الأرشيفعربي وعالمي

جولة ثانية في عقل رئيس القبيلة – زهير كمال

كانت الجولة الاولى في عقل رئيس القبيلة قبل أكثر من أربع سنوات وتحديداً في 28 أكتوبر 2018. استفزني يومها جواب محمد بن سلمان عندما سأله أحد الصحفيين عن سبب شرائه قصر لويس الرابع عشر في باريس حيث قال : أنا غني!

جرت أحداث كثيرة منذ ذلك الوقت.

تكشّفت مسؤوليته المباشرة عن اغتيال صحفي الواشنطن بوست جمال الخاشقجي.

ثارت ضجة كبرى في الولايات المتحدة حول الموضوع ولكن كما أظهرت الاحداث فيما بعد أنها تقلصت الى حد مناكفات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

فيما يلي ملخص لعلاقة بن سلمان مع رئيسين معاصرين للولايات المتحدة.

لم يهتم دونالد ترامب بموضوع الخاشقجي، فكان جل اهتمامه تدفق المال السعودي إلى خزانة الولايات المتحدة.

أعطى ابن سلمان ترامب 450 مليار دولار، واستعمله الأخير كحائط حيث وضع فوقه لوحاً كبيراً لشرح أنواع الأسلحة في صفقة القرن.

بينما نجد أن دولتين عظميين متحالفتين هما الولايات المتحدة وفرنسا تصارعتا على صفقة غواصات لدولة أخرى هي قارة استراليا بمبلغ زهيد، مقارنةً، هو 35 مليار يورو فقط .

ورغم هذا الكرم كان ترامب يصرح ويتباهى باستمرار أنه كان يقول للملك: يا ملك، لولا حماية الولايات المتحدة لك ولنظام حكمك لما صمدت أسبوعاً!

ومع هذا الإذلال كان ابن سلمان ينفذ أوامر ترامب بكل ترحاب وسرور، ومن بين تلك الأوامر تدمير اليمن على رؤوس أصحابه،  وهو ما تلاقت عليه المصلحة بين الطرفين.

أثناء الاستعداد للانتخابات الأمريكية صرح المرشح بايدن أنه لن يصافح القاتل محمد بن سلمان أبداً. نجح بايدن وأصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد أن قدم برنامجاً طموحاً لتحديث الولايات المتحدة، هي أحوج ما تكون اليه، سيما وأن الصين تتقدم بخطى حثيثة لاحتلال المركز الأول على الصعيد الاقتصادي.

ضمن البرنامج كان تحديث البنية التحتية في البلاد وإنشاء نصف مليون محطة شحن للسيارات الكهربائية، مما يعني أن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الصحيح نحو المستقبل. وكانت الظروف مواتية لتنفيذ هذا البرنامج، فالكونجرس بفرعيه تحت سيطرة حزب الرئيس.

لم ينفذ بايدن هذا البرنامج حتى تاريخ كتابة المقال مما يظهر أن هذا البرنامج لم يكن برنامجه وإنما لأحد الأعضاء التقدميين في الحزب الديمقراطي.    

عاملان رئيسيان يحكمان تصرفات بايدن، عقلية الحرب الباردة وعمره المتقدم، وكلا العاملين لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة، كما يظهر الآن من الأحداث التي تدور في العالم.

أخذ بايدن أول قرار كبير وخطر بعد شهر من توليه السلطة، الانسحاب من أفغانستان، كان قراراً متسرعاً وغير مدروس ولا يليق بدولة كبرى.

أدرك أصحاب القرار حول العالم أن بايدن رجل ضعيف، وسجل ابن سلمان هذه النقطة في ملاحظاته.

قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ارتفعت أسعار المحروقات في السوق الأمريكية بنسبة كبيرة، كانت هذه إحدى نتائج الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي كان بالضرورة سيفقد الحزب الديمقراطي سيطرته على الكونجرس. ولتلافي وضع كهذا، اتخذ بايدن قراراً بالسفر إلى حلفائه في الرياض والطلب منهم زيادة إنتاج النفط.

أدرك بن سلمان أنه تحرر من عقدة الخاشقجي، فهو أمام رئيس ضعيف.

كان قرار بايدن من أغبى القرارات التي يتخذها رئيس للولايات المتحدة.

أنقص ابن سلمان إنتاج النفط بدلاً من زيادته.

أتقن ابن سلمان لعبة (ضربة على المسمار وضربة على الحافر).

بينما كان يتوجه شرقاً نحو الصين وروسيا، كان يغض النظر بل يشجع تطبيع دول عربية تابعة أو حليفة له مثل البحرين والسودان والإمارات والمغرب مع الكيان الصهيوني. كان هذا الاختراق بمثابة موسيقى في آذان إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، أمر كهذا يحرم الفلسطينيين من بعدهم العربي ويضيق الخناق عليهم ويثبت وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

يعرف مخططو السياسة في إسرائيل مدى تديّن الشعوب العربية، بعكس كثير من شعوب الأرض، ولإقناع الشعوب العربية بوجود إسرائيل في المنطقة بواسطة باب جديد هو باب الدين نشأت مقولة الديانات الإبراهيمية الثلاثة وفيها إسرائيل( الدولة وليس الشعب) هي الممثلة للدين اليهودي.

كان وجود ابن سلمان وما يحققه للكيان أهم بكثير من غرور بايدن ورفضه مصافحة قاتل.

استمرت اللعبة، عقد ابن سلمان مع نظيره الصيني ثلاث قمم في الرياض، أمر لم يحلم به الرئيس الصيني نفسه، في نفس الوقت سمح لشركات الطيران الإسرائلية باستعمال المجال الجوي للمملكة.

استمرت اللعبة، بعد الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية عقدت شركات الطيران السعودية صفقة مع بوينج بقيمة 35 مليار دولار لتزويدها بعدد من الطائرات الحديثة.

هذا الأمر يرضي بالطبع الدولة العميقة في الولايات المتحدة.

هلل الكثير من المراقبين للاتفاق الإيراني السعودي، وما سيحدثه من تغيير في أوضاع الشرق الأوسط. ولو نظرنا بتعمق سنجد أن الأوضاع المتأزمة في كل بلد عربي على حدة، ليست سوى من فعل النظام السعودي.

في تحليل أهداف أطراف الاتفاق نجد ما يلي:

ا. الراعي الصيني:

رعاية الاتفاق هي من بدايات النشاط السياسي للصين، نأت الصين بنفسها عن العمل السياسي الدولي الفاعل، كان تركيزها على العمل الاقتصادي وقد نجحت فيه ويبدو أن هذا النجاح الاقتصادي سينعكس على النجاح السياسي.

ب. الطرف الإيراني:

حتى وقت قريب نجحت إيران في إحباط عمليات تخريب تقوم بها خلايا ممولة من النظام السعودي الذي لم يتوقف منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى توقيع الاتفاق عن الأعمال العدائية ضد النظام الإيراني، وصلت الى حد قيام بن سلمان بلعب فيديو يظهر دخوله طهران منتصراً. ويبدو أن إيران نجحت في وقف هذه الأعمال العدائية ضدها بتوقيعها هذا الاتفاق.

ج. الطرف السعودي:

مبدآن أساسيان يحكمان تفكير النظام السعودي وأفعاله:

1. الحفاظ على الحكم بشتى الوسائل والمبررات.

2. العلاقة مع الولايات المتحدة هي علاقة استراتيجية ووجود جيش وقواعد أمريكية في الدولة هي أفضل وسيلة للحفاظ على النظام من السقوط.

لم يتوقف النظام السعودي منذ خمسينات القرن العشرين عن التآمر لإسقاط انظمة الحكم الثورية في المنطقة ، منذ جمال عبد الناصر مروراً بثورة اليمن والثورة الايرانية وجزء كبير من أسباب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم العربي يرجع الى أفعال النظام السعودي بما فيها داعش والقاعدة.

الاتفاق الإيراني السعودي يبدو في ظاهره تنازلاً من النظام السعودي، ويبدو كأنه نزول عن الشجرة، في وقت كل العوامل تصب في صالحه.

ولكن الحقيقة خلاف ذلك.

لذلك علاقة بنجاح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل .

حلم نتنياهو وهدفه هو تدمير البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل خطراً جسيماً على الوجود الإسرائيلي. وهناك مؤشرات على أنه سيقوم بشن  هجوم على كافة المفاعلات النووية الإيرانية في هذه الفترة التي استطاع فيها الإمساك بالسلطة بصعوبة، هو بذلك يخلص إسرائيل من كابوس جاثم على صدرها وفي نفس الوقت سيصبح بطلاً وقد يتغاضى القضاء عن تهم الفساد المشرعة ضده.

يبرز سؤال جانبي هنا: لماذا لم يقم القضاء الإسرائيلي بمحاكمة نتنياهو على تهم الفساد الموجهة ضده أثناء فترة حكم نفتالي بينيت ويائير لابيد ؟ لم نسمع في الأخبار خلال 18 شهراً أي خبر بسيط عن الموضوع.

مقابل تهديدات نتنياهو المتكررة، كانت إيران تهدد باستهداف القواعد الأمريكية في الخليج وبخاصة في السعودية والتي تربو عن 32 قاعدة سواء قواعد بحرية أوجوية أو برية تغطي مساحة المملكة كلها.

بالنسبة لابن سلمان حدوث حرب كهذه على أرض مملكته يهدد بزوال النظام ككل، واضعاً في عين الاعتبار أن اليمن سيتدخل في المعركة من الجنوب.

سبق ابن سلمان نتنياهو بخطوة واحدة، فالرسالة واضحة أنه لا يستطيع استعمال الأراضي السعودية أو القواعد الأمريكية في المملكة، ولهذا فهو بحاجة الى المشاركة الكاملة للولايات المتحدة وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا تغيرت الإدارة الأمريكية وأصبحت من الحزب الجمهوري.

أما الفكرة التي تتناقلها وسائل الإعلام بأن إسرائيل تتفاوض على شراء طائرات لتزويد طائراتها المقاتلة بالوقود من الجو، إنما هي فكرة هوليوودية سخيفة، فهي غير عملية بسبب عدد الطائرات اللازمة لتنفيذ هجوم ناجح والذي لن يقل عن مائتي طائرة . كذلك لا نعرف المسار الذي ستتخذه الطائرات المهاجمة.

خارجاً عن سياق الموضوع، فيما لو حدث هجوم كهذا هل سيستعمل نتنياهو الأسلحة التقليدية في الهجوم أم سيستعمل قنابل نووية صغيرة، فهو لا يستطيع استعمالها في الوسط المحيط بإسرائيل ولكن في منطقة بعيدة مثل إيران يمكنه ذلك نظراً للتحصينات الإيرانية القوية، والتبرير جاهز، فإيران تطور أسلحة نووية ستستعملها ضد إسرائيل.

في نهاية المقال يبرز السؤال التالي:

هل يمكن لأي دولة أن تأخذ قرارات مستقلة ضد الدولة التي تمتلك قواعد أجنبية في أراضيها؟