الأرشيفوقفة عز

المرحوم أحمد مراد – أبو أسامة

شاءت الأقدار أن أكون في لبنان وفي مخيم عين الحلوة بالذات يوم توفي الصديق أبو أسامة. لأشارك في تقديم واجب العزاء لعائلته وأبناءه وأقاربه في المخيم. توفي صديقي ورفيقي أبو اسامة قبل أن نلتقي كما جرت العادة في السنوات والزيارات السابقة.
تعرفت الى أحمد مراد يوم كنت لازلت شاباً في بداية تكويني الفدائي وانخراطي في العمل الوطني الفلسطيني حيث كان الرفيق أبو أسامة مراد من كوادر تنظيم “ج ت ف” بقيادة الأمين العام الراحل طلعت يعقوب.
المرحوم أحمد مراد حسب التصنيفات الفصائلية كان من المحسوبين على جماعة المنظرين الثوريين اليساريين في الثورة المستمرة، التي ماعادت فيما بعد مستمرة. فهو الانسان الواعي والكادر المجرب والمثقف في صفوف التنظيم.. الكادر الذي حرص على القراءة والمطالعة والاستفادة من التجارب الأخرى للشعوب والثورات والأمم والدول. لذا كان الحديث مع أحمد مراد جذاب ومثير وفيه الكثير من الأخذ والعطاء وكذلك الكثير من التمسك بالموقف والتشنج وأحياناً التصلب في الرأي وتقديم الموقف المثير.
كما كان أبو أسامة شخصية معروفة في المخيم وهو من عائلة مناضلة وكان له شقيقين راحلين ومناضلين هما المرحوم أبو مصطفى مراد والمرحوم أبو السعيد مراد وكلاهما كانا من قادة “ج ديمقراطية” في لبنان. أبو مصطفى توفي في لبنان وأبو السعيد فارق الحياة في برلين وكلاهما دفنا في مقبرة مخيم عين الحلوة.
ذات يوم من سنة ١٩٨٣ في دمشق وفي مكتب الرفيق أبو يعقوب طلعت، مكتب الأمانة العامة، كنت يومها للتو قد عدت من رحلة علاج استمرت لشهور عديدة في ايطاليا. عدت بعدها الى دمشق واستقريت في مخيم اليرموك. بصراحة كنت يومها لا أقدر على السير بشكل جيد إذ لم يمضِ وقت طويل على خروجي من العلاح.. المهم خرجنا من لقاء جمعنا مع قائدنا أبو يعقوب وكنت برفقة أحمد مراد ورفيق آخر من مخيم عين الحلوة لم أعد أذكر الآن من هو، حين وصلنا الى البوابة الرئيسية. لم أنتبه أن الخروج سيكون صعباً علي لأنه يحتاج للنزول من علٍ بدون وجود درج.. وفجأة إختل توازني وتوازن ساقي الاصطناعية فوقعت ووقعت عكازتي.. فوراً وجدت يد أحمد تمتد وتمسك بي وكذلك يد الرفيق الآخر. في تلك اللحظة بدى التأثر الكبير على أبي أسامة الذي بقي ممسكاً بيدي حتى وصلنا الى السيارة التي أقلتنا من ساحة الميسات الى مخيم اليرموك.
الآن هذه شهادة للتاريخ:
كان الرفيق أبو أسامة من الوطنيين الفلسطينيين الذين بدلوا ولاءاتهم التنظيمية والسياسية بسبب عدم اقتناعهم بنهج سياسي ما وتجربة تنظيمية ما.. فتنقل بين بعض الفصائل. وهذا كان شأنه وتلك كانت قناعاته التي احترمتها وإن اختلفت معها.
كان يحرص على زيارتي ومناقشتي في الأمور السياسية كلما سنحت له الفرصة وكلما زرت العائلة والأصدقاء في لبنان. لكن في زياراتي العديدة الأخيرة وجدت أن الأفكار السياسية والتنظيمية التي كانت جمعتنا قد تراجعت وتبدلت لدى صديقي أبو اسامة. في السنوات الأخيرة من عمره واثناء نقاش طويل دار بيننا بينما كنا متوجهين من صيدا الى بيروت، كان أحمد مراد مقتنعاً بما أقدمت عليه القيادة المتنفذة في منظمة التحرير وتوقيعها اتفاقيات أوسلو، مع أنه بعد غزو ١٩٨٢ كان من أكبر المعادين لها. المهم منذ ذلك الوقت لم يعد هناك اتفاق سياسي بيني وبين المرحوم أبو أسامة، بل أصبح هناك تباعد سياسي فأنا موقفي بقي ثابتاً ولم يتبدل إلا نحو التشدد أكثر، التشدد ضد الذين دمروا القضية الفلسطينية وانتهوا منسقين أمنيين يعني “بالمشبرح” مخبرين عند الاحتلال. للأسف الشديد لم نلتقِ بعدها ولم نتحاور من جديد… رحم الله أحمد مراد أبو اسامة الذي ذهب وترك لي الذكريات.

٣١-١-٢٠٢٣
نضال حمد