الأرشيفوقفة عز

الشهيد سهيل أحمد الخطيب – نضال حمد

أذكر الرفيق سهيل الخطيب من مخيمنا وفي ذلك الوقت من الزمن الفلسطيني بالتوقيت الفدائي والمخيمي حيث كنت لازلت طفلاً. كان الرفيق سهيل شاباً طويلاً، نحيفاً، مثقفاً، فدائياً، مناضلاً، مندفعاً، متحركاً، متنقلاً بين مخيم ومخيم وموقع وموقع وحارة وحارة ومدرسة ومدرسة. كان الرفيق سهيل صاحب اللحية الجيفارية، مناضلاً يسارياً ثورياً صادقاً، أما الصدق في تلك الفترة من الزمن فقد كان صفة ملازمة للفدائيين الحَقيقيين، المُضحين والمُندفعين نحو تحرير فلسطين. ذاك الصدق كان صفة ملازمة لمعظم المثقفين، الكادحين والمضحين، وليس كما بعض يساريي زمن الربيع العربي وما بعده. فهناك فرق بين يسار زمن المخيم والثورة ويسار زمن الدول المانحة والإن جي أوز.  

سهيل الخطيب فدائي من الزمن الجميل

جميل من الزمن المخيمي الفدائي الجليل

ولد وترعرع في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين سنة 1954. شب ونما في حارات الفقر المسلح بعواصف الشتاء في بيوت الصفيح والزينكو وخيام المشردين واللاجئين وبين العقارب والثعابين كبقية اللاجئين في المخيم، الذي أنجب رجالاً جبالاً وفدائيين ومثقفين وشعراء وكتاب ومعلمين وفنانين. في عين الحلوة بالحارة الفوقا عند طلعة سيروب القديمة قرب حي الصفصاف. حيث كانت تسكن عائلات عرب الملاحة ومنها عائلات آل الخطيب، والده الحاج أبو فتحي، الأستاذ شحادة الخطيب، الأستاذ فتحي الخطيب وآخرين. كلها أسماء تُرفع لها القُبعات في مخيمنا عين الحلوة وفي مسيرة الثورة المستمرة.

عند الحديث عن سهيل يقول أبو شادي الخطيب وهو ابن عمه : تعود بنا الذكريات إلى زمن بعيد

 فهو ابن العم الحاج ابو فتحي (احمد ياسين الخطيب) وهو أخ الأستاذ المرحوم فتحي الخطيب، والد الفقيدين القريبين الصديقين منذر ووائل، وهو قريب وجار بحكم البيوت المجاورة لبعضها البعض، ولذلك فكان اللقاء متواصلاً اَنذاك… فيما بعد تزوج سهيل وأنجب ولدين من زوجته التي لحقت به ورحلت قبل أكثر من شهر تقريباً.

يضيف الصديق أبو شادي الخطيب أن سهيل درس الابتدائي الاعدادي في مدارس الانروا بمخيم عين الحلوة. كما تقدم لإمتحانات الثانوية العامة السورية وقد أقام في دمشق مدة طويلة من أجل الدراسة لكنه لم يوفق بالثانوية  فعاد إلى لبنان والتحق بمعهد سبلين وتخرج من قسم علوم الصحة العامة.. بعد التخرج سافر الى دولة الإمارات عام ١٩٧٧ حيث عمل في أبو ظبي كمراقب صحي في مطار أبوظبي وفي ميناء زايد. بعد سنوات قليلة عاد إلى العمل الوطنى في لبنان  قبل الإجتياح “الإسرائيلي” عام ١٩٨٢

يقول محبوه ورفاقه وأصدقاؤه أن حياته كانت صاخبة في مجملها فكان متحمساً بل مندفعاً مشحوناً بعنفوان الشباب والإقدام وخاصة في الفترة التي انتقلت فيها الثورة الى لبنان. كان من أوائل الملتحقين في صفوف الثورة مع مجموعة من رفاقه بالحارة وكانوا من أوائل المنتسبين الى “ج ن ش ف” وقد تفرغوا  للعمل الوطني منذ البدايات… وكانوا ينتقلون بين المواقع في لبنان من شماله الى جنوبه.

في هذا الصدد يذكر رفيقي أبو شادي الخطيب كيف أنهم ذات مرة ذهبوا معاً الى مخيمات صور ثم الى بلدة تبنيت القريبة من قلعة الشقيف الشهيرة. فسهيل ورفاقه كانوا أكبر منهم سناً وكانوا يحثونهم على الالتحاق بالعمل الوطني وهذا ما حدث فيما بعد… في تلك الفترة كان الفدائيون والمناضلون الفلسطينيون يتشبهون بالرموز الثورية حتى بإطلاق اللحى الثورية الشبيهة بلحيتي الثائرين الأممين تشي جيفارا وفيدل كاسترو.

الشهيد سهيل الخطيب عم منذر

توسع ابو شادي في استحضار الذكريات التي تعيده وتعيدنا الى زمن أحببناه واشتقنا له ولازلنا نشتاقه. فيذكر في حديثه غرفة عمليات سهيل في بيت العائلة. ففي داخل بيت العم الراحل أبو فتحي الخطيب كانت هناك غرفة مميزة مبنية من الطين والعشب، بقيت كما هي رغم البنيان العمراني الخرساني في سائر البيت. فقد اتخذ سهيل تلك الغرفة مقراً وملتقىً للضيوف والرفاق والاجتماعات. كان شكل الغرفة كالمغارة تتزين على جدرانها الملصقات والصور وكتابة الأشعار وخاصة أنه كان يهوى الشعر بل ويكتبه.

أما أنا فأثناء بحثي في حياة وتاريخ المناضل الشهيد سهيل الخطيب عرفت من البعض أنه كان فعلاً يعشق الشعر ويكتبه. فلو قدر له أن يعيش أكثر قليلا ويقوم بجمع ما كان كتبه لأستطعنا الآن قراءة ديوان أو أكثر من أعماله الشعرية الجميلة. كان شاعراً عاشقاً كما نقرأ هنا في هذه الكلمات من نظمه:

“يَا شَرْقِيَّة الْعَيْنَيْن

أَرَى دمعتك مَطَرًا

فِى شَهْرِ حُزَيْرَان…”

الشهيد سهيل الخطيب عم منذر

 كانت غرفة سهيل أو مقره الثوري المصغر، ملتقى لمختلف النشاطات حتى الفنية… وكانت مركزاً لتجمع شباب الحارة الفوقا الملتزمين وغير الملتزمين. كان المد الوطني والفدائي في أوجه في ذلك الوقت. ففي فترة الشباب اليافع كان فتية الحارة الأصغر سناً يتثقفون وطنياً في المقر ومن ثم يلتحقون بركب الجيل الأكبر منهم، جيل الثورة والعمل الوطني، فقد كان الجيل الأكبر نموذجا وطنياً وثورياً في حينها وساهم في تأطير وتنظيم وتدريب الشباب وتجهزيهم للمشاركة في الدفاع عن شعبهم وثورتهم اثناء بداية الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت تستهدف الوجود الفلسطيني والمخيمات والثورة والمنظمة.

يقول صديقي أبو شادي الخطيب أنهما بعد ذلك افترقنا فغادر هو لبنان الى الخليج ومن بعدها الى عدن عاصمة اليمن الجنوبي وقتئذ بغرض الدراسة. آخر لقاء له مع سهيل كان حين حضر الى عدن بغية الاعداد لمهمات جديدة وانتقل بعدها الى أوروبا. لكنه لم يمكث طويلاً في الساحة الأوروبية لأسباب لا نعرفها”.

بعد التجربة الأوروبية القصيرة أقفل سهيل عائداً الى لبنان لمواصلة رحلة الكفاح والعمل الوطني. ففي هذا الصدد أضاف أبو شادي الخطيب: ” يبدو أنه هناك في أوروبا حدثت معه خلافات داخل التنظيم الذي انتمى إليه منذ بداية عمله النضالي فأنتقل بعدها الى مواقع جديدة. لا أعلم تفاصيلها بحكم انتقالي أيضاً الى أوروبا. ولكن بكل أسف وحزن شديدين تكللت تلك المسيرة الصاخبة لواحد من شباب العائلة والمخيم والثورة، المتحمسين والوطنيين الى نهاية مأساوية.”

أعتقد أن انتقال الرفيق سهيل الى صفوف تلك المجموعة التي قامت فيما بعد بتصفيته هو ومئات الشباب الفلسطينيين بحجج وتهم لا يقبلها العقل كانت غلطة العمر التي كلفته حياته… ويؤكد الأخ أبو شادي كلامنا واستنتاجنا بقوله: ” تلك الخطوة كلفته حياته على أيدي الغدر المشبوهة ممن كانوا يدعوون العمل الوطني كغطاء لتصفية العديد من شبابنا الأبرياء الملتحقين بالعمل المقاوم.”.

18-3-2022

نضال حمد