وقفة عز

تعلموا الوفاء من هاتشيكو

– بقلم نضال حمد

26-03-2013

الكلب خير صديق والكلب أأمن رفيق .. ومن ليس له كلب لا صديق صدوق له. ومن لم يعرف صداقة الكلاب لن يعرف معنى الوفاء للصداقة. فكلب صديق خير من ألف رفيق وصديق لا خير فيهم ولا وفاء ولا يجدهم الإنسان في أوقات الشدة والضيق.

أنظروا حال سورية التي كانت تعتقد أن لها أصدقاء كثرين في البلاد العربية والأجنبية، كما وفي الأحزاب و الحركات السياسية .غالبيتهم تركوها تذبح أو شاركوا ويشاركون في ذبحها، سواء سياسيا اواعلاميا أو ماليا أو عسكريا أو امنيا وعلى الطريقة الوهابية السلفية القديمة  الحديثة. مع العلم أنه من الظلم أن نقارن بينهم وبين الكلاب لأن الأخيرة أكثر وفاء للصداقة والخبز والملح من أكثرهم وفاءا. هم يَذهبون ويُنسون مع مررو الزمن، ولا احد سيذكرهم أو يتذكرهم إلا بقلة وفاءهم ، فيما كلب مثل هاتشيكو الياباني سيذكره ويخلده التاريخ الإنساني .

قبل سنوات قرأت وكتبت عن الوفاء والحب بين سحليتين يابانتين، تقول في القصة أنه في يوم ما قرر و قام أحد أصحاب المنازل في اليابان، بتفكيك جدران منزله الخشبية بغية إصلاح المنزل وترميمه. حيث تفاجئ الرجل الياباني بوجود سحلية عالقة بالخشب من أرجلها. انتابت الرجل الياباني رعشة الشفقة على السحلية. ولكن الفضول كان أقوى من العدول عن متابعة مصير السحلية العالقة. خاصة أن صاحبنا الياباني، أي صاحب البيت الخشبي، تذكر أنه رأى مسمارا مغروزا في رجل السحلية، وهذا يعني أن السحلية موجودة هناك، وعالقة بالخشب منذ عشرة أعوام مضت. وهذا بحد ذاته الشيء الذي حير الرجل، إذ كيف عاشت هذه السحلية كل تلك السنوات؟ أخذ صاحبنا الياباني يراقب السحلية، وكانت دهشته الكبيرة، عندما رأى سحلية أخرى قادمة، وتحمل في فمها طعاما للسحلية العالقة. إذن كانت السحلية العالقة تعيش بفضل وفاء ومحبة السحلية الأخرى. فلولا الوفاء الذي أبدته السحلية الثانية، لكان الموت جوعا من نصيب السحلية الأولى، أي العالقة بالخشب.

 هذه القصة تعتبر من روائع قصص الحب والوفاء، في عالم الحيوانات الناطقة والأخرى غير الناطقة. ويجب أن تكون عبرة ومثالا لنا نحن البشر. فالوفاء مثل الحب ضروري ويمنع الناس من السقوط إلى الهاوية. ولا يمكن لإنسان صاحب أحاسيس ومشاعر صادقة، أن يعيش بلا وفاء ومحبة. لكن يمكن للآخر الذي لا وفاء لديه ولا محبة، أن يعيش في عالم خالٍ من القيم مادام هو نفسه بلا قيم ومبادئ

وقصتنا الرئيسية هنا هذا اليوم عن كلب ياباني يدعى هاتشيكو، ففي اليابان تحول الكلب هاتشيكو الى أسطورة في الوفاء وأصبح جزءا من التراث الوطني الياباني، حيث تم تحنيطه ووضعه في المتحف الوطني، وقبل ذلك احتفلت بلدية المدينة بإقامة تمثال له في المكان الذي كان يقف به يوميا أمام المحطة منتظرا عودة صاحبه البروفسور ” هيده- سابورو أوينو”، الذي لم يعد أبدا. ولأن هاتشيكو بقي ينتظر صاحبه على باب محطة القطارات لمدة 10 سنوات كاملة أصبح رمزا للوفاء في مدينة شيبويا اليابانية. ظل هاتشيكو ينتظر عودة البروفسور لمدة 10 سنوات ويوميا فعل ذلك أمام المحطة، لكن صاحبه الذي كان توفي بجلطة دماغية لم يعد.ولم يستطع أي كان من الناس إفهام أو إقناع الكلب الوفي بوفاة صاحبه. لذا ظل هاتشيكو يفعل ذلك يوميا حتى جاء اليوم الذي مات فيه هذا الكلب الوفي والتحق بصاحبه الر احل، تاركا للبشرية اسمه وعبرته وسيرته في الوفاء.

في رواية أخرى عن الكلاب أيضا قيل أن أميرا خرج في سفر وأوكل لوزيره بإدارة شؤون الإمارة، لكن بعض حاشية الأمير خطط للإطاحة بالوزير، بعد أن فبركوا له قصة أغضبت الأمير الذي أمر بإعدامه وتقديمه طعاما لكلابه المتوحشة.  بالرغم من خدمته له وأمانته لأكثر من ثلاثين عاما. المهم ان الوزير الذكي أراد أن يتمهل الأمير الغبي فطلب منه مهلة عشرة ايام كي ينهي أموره وأمور عائلته، فوافق الأمير وأعطاه عشرة أيام. في ذلك الوقت سارع الوزير الى الشخص المسئول عن إطعام كلاب الأمير، فأغراه بالمال ووعده بحل كل مشاكله إذا ما وافق على أن يقوم هو بنفسه بإطعام الكلاب لمدة 10 أيام. وهذا ما حصل بالفعل إذ بقي الوزير يطعم الكلاب خلال عشرة أيام متواصلة. وفي الموعد المحدد عاد الى الأمير، فأعلن الأمير أن اليوم هو يوم إعدام وزيره، حيث قام الخدم بوضع قفص كبير وفيه الكلاب المتوحشة في ساحة القصر الكبير، فحضرت الحشود لمشاهدة إعدام الوزير بمثل تلك الطريقة الوحشية، لكن ما أن أدخل الوزير الى القفص حتى سارعت الكلاب للعب معه والترحيب به مما أثار غضب الأمير، الذي أمر بإنهاء تلك المهزلة. وبإحضار الوزير للمثول أمامه. وبعد أن أعطاه الأمان ووعده بالعفو عنه إذا ما اخبره عن سر امتناع الكلاب عن افتراسه.  وكان جواب الوزير الذي احتقر ذلك الأمير الغبي : لقد خدمتك بكل إخلاص أكثر من ثلاثين سنة, إلا أن الكلاب التي خدمتها عشرة أيام فقط , هي أكثر منك وفاءا ومن حاشيتك القذرة .

من قصص الوفاء عند الكلاب يحكى أن حطابا كان يسكن في كوخ صغير قرب الغابة، وكان يعيش مع طفله وكلبه، ويعمل يوميا في التحطيب من شروق الشمس حتى مغيبها، تاركا طفله الصغير في عهدة كلبه الوفي والأمين. في احد الأيام سمع الحطاب نباح الكلب على غير عادة فأسرع نحو البيت، وهاله أنه رأى الكلب خارج البيت والدماء تغطي فمه وجسده، فظن أن الكلب افترس طفله الصغير، ودونما تفكير اخرج فأسه وقام بقتل الكلب. لكن عندما دخل الى الكوخ وجد ثعبانا ضخما غارقا في دمه على أرضية الكوخ بينما طفله الصغير في فراشه. فعرف انه في لحظة غضب فسر الأمور بشكل خاطئ وفهمها عكس ما كانت وأنه اخطأ وتسرع وارتكب جريمة بحق صديقه الأمين. في هذه القصة كا في سابقتها تكمن العبرة في الوفاء . وتكمن أيضا العبرة في التسرع والحكم على الأمور في لحظات غضب وتسرع، إذ على الإنسان أن يحافظ على الهدوء والعقلانية وان يتعامل مع الأمور وبالذات في الظروف الصعبة والطارئة بشكل عقلاني وبعيدا عن التهور والعاطفة. لأن في ذلك خطر كبير على نفسه وعلى من يحب وعلى كل من هم حوله.

في كل مرة أعود فيها الى منزلي يقف كلبنا “هوغو” بلباسه الناصع البياض، سعيدا، فرحا، ملوحا بذيله تعبيرا عن سعادته وفرحه بعودتي الى المنزل. ولا يقبل هوغو أن أدخل المنزل قبل ان يحييني وأحييه بتحيات متبادلة، ثم يعدو راكضا لإحضار أي شيء يلتقطه بأسنانه ويحضره لي كهدية منه، هدية للترحيب وللتعبير عن حبه ووفاءه الذي لا ينقطع. ولا يعرف معاني هذا الوفاء لذا الكلاب إلا الذين اقتنوا كلابا وتعرفوا عليها معرفة حقيقية وأصبحوا بشكل تلقائي يعتبرون الكلب أحد أفراد العائلة.  فمع مرور الأيام برفقة الكلب يصبح هذا الكلب نتيجة أمانته ووفاءه جزءا من حياة مالكه أو الشخص الذي يقتنيه ويقدم له طعامه وشرابه اليومي. صديقي هوغو يبقى طوال الوقت على أهبة الاستعداد في حديقة دارنا بانتظار عودة أفراد العائلة فردا فردا .. مع العلم أن كل واحد من أفراد العائلة يعود من العمل أو من المدرسة في وقت مختلف عن الآخر.

هوغو هو الشخص الأكثر وفاءا للجميع، لكل أفراد العائلة.. فيا ريت كل الأصدقاء الذين اعرفهم يكونوا أوفياء مثل هاتشيكو وهوغو وسحالي اليابان.