وقفة عز

من مجزرة إلى مجزرة فإلى متى؟

نضال حمد

بعد مرور عشرون سنة على المجزرة لم تتغير حياة الشعب الفلسطيني كثيرا فهو يتقدم في الحياة مذبحة بعد مذبحة ومجزرة تليها مجزرة تحصد الضحايا ومن ثم الضحايا، دون إنجازات كبيرة تستحق تلك التضحيات وترتقي إلى عظمتها وقدسيتها.

حياة الفلسطيني أصبحت أكثر تعقيدا وصعوبة وهوانا، لأن الذين يفترض بهم ومنهم إعانة الشعب الفلسطيني يشاركون وشاركوا في بعض المراحل الزمنية العدو الصهيوني وقتلته الإرهابيين والمجرمين في عملية تصفية القضية الفلسطينية.

تلك التي أوصلتها السياسات الخاطئة، وحكم القيادة المتنفذة وعقلية القائد الرمز في منظمة التحرير الفلسطينية إلى مقبرة أوسلو.  تلك المقبرة التي فرخت عدوا جديدا للطموحات الوطنية الفلسطينية هو التزامات السلطة بإتفاقياتها الموقعة مع الاحتلال الصهيوني. وعدم التزام الطرف الآخر بمعظم ما جاء في الاتفاقيات التي وقع عليها.

 ليست المذابح الحالية التي تدور في فلسطين المحتلة سوى حلقة من سلسلة طويلة من الحلقات التي قامت على أساسها الدولة الصهيونية الغاشمة في فلسطين العربية المغتصبة. وهي تأتي مكملة لما أعلنته الصهيونية مرارا وتكرارا من أن أرض (إسرائيل) الكبرى تمتد من الفرات إلى النيل.

 ولتحقيق هذا الحلم الصهيوني كان لا بد من اختراقات استراتيجية كبيرة في الساحة العربية. فكانت عملية سلام كمب ديفيد التي أقدمت عليها مصر في عهد السادات ولازالت قائمة ومستمرة ولو بأشكال مختلفة في عهد الحكم الحالي.

كمب ديفيد السادات استطاعت إستعادة سيناء لكنها سلمت مصر كاملة لأعداء الأمة وأخرجتها تماما من ساحة الصراع ومن موقع القيادة الأول. وكانت تلك بمثابة ضربة قاسية وقوية للأمة العربية بشكل عام وللقضية الفلسطينية خاصة.

ثم حدثت لاحقا كافة المآسي العسكرية التي حلت بالشعب الفلسطيني وبالشعوب العربية الأخرى التي تجاور فلسطين. بعدها بزمن غير طويل التحقت القيادة المتنفذة في م ت ف بركب المهزومين الذين أخذوا يبحثون عن مكان لهم بين دمى أمريكا. وبحجة الحفاظ على الذات ومنع حدوث تغييرات جذرية في الساحة الفلسطينية وافقت تلك القيادة على إجراء اتصالات مباشرة وسرية مع الأعداء، كل ذلك جرى من وراء ظهر الوفد الفلسطيني المفاوض بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي، وكذلك من وراء ظهر كافة المؤسسات والأطر الشرعية والقيادية والقانونية الفلسطينية، ومنها المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة وكذلك اللجنة المركزية لحركة فتح، هذه التي كانت ولازالت تهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية. كما تهيمن على السلطة الفلسطينية منذ انبعاثهما إلى الحياة ثم تغييبهما بطرق مختلفة. ثم ما لبثت لجنة فتح المركزية أن وافقت لاحقا على إعلان المبادئ الذي تمخض عن محادثات أوسلو السرية. المحادثات التي كانت تعدهم ببناء شرق أوسط مفصل ومؤسس على الطريقتين الأمريكية والصهيونية، وبمشاركة أهل أوسلو الفلسطينيين الذين اعتقدوا أنهم حققوا إنجازات وطنية هائلة بوقوفهم في حديقة البيت الأبيض جنبا إلى جنب مع رابين وبيريز وكلينتون وكل الجوقة التي ألتئم شملها هناك يوم 13 أيلول سبتمبر 1994، أي قبل ثلاثة أيام فقط من الذكرى الثانية عشر  لمذابح صبرا وشاتيلا الفظيعة، التي راح ضحيتها آلاف من سكان المخيمين.

 كانت تلك المجموعة التي نظمت ونسقت محادثات أوسلو السرية وما تلاها من مذابح سياسية مفصلية ألحقت أكبر الضرر بالحقوق الوطنية والشرعية الفلسطينية. كانت ولازالت تعتبر (إسرائيل) وجماعة أوسلو (الإسرائيليين) حلفاؤها في السلام. في حين من يريد متابعة الانتفاضة والسير في طريق المقاومة، بعدما ثبت للجميع فشل عملية السلام العتيدة صار عدوها.

أظهرت الانتفاضة الوجه الحقيقي والبشع للصهيونية التي تتحكم بعقول الناس في الكيان الصهيوني الدخيل. الحليف الذي يريد بعض أهل أوسلو التمسك به كخيار استراتيجي على حساب الانتفاضة والمقاومة والتضحيات الهائلة، ومقابل فتات الاحتلال الذي يسمح لبعضهم بحرية الحركة وبنهب المزيد من ثروات شعبنا

التاريخ الصهيوني في بلادنا مليء بالأيام السوداء واللحظات الظلامية والسياسة الفاشية السوداء، التي لم ولا تفرق في أعمالها ما بين المدني والعسكري، والمقاتل أو الطفل الرضيع. إنها السياسة الصهيو- هتلرية والتي تقوم على مبدأ إبادة الآخر بكل الطرق والوسائل المتاحة والممكنة. وأعتبار تلك السياسة الإرهابية والإجرامية سياسة تدافع عن مستقبل اليهود وحقهم في الحياة. وعدم تكرار تجربة الماضي على اليهود أنفسهم. حيث كانوا ضحايا الخريطة العالمية والمصالح الاستعلائية والنظريات الجهنمية في العالم الغربي الاستعماري.

المؤسف في هذا الأمر أن العالم الحالي يتعامل مع تلك النظرية وكأنها حقيقة يجب تطبيقها وتثبيتها على حساب الشعب الفلسطيني الذي ما فتأت آلة الحرب الصهيونية تفعل به المذابح والمجازر بكل أصنافها وأشكالها وألوانها.

تلك الألوان الفاشية التي قامت الحركة الصهيونية ببرمجتها فجعلت من الوسائل والأساليب النازية التي طبقت على المعتقلين والأسرى أثناء الحرب العالمية الثانية وسيلة جيدة ومعدلة ومطورة للتعامل مع المعتقلين والأسرى الفلسطينيين. فشرعت التعذيب والإرهاب في السجون وخارجها. كما شرعت الترانسفير والتهجير والترحيل ونسف البيوت والمنازل واستخدام السكان الفلسطينيين تحت الاحتلال دروعا بشرية. ومصادرة الأراضي واستيطانها وتهويدها… كذلك أعمال الاغتيال والتصفية والإعدام الميداني. وسحب المواطنة والجنسية من المواطنين العرب الفلسطينيين الذين اضطرهم القهر إلى البقاء في أرضهم ووطنهم المحتل والمسروق، ليتحولوا إلى مواطنين من الدرجة الرابعة أو الخامسة في دولة اليهود الصهاينة وحدهم ووحدهم فقط.

 كما أن (اسرائيل) رفضت ولازالت ترفض التعامل مع قرارات الأمم المتحدة التي لا تناسبها أو لا تخدم مصلحتها. فهي تغتال الناشطين الفلسطينيين ومعهم عائلاتهم وأقاربهم وجيرانهم بدون تبرير وبلا تأنيب ضمير، وبلا حساب للرأي العام الدولي أو خوف من العواقب المترتبة على تلك الجرائم والأعمال. مع أنها غير أخلاقية وتعتبر جرائم حرب تستلزم إحضار قادة (إسرائيل) إلى المحاكم الدولية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية. تماما كما حصل مع النازيين سابقا ومع بعض قادة يوغسلافيا حاليا.

على المجتمع الدولي أن يعي حقيقة أن امتلاك الكيان الصهيوني لترسانة الأسلحة النووية يشكل خطرا حقيقيا على العالم أجمع. لأن السلاح هذا موجود في أيدي مجرمي حرب معروفين، قد لا يترددون في استخدامه دفاعا عن عقيدتهم الصهيونية الفاشية.

(إسرائيل) قامت بمذابح كثيرة أودت بحياة الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني ومن أبناء الدول العربية المجاورة، حتى أن الحركة الصهيونية لم تتوانى عن قتل اليهود أنفسهم من اجل تحقيق مصلحتها في احتلال فلسطين، كما حصل في عملية تفجير سفينة المهاجرين اليهود التي منعتها سلطات الانتداب البريطاني من دخول الأراضي الفلسطينية. تم تفجيرها بقرار من ديفيد بنغريون شخصياً للضغط على بريطانيا الانتدابية. من السهل العودة للمراجع والكتب التي تؤكد همجية التعامل الصهيوني مع الفلسطينيين، فهي موجودة في المكتبات وفي مذكرات وذكريات من عاشها وعايشها من اليهود والعرب وغيرهم.

إن السياسة الخرقاء التي تقود أمريكا هي الرديف للسياسة العمياء والهوجاء التي تقود (إسرائيل) فهما كيانان شبيهان ومخترعان أقيما على أراضي الآخرين بالدم والنار والارهاب. وطالما بقيت تلك السياسة هي التي تحدد الطريق الذي يجب أن تمضي به المنطقة، فإن عهد المجازر والمذابح سوف يستمر ويزداد ويصبح أكثر فظاعة وإرهابا وظلامية. فالسياسة التي تجعل من القاتل ضحية ومن الضحية قاتلا هي التي ستجعل من منطق الإرهاب سيدا على العالم وصوته أعلى من كافة الأصوات الأخرى.

فإما أن تعلن الضحية استسلامها لسكين الجزار وموافقتها على طريقة الذبح والموت وإما أن تنتفض وتقاوم وتقاتل بكل ما لديها من وسائل وأساليب ممكنة ومتاحة، حفاظا على حياتها ومن أجل نجاتها من الموت والإبادة والمصير المعد لها سلفا والمخطط بدقة متناهية.

بعد مرور عشرون سنة على مجزرة صبرا وشاتيلا لا يمكننا القول سوى أن المجزرة مازالت متواصلة ولم تتوقف فصولها عند مخيم جنين أو حي الدرج في غزة. إنها آخذة في التوسع، لكن إلى متى ستسمر دون رادع حقيقي؟

 لذا على القيادة الفلسطينية أن تقف وقفة عز كما يقف الآن شعبها القابع مثلها تحت الاحتلال، لأن مصير القضية في خطر شديد وتحت رحمة الجزار القديم الجديد… ومصير الوطن الفلسطيني على كف الشيطان الأمريكي وتحت رحمة الصمت العالمي. كذلك في رحم المعركة الحاسمة الدائرة على أرض فلسطين المحتلة، والتي نخوضها مع الصهاينة المتوحشين أعداء الأرض والإنسان.    

 

 

من مجزرة إلى مجزرة فإلى متى؟

نضال حمد

أوسلو  10 -9-2002