الأرشيفوقفة عز

خالتي عطرة وسيرتها العطرة

خالتي عطرة وزوجها العم عبدالله العبد – أبو محمد رحمهما الله…

منذ وعيت على الدنيا في المخيم وخالتي عطرة كانت تجيء الى بيتنا أو كانت أمي تمضي بنا الى بيتها قرب بيت دار جدي في الحارة الفوقا من حي الصفصاف في مخيم عين الحلوة. فكنا أنا وإخوتي وأخواتي نمضي أوقاتنا مع أولادها وأولاد خالي محمد – أبو ماهر- كأننا عائلة واحدة. كما كانت علاقة أمي وخالتي متينة، فهي علاقة بين شقيقتين حبيبتين ومتلازمتين. الوردة أم جمال أي أمي كانت أكبر من خالتي عطرة بسنوات قليلة لا أعرف عددها. أما خالتي عطرة فبدورها كانت تصغي بإنتباه لما تقوله لها أمي. وأحياناً بعفويتها وطريقتها المُسليّة كانت تقول ما تريد على طريقتها فنضحك كلنا وتضحكان هي وأمي معنا وبسبب قهقاتنا الطفولية.. لكن بعد هنيهات تعود عطرة خالتي لتصغي لحديث ونصائح أختها وردة، أي أمي، التي بطبيعتها لا تتكلم كثيراً، لكنها عندما تتكلم تقدم المختصر والمفيد لحل أي مشكلة أو معضلة عائلية أو اجتماعية والخ.

خالتي عطرة المرأة المَرِحة والمزيحة والطيبة والبسيطة ربما فقدناها مبكراً فقد توفيت ربما بسبب الأمراض وعدم الالتزام بالعناية في الطعام بالذات. أذكر أنها كانت تعاني من الضغظ المرتفع لكنها بنفس الوقت لم تترك الملح وكانت تأكله مع الطعام بشهية. ربما أن الملح كان من أسباب موتها المبكر. لذا إختارها الله لتكون بقربه فرحلت عن عالمنا في أعقاب رحيل والديها سيدي علي وستي فاطمة – بدرة الشاويشية- وشقيقتها علياء التي بدورها كانت أول خالة لي تتوفى في المخيم.

كانت خالتي عطرة أم محمد حمد أصغر شقيقات أمي وعندما توفيت حزنت أمي كثيراً عليها. بعد فترة من الزمن لحق بخالتي عطرة زوجها ورفيق عمرها العم عبدالله العبد – أبو محمد. أما خالتي مريم – أم فخري- وهي أكبر خالاتي فقد توفيت بعد وفاة خالتي عطرة. لا أذكر بالضبط تاريخ الوفاة. على كل حال كل الذين ذكرتهم-ن توفيوا وتوفين وأنا خارج لبنان. الاستثناء الوحيد كانت وفاة جدي علي فقد شاركت في جنازته لأنه توفي ربما سنة 1979 وكنت يومها موجوداً في لبنان.

كانت خالتي عطرة امرأة جميلة وذكية.. بسرعة أصبحت أماً لأربعة عشر طفلاً وطفلة أنجبتهم بعدما تزوجت من ابن عمها الراحل عبدالله العبد حمد، أبو محمد. فحققا معاً نظرية التفوق الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والاستيطان والعدو.

عمي عبدالله العبد في شبابه كان مقاتلاً وفدائياً في القطاع الشرقي وفي الهبارية وشبعا والعرقوب، مع قوات التحرير الشعبية وجيش التحرير الفلسطيني في ذلك الوقت من زمن العمل الفدائي في لبنان. أقصد نهاية سنوات الستينيات وبداية سنوات السبعينيات من القرن الفائت. يوم كان الفدائي  هو العنوان والرمز والقدوة والمثال ومدعاة الفخر والعزة والبطولة… ويوم كنا نحن الصغار نفرح برؤية الفدائيين العائدين في إجازاتهم لزيارة عائلاتهم .. عمنا عبدالله كان حين يعود الى البيت من الجنوب بلباسه العسكري المرقط وبرشاشه الكلاشنكوف وبسمته المعهودة يثير فينا الأحاسيس الثورية والوطنية وحب حمل بارودته.

خالتي عطرة كافحت بكل ما أوتيت من قوة لتربية الأطفال، الذين ولدتهم طفلاً خلف الآخر على مدار سنوات عديدة، حتى غدى منزلها المتواضع والصغير يعج بالفراخ مثل قن الصيصان والكتاكيت. استطاعت تربيتهم وتنشأتهم والحفاظ عليهم في ظروف صعبة مرت بها المخيمات وكان يعيشها الفلسطينيون في لبنان. ومثلها غالبية نساء فلسطين اللواتي حملن على عواتقهن مهمة التربية.

كانت خالتي عطرة مثل زوجها العم عبدالله تجيد الطهيّ والتفنن بالطعام، فأكلاتها وطبخاتها كانت تثير شهية أطفال العائلة وكبارها كذلك. مشكلتها التي لازمتها ويبدو تسببت بتعجيل وفاتها هي أنها كانت تعشق الملح والفلفل الحار والزيت والزيتون والحامض (الليمون).. هذا وكانت من أكلاتها المفضلة الكروش والمصارين والكبة النية.. كانت مولعة بالوجبات التي تحتوي على الدهون وكل شيء يتسبب بالكولسترول ويرفع الضغط.

أما العم عبدالله -أبو محمد – فكان من ملوك الفول والحمص في مخيم عين الحلوة، وصاحب ذوق رفيع في تحضير الطعام وترتيب المائدة. في آخر سنوات عمره عمل في الفول والحمص وكان سكان الحارات المجاورة يقصدونه لشراء الفول والحمص والفتة.

رحم الله خالتي عطرة علي قاسم حمد وعمي عبدالله العبد حمد.

نضال حمد

4 آذار 2023