وقفة عز

العراك لأجل العراق

نضال حمد

في كل صحيفة أو جريدة عربية كانت أو عالمية يجد المرء خبرا عن العراق المحاصر بطائرات أمريكا وبما يكفيه من مشاكله الداخلية وأولها وعلى رأسها غياب الحريات والحياة الديمقراطية. وهذه الحالة تنطبق على الوطن العربي بشكل عام مع تفاوت بين كل نظام وآخر. ولكي نستطيع الحديث عن بلاد عربية تطبق النظام الديمقراطي أو حتى نظام الشورى الذي يعتبر مرجعية الشعب والحكم في البلاد الإسلامية. يجب علينا الذهاب إلى البلاد التي ليست عربية ولا صلة لها بما جاء بالقرآن الكريم والسنة. حيث نرى أن تطبيق مبدأ المساعدات الاجتماعية بكل أشكالها موجود بشكل كبير في العالم الغربي، وخاصة في اسكندينافيا وعلى وجه التحديد في النرويج. حيث بيت المال موجود ويسهر على راحة الفقراء والعاطلين عن العمل.

أما في بلادنا التي تمتلك الثروات الهائلة من البترول والغاز والمصادر الأخرى المتعددة، والعراق جزء هام وأصيل من تلك البلاد الغنية بثرواتها الطبيعية، نرى أن الناس والفقراء والبؤساء في بلادنا العربية يموتون جوعا على الطرقات والأرصفة. ربما يقول البعض أن السبب هو الديكتاتورية والظلم و غياب الديمقراطية والحياة الكريمة. نعم هذه أسباب مهمة كانت ولازالت من أهم عوائق التطور في العراق والعالم العربي بشكل عام. لكن السبب الرئيسي في تأخر العراق وعجزه مرده الحصار الجائر الذي لازال قائما وللأسف بمشاركة بعض العرب. فمنهم من يقول أن الحصار يشجع الناس على الثورة ضد النظام الحاكم، ومنهم من يقول أيضا أن سياسة الحصار والتجويع والتركيع سوف تقهر النظام وتسبب له المشاكل فتسقطه من داخله، ثم تتيح بذلك إقامة حكومة جديدة تقود البلد إلى بر الأمان.

لكن أي بر آمن؟

بر أمريكا وسياستها التي تعادي العراق شعبا وحكما وعربا وعجما وسومريين وآشوريين وشيعة وسنة واكراداً وشيوعيين وإسلاميين …هذا البر هو بركة الموت غرقا في وحل التبعية والوصاية الأمريكية، وهو بر الحصار والخناق الذي يضيق على شعب العراق الأبي، هذا الذي يرفض التسليم لأمريكا وحلفائها، كما يأبى حياة الذل والخنوع والبقاء تحت رحمة أجهزة الأمن من الداخل وتجويع وحصار الأعداء من الخارج. لا الحصار ولا الخناق ولا سياسة التجويع والتركيع المستمرة سترغم العراقيين على التسليم باملاءات أمريكا وإنكلترا و(إسرائيل). ولن يصح إلا الصحيح.

كلنا يعرف ويعلم أن النظام القائم في العراق قوي وصامد بالرغم من سنوات الحصار الطويلة ومن كل ما تدعيه المعارضة العراقية في الخارج. هذه المعارضة التي تنقسم على حالها حسب البلد الذي توجد فيه قيادتها ومكاتبها، لن يكون بمقدورها الإطاحة بالنظام القائم في بغداد، لأن حالها كما شاهدناه على شاشات التلفزة، محزن ومؤلم، وفي بعض الأوقات معيب ومهين، كما ولا يليق ببعض الذين قبلوا الجلوس على مقاعد المؤتمر الموسع الذي عقد في إنكلترا بحضور ضيف الشرف الملكي وسليل العائلة التي حكمت العراق أيام الحكم الملكي الذي أطاحت به جماهير الشعب العراقي. لقد كان لحضور ضيف الشرف الملكي وقع الصاعقة على البعض ووقع القبل الدافئة على البعض الآخر. لكن المبكي والمضحك في كل هذا هو الانصياع الكامل لأرادة أمريكا وإنكلترا من قبل أعضاء المؤتمر والذي ضم خليطاً غريباً عجيباً من الذين شاركوا سابقا في حكم العراق عبر مواقعهم في الجيش والمخابرات والأمن وغير ذلك. فمنهم من جلس إلى جانب من كان في السجن والمعتقلات أيام كان الآخر سيد السجن وسيد المعتقل وسيد السوط والحبل والدولاب والحجر.. وسيد التعذيب والترغيب والترهيب…. أنسيوا ذلك أم أن الحاجة غناجة؟

إنه لمن دواعي العجب أن يلتقي هؤلاء كلهم في جلسة واحدة ومعارضة واحدة همها الانتقام من النظام الحاكم في العراق ولو عبر الاستعانة بالشيطان، وبكل القوى التي لا تنوي خيرا وتكن الشرور والضغينة والأحقاد للعرب وللعراق، ولكل ما هو من حضارة الرافدين والنيل والفرات ودجلة وبردى واليرموك والأردن والليطاني.

لست من الذين يدافعون عن النظام في العراق وما ارتكبه بحق المعارضة العربية والكردية من أعمال لا يقبلها أي عقل ولا أي ضمير. لكنني من الذين يخيفهم ويرعبهم الاستعلاء الأمريكي والصلف الصهيوني في التعامل مع قضية العراق، وفي العراك الشديد الذي يدور من أجل تحطيم الشعب العراقي، وقلب نظام الحكم هناك، ومن ثم السيطرة على منابع النفط الهائلة الموجودة في العراق.

أمريكا ليست حريصة على حياة كريمة للشعب العراقي الشقيق. وليست حريصة على إقامة نظام ديمقراطي في العراق، بقدر حرصها على إقامة نظام عراقي يأتمر بإمرة قائد قواتها في الخليج كما هو الحال مع الآخرين.

إن الذين يبررون مواقفهم بالتحالف مع الشيطان من أجل العودة إلى الوطن عليهم أن يفكروا طويلا قبل الدخول في حرب جديدة هذه المرة لن تكون من اختراع النظام ومن بطولته لكن من اختراع أمريكا و(إسرائيل) ومن بطولتهما، بالإضافة لضيوف الشرف الذين سوف يفقدون شرفهم مع أول قنبلة تسقط على أرض العراق المحاصر.

 

* نشر المقال في العدد الحالي من أسبوعية فصل المقال الصادرة في الناصرة وفي جريدة القدس العربي – لندن

 

العراك لأجل العراق

نضال حمد

2002 / 9 / 9

Relatert bilde