صفد الثانوية في فلسطين حيث أتم الصف الثانوي الأول. وكان مثالاً للاخلاق وشعلة ذكاء لم تنطفئ وحتى بعد نزوحنا من فلسطين وذلك عام 1948 …

 

ومنذ عام 1970 حمل درجة البكالريوس في اللغة الانكليزية ودبلوم التربية ، ثم واصل دراسته اثناء عمله كمدرس للغة الانكليزية ثم اداريا في شركة ارامكو السعودية الى أن حصل على درجة ماجستير في تعليم اللغة الانجليزية من كلية سانت مايكل في فيرمونت بأمريكا. ومرة أخرى واصل الدراسة وهو يكافح موظفاً على درجة ماجستير أخرى في سايكولوجية التربية والتعليم من جامعة اوكلاهوما نورمان أمريكا.. هذا هو صديقي محمد ادغيم ذو النزعة العربية وكان ولايزال وطنيا محبا للعلم والتضحية.”.

العم أبو حسام وبعد أن تقاعد من العمل قدم سنوات عمره الأخيرة في خدمة القضية الفلسطينية وجيل الشباب فألف كتابه المنشور عن الأمثال والحكم الشعبية. ونشر عشرات القصائد والمقالات والنصوص الأخرى. وكان من أهم مصادر الباحثين عن تاريخ وأخبار بلدة الصفصاف.

 وداعاً أيها العم العصامي ولابد من الصفصاف مهما طال الغياب ومهما صعبت الدروب.

في وداع العم العصامي والشاعر الصفصافي محمد عبدالله ادغيم

2011-04-22

نضال حمد

Bilderesultat for ‫في وداع العم العصامي والشاعر الصفصافي محمد عبدالله ادغيم‬‎