الأرشيفثقافة وفن

رواية “رقص رقص رقص” هي الرواية السادسة لمؤلفها هاروكي موراكامي

*رواية “رقص رقص رقص” هي الرواية السادسة لمؤلفها هاروكي موراكامي الكاتب الياباني المشهور، تم نشرها للمرة الأولى عام 1988، وعلى الرغم أنها ليست أكثر أعماله انتشارًا ونجاحًا، لكنها تشغل مكانة فريدة في قلبه، حيث يعتبرها رحلة علاجية.ذات بعد نوستاليجي/سيريالي عميق وواقعي شيق:

*غموض وسيريالية وغرام ورأسمالية وعصابات وجماجم ورقص!

*تدور قصة رواية رقص رقص رقص حول كاتب مقالات، الكاتب هنا يكتب مقالات تجارية، لذلك لا يجب أن نتعامل معه كفنان أو مبدع، بل نجد أنه هو نفسه يشبه وظيفته بعملية إزالة الثلوج من الطريق، أي وظيفة لا فائدة منها، وعلى الرغم من ذلك فهي تحقق له حياة جيدة، تجعله يتحرك بالقليل من الحرية، لا يهم عمل الكاتب الآن فمشكلته ليست المال بل فندق “الدولفين”، هذا الفندق هو مكان قديم، كان يجتمع فيه الكاتب بحبيبته، وبعد ذلك ترك حبيبته وترك الفندق.

*مدفوعًا بحالة من النوستالجيا، يذهب كاتب المقالات للفندق مرة أخرى، لكنه يصدم حينما لا يجده، لقد ظهر مكان الفندق واحدًا آخر، لكن الآخر هذا عصري للغاية، يشبه ناطحات السحاب، ويمتلك واجهات من الزجاج، ومداخله مزينة بمجموعة من اللوحات الفنية الباهظة، وعلى الرغم من هذا لم يتغير الفندق على صاحبنا، أو بشكل أكثر وضوحًا لم تتغير روح الفندق، الفندق القديم، موجود في داخل القديم، وكأن هناك يقبع عالم موازٍ، أو بوابة لعالم لا نعرف عنه شيئًا، وخلال الرواية يحاول البطل فهم هذا العالم الغريب، كما يحاول معرفة القصة حول هذا الفندق الجديد.: أذكر فندقا حول منزلي يقدم افطارا هزيلا  “بايتا” ويركز صاحبه على مراقبة القاطنين ولا يهتم كثيرا بالنظافة  وهاجسه الوحيد هو الربح الوفير!

فتاة بعمر الثالثة عشر

أثناء انشغال الكاتب بالفندق يلقي القدر أمامه فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، والدة الفتاة هي ممثلة بوهيمية تنسى كل شيء تفعله، تنسى الطعام والشراب والناس، لا تهتم بشيء غير عملها، وسنراها بعد ذلك تنسى ابنتها، مما يجعل كاتبنا يأخذ الفتاة معه أثناء السفر ليعيدها لوالدتها، وهنا يتعرف على والدها الذي انفصل عن والدتها، شاعر قديم، يحاول التمسك بشهرته القديمة، معه الكثير من المال ويعيش حياة مترفة، يحاول أن ينسى بها مشاكله: ينغمس الكاتب في الواقع المعاش هكذا دون رتوش وتجميل ويحاول اقناعنا بجدوى الاستمرار بالقراءة ومتالعة الأحداث؟

.

ممثل وزميل دراسة

خلال الأحداث المختلفة التي تحدث لبطلنا، نجده يتذكر تفاصيل قديمة مع زميل له في مدرسته الثانوية، هذا الزميل الوسيم الذي أصبح ممثلًا مشهورًا الآن، في أحد أفلامه قام بتقبيل صديقة كاتب المقالات القديمة، وقد شاهد الأخير هذا المشهد في السينما صدفةً، لكنه لم يخرج من رأسه أبدًا، وسنجد أن هاروكي موراكامي يحلل شخصية هذا الممثل بقوة، كما يعرض حياته بشكل مثير للإعجاب، وتفاصيل حياته مهمة، لأن كل فرد في الرواية هو رمز لطبقة كاملة يتم معالجة حياتها في الر الأسطوانة المكسورة العلامة الشهيرة لرواية رقص رقص رقص على مستوى العالم

:هنا يخلط قصص السينما  ضمن سياق الحبكة الروائية قسرا بلا هارموني!.واية كما سنرى بعد قليل

. الرأسمالية والعصابات*

يتم عرض الرأسمالية وسياساتها على طول أحداث الرواية، يتم عرضها ونقدها بشكل مباشر، وأحيانًا، يتم نقد الرأسمالية من خلال بعض أبطال الرواية، خصوصًا الممثل، الذي نرى من حياته تأثير الرأسمالية على حياة المشاهير، كما نعرف الدوائر الخفية التي لا نعرفها عن المال، وبالطبع يبدأ الأمر حينما نرى فندق الدولفين في بداية الرواية فهو في النهاية فندق رأسمالي، قام على أنقاض فندق قديم، وسنعرف أيضًا أنه قام بالقوة، وبخوض الكثير من المشاكل، ومن خلال عرض تفاصيل بناء الفندق، سيعرض هاروكي موراكامي الخط الرفيع الذي يفصل بين العصابات والرأسمالية، ومن خلال قراءة أسطر الرواية نجد أن هذا الخط يتلاشى يومًا بعد يوم، وتعتبر هذه القراءة هي قراءة مرعبة لوضع العالم الاقتصادي والسياسي: أتذكر هنا  كيف بادرت امانة عمان العتيدة حينها فهدت وأزالت من الوجود فندق فيلادلفيا القديم التاريخي بجانب المدرج الروماني الشهير بوسط عمان لأهداف تجارية “غبية” رأسمالية بالتأكيد…حيث لا اعتقد ان سياق بناء فندق جديد على انقاض فندق قديم متهالك لها علاقة بوضع العالم “الاقتصادي-السياسي” كما ذكر المحلل محاولا اسقاط هذه الممارسة بشكل افتراضي مجاني دون تحديد الأسباب!.

*الغموض والفانتازيا والمغامرة

كعادة هاروكي موراكامي لا تخلو رواياته من الفانتازيا والغموض، تبدأ الفنتازيا مع ظهور العوالم الميتافزيقيا أو العوالم المتوازية المخفية داخل عوالمنا، كما نجد أن الرواية مليئة بالغموض، كـ “الرجل الخروف” الذي لا نعرف عنه  شيئًا، يجلس في مكان مظلم في الفندق يحكي لبطلنا عن تاريخ العالم، موت مفاجئ وسقوط العديد من الجثث ولا نعرف من القاتل، ونجد أن المغامرة في الرواية متناثرة في العديد من الخيوط، أحيانًا أثناء متابعة حبيبته القديمة، وأحيانًا مع عاملة الاستقبال في الفندق، وأحيانًا مع الفتاة الصغيرة المتمردة والتي تتميز بشخصية خاصة: يتقن موراكامي تماما هذا النمط من السرد الغرائبي باحتراف فريد لافت ومشوق.يفتقده معظم كاتبي الروايات العرب اللذين يتخبطون بعبثية عندما يحاولون ويفشلون!.

الكاتب هاروكي موراكامي وبعض الرموز التي يتميز بها أسلوبه الروائي

*بصمة الروائي في رقص رقص رقص

تتميز الرواية بأسلوب سهل وبسيط في الكتابة، وهذه السمة من السمات الأساسية في أسلوب موراكامي لغة سهلة وجمل سلسة، ولكن في ثنايا هذه اللغة خيالات قوية، وقصة متماسكة، والكثير من الخطوط الدرامية والميتافيزيقيا التي تلتقي وتفترق، نجد في الرواية الحب، والصداقة، والشهرة، والمال، والفن، ونجد ترشيحات كثيرة لأغاني جيدة، وهذه الأخيرة شيء اعتدنا عليه من الكاتب الذي يمتلك معرفة موسوعية في مختلف أنواع الفن خصوصًا الغناء: لكن الكاتب يبدو متيما بشكل خاص بالأغاني الغربية والأمريكية المعاصرة تحديدا بعيدا عن نمط الغناء الياباني أو حتى الآسيوي الخاص، وأعتقد انه ربما يتصنع هذا الطرح مبالغا لجذب القراء الغربيين الكثر  لقراءة رواياته لترويج شهرته ومبيعات كتبه لا غير!.

البعد الفلسفي لمفهوم الرقص*

نجد أكثر من تفسير لتسمية الرواية، بعض النقاد ربط التسمية بالبعد الفلسفي لمفهوم الرقص، ففي الفلسفة نجد كلمات كثيرة عن الرقص وتشجع عليه، خصوصًا عندما تصبح الأحداث الجارية ، والرقص هنا هو مجرد رمز للسعادة، وقد شاهدنا في فيلم “نفس الفلسفة عندما رأينا البطل يرقص كلما ضاقت الحياة؛ والبعض الآخر من النقاد يقولون إن الرقص هو رمز الرأسمالية الحديثة، كل شيء يتحرك بسرعة وعشوائية، العالم بأكمله يدور ويرقص؛ كما يمكننا أن نصف الأحداث التي حدثت مع بطل الرواية بالرقص، فهناك الكثير من التداخل والسرعة، كما سنجد تحديدات معينة للرقص في سياقات الرواية: كما في حالة رقص جوكر المحبط وخاصة على الدرج في الفيلم الشهير/2019، فقد شاهدت مجرمين دمويين في عدة افلام غربية هامة يرقصون وهم يعذبون ضحاياهم بسادية عجيبة: ولا اتوافق مع رأي كاتب المقالة بأن الرقص هو رمز الرأسمالية الحديثة، لأن معظم الشعوب والثقافات القديمة تمارسه ابتداء من الفراعنة ومرورا بالحضارات الصينية والهندية  والآسيوية القديمة وحتى قبائل الهنود الحمر في الأمريكتين وفي الأدغال الافريقية وغابات الآمازون، وهو تعبير تلقائي عن المكبوتات والهواجس والعواطف والمشاعر العميقة الشخصية والوطنية والدينية وصولا للشعوذة السحرية!….

وهكذا أكون قد انتهيت من مراجعة رواية رقص رقص رقص، الرواية التي كتبها الكاتب الياباني الأشهر هاروكي موراكامي، والذي قال أكثر من مرة إن هذه الرواية هي أكثر الروايات التي استمتع أثناء كتابتها، وهذا شيء يستطيع القارئ نفسه أن يلمسه أثناء القراءة، وذلك بسبب الشغف الكبير الذي كتبت به، ففي اللحظة التي تفتح فيها الصفحة الأولى من الرواية ستعرف أنك وقعت في سحرها، وستحزن لفقدان هذا السحر في صفحة النهاية، لكن ستجد بعد مدة أن الرواية قد تركت بداخلك أثرًا كبيرًا: نعم أتفق تماما مع رأي الكاتب هنا ولقد ندمت لأني قرأت الرواية بشغف كبير ووضعت كعادتي ملاحظاتي المختلفة على صفحاتها ثم تخلصت منها وندمت بعد ذلك، وهناك نقطة غفل الكاتب عنها وتتعلق بهوس بطل الرواية بالنظافة الشخصية مع البطلات حيث يصور لنا بتلقائية حالات متتابعة معبرة لهذا الفعل الحضاري الانساني الضروري فيما تفتقد معظم الروايات العربية حسب علمي لمثل هذه الممارسات الوصفية لكونها روتينا يوميا ربما لا يستحق التنويه وانا أستغرب ذلك متسائلا؟!

.

رقص رقص رقص *هي الرواية السادسة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي. نُشرت لأول مرة عام 1988، ترجمها للانجليزية ألفريد بيرنباوم عام 1994. الكتاب هو تتمة لرواية موراكامي : مطاردة الخراف الجامحة. في عام 2001 قال موراكامي أن رقص رقص رقص كانت بمثابة شفاءٍ له بعد الشهرة غير المتوقعة التي اكتسبها عقب نشر روايته الغابة النرويجية، وأنه بسبب هذا فقد استمتع بكتابة رقص أكثر من أي عمل آخر… 

ملخص القصة:*

*تحكي الرواية المغامرات السيريالية لبطل الرواية الذي يكسب قوت يومه من عمله ككاتب تقارير للأعمال التجارية. بطل الرواية مرغمٌ على العودة إلى فندق الدولفين، وهو فندق قذر كان قد أقام فيه مع امرأة أحبّها، بالرغم من أنه في الحقيقة لم يعرف اسمها أبدًا، ومنذ ذلك الوقت كانت قد اختفت بدون أثر. قامت شركة ضخمة بشراء فندق الدولفين وتحويله إلى فندق أنيق وعصري على الطراز الغربي….

*يمر بطل الرواية بأحلام ورؤى غريبة تظهر فيها تلك المرأة والرجل المقنّع—وهو رجل غريب يلبس معطفًا من صوف الغنم— ويقودانه لحل لغزين. الأول هو لغز ميتافيزيقي وغير طبيعي : كيفية النجاة مما هو مميت. والثاني هو لغز جريمة قتل مومس، يتورط فيها بشدة صديق قديم لبطل الرواية، وهو الآن ممثل مشهور. وعلى مر الأحداث يقابل البطل العديد من الأشخاص، مراهقة مضطربة في الثالثة عشر من عمرها ولها قدرة على الاستبصار، أبواها المضطربان مثلها، شاعر لديه ذراع واحدة، وموظفة استقبال ودودة والتي تمر ببعض الأحلام والرؤى الغريبة التي يمر بها البطل…وفي موقف غفل عنه معظم المحللين يذهب بطل الرواية لطابق ما  في بناية  تجارية طويلة ليشاهد ستة اشخاص  وقد تحولوا لجثث وهياكل عظمية وكان شخصا ما قد قتلهم وهم في غفلة أثناء العمل في مكاتبهم، ثم يصف لنا حالهم  ولا يقدم تفسيرا لما حدث، لكنه يبدع حقا بتقديم حالة هؤلاء بعد أن تركوا منسيين في مكاتب مهجورة لناطحة سحاب  وتحللوا وتحولوا  تدريجيا لهياكل عظمية غامضة لا يعرف عنها شيء وبهذه الطريقة الفريدة  واستغرب ان معظم ناقدي الرواية لم يتطرقوا لعرض هذه الحالة النادرة من الاجرام “العصاباتي” السافر والمستهجن ؟

المواضيع الرئيسية للرواية:*

*يُعتبر العديد من شخصيات الرواية من السمات المميزة لكتابات موراكامي. رقص رقص رقص تتعامل مع مواضيع مثل الجنس، والفقدان، والهِجران، تمامًا مثلا الكثير من روايات موراكامي الأخرى. فعادةً في روايات موراكامي يفقد بطل الرواية أمه أو زوجته أو صديقته. بعض المواضيع الأخرى الخاصة بموراكامي والتي تتضمنها تلك الرواية هي التكنولوجيا، العزلة والاغتراب، والعلاقات الإنسانية. يوجد في الرواية شخصية اسمها هيراكو ماكيمورا، وهو إعادة ترتيب لحروف اسم «هاروكي موراكامي». وماكيمورا في الرواية هو كاتب أيضًا وواحدٌ من الكتاب الأكثر مبيعًا…والأكثر انتظارا لجائزة نوبل؟

*كثيرًا ما يتراءى لي فندق الدولفين في أحلامي، وفي هذه الأحلام أجدني هناك عالقاً في بعض الأحداث المتواصلة، كل شيء حولي يقول إنني جزء من هذا الحلم المستمر. وفندق الدولفين هو فندق يندّ عن المألوف وذلك لضيقه الشديد الذي يجعله يبدو أشبه بجسر طويل، بيد أنه جسر مغطى، جسر يتمدد في الزمان إلى ما لا نهاية، وهناك أجدني داخله، لكن هنالك شخص آخر يبكي أيضاً. أجد الفندق دائماً يحوطني من كل جانب، أستشعر نبضاته وحرارته، وفي أحلامي أجدني جزءاً منه، أصحو من نومي، ولكن أين أنا؟ إنني حتى لا أفكر في ذلك، سألت نفسي بالفعل ذلك السؤال: “أين أنا؟” وكأنني لم أكن أعلم: إنني موجود، في حياتي، ووجودي هو مظهر من مظاهر العالم، لست أستذكر ولو لمرة واحدة أنه سبق لي أن وافقت على هذه الأمور أو هذه الحالة أو مجموعة الأحداث هذه التي أظهر فيها، ربما تكون ثمة إمرأة تنام إلى جواري، ولكن في معظم الأحوال أجدني وحيداً، ليس هناك سواي أنا والطريق السريع الذي يمتد مباشرة بمحاذاة شقتي وكذلك كأس (كان ما زال فيها خمسة مليمترات من الويسكي) وضوء الصبح المغبر أحياناً يكون الطقس ماطراً. إن فندق الدولفين فندق حقيقي ويوجد بالفعل في حي من أحياء سابورو، كنت قد أمضيت فيه أسبوعاً قبل عدة سنوات، لا بل دعني أكون دقيقاً في ذلك، قبل كم سنة كان ذلك؟ أربع سنوات، وحتى أكون أكثر دقة، أربع سنوات ونصف، كنت ما أزال آنذاك في العشرينات من عمري، حينما نزلت بفندق الدولفين بصحة إمرأة كنت أعيش معها، وكانت هي مَن اختارت المكان حينما قالت “هذا هو المكان الذي سننزل به”، ولولاها لما وطأت قدماي أبداً مثل هذا المكان. كان فندقاً صغيراً وقبيحاً، فطوال الوقت الذي أمضيناه هناك لا أعرف ما إذا كنا رأينا أي نزلاء آخرين، كانت هناك بعض المفاتيح غير موجودة في اللوحة الموجودة خلف مكتب الإستقبال وهو ما يجعلني أخمّن أن ثمة نزلاء آخرين كانوا هناك… إنه فندق يحوطه الغموض من كل جانب، يذكّرني بالموت البيولوجي، وبإنتكاسة جينية، إنه صنع غريب من أعمال الطبيعة التي ألقت بكائن في المسار الخطأ من دون أن يكون ثمة طريق للعودة… بيد أننا أقمنا هناك، وأذكر أنها قالت “هذا هو المكان الذي سننزل به”، لكنها اختفت بعد ذلك، ظهرت ثم اختفت، إنه المقنَّع هو الذي أبلغني بذلك حينما قال: المرأة غادرت بمفردها بعد الظهيرة، بطريقة ما كان الرجل المقنَّع يعلم بذلك، علم أنه كان لزاماً عليها أن تغادر، تماماً مثلما أعلم أنا الآن، كانت غايتها أن تأخذني إلى هناك، كما لو كان ذلك هو قدرها، مثل نهر فولتاففا في تدفقه نحو مصبّه في البحر، ومثل المطر في نزوله إلى الأرض؛ حينما بدأت هذه الأحلام تنتابني حول فندق الدولفين، كانت هي أول ما يَرِدُ على خاطري، كانت تبحث عني، وإلا فلماذا يظهر لي الحلم نفسه المرة تلو المرة؟… بين الفانتازيا التي تعبّر عن الواقع الإفتراضي، والحياة الواقعية المعاشة، يسير موراكامي في هذه الرواية، إنها حياة المجتمع الرأسمالي الحديث، حياة البحث عن الصداقة والحب والطعام، والحاجات الإستهلاكية التي تتنامى، وأيضاً حياة الفرديّة والتمزّق والعزلة، حياة والدَيْ هاكوني: الأم مصوّرة محترفة، فنانة مشهورة، تترك ابنتها وحدها، وهمّها السفر إلى أماكن التصوير… وإلى عشّاقها… ووالد ثري يعش في عالم آخر ويسعده أن يجد شخصاً يهتم بإبنته، فيمنحه ليس فقط ما يريده، بل ما قد يشتهيه. في خلفية هذه الرواية هناك دائماً الرجل المقَنَّع، مالك الحكمة وحافظ تاريخ تحولات البشر، هذا الرجل يكرّر لبطل الرواية: يجب أن ترقص… ارقص… معبراً بذلك عن نمط الحياة المعاصرة!

***الخص عادة الروايات بهذه الطريقة الموجزة التي تستند لسرد اهم الفقرات والجمل (من وجهة نظري النقدية)، ثم أذهب لتلخيص منهجية واسلوب الكاتب، وباعتقادي ان هذا ملائم للكثير من القراء المثقفين المستعجلين (في عصر الانترنت الرقمي) واللذين لا يرغبون ربما بقضاء الساعات الطويلة لقراءة رواية ما، ولكنهم يهتمون بالالمام بالخطوط الرئيسية وتصفح باحداثها الجوهرية.: ولقد باشرت منذ مدة باضافة بعض افكاري الخاصة وانطباعاتي النقدية الصريحة لسياق فقرات الروايات: مستشهدا ومعززا وفاضحا لطريقة تفكير الكاتب الروائي!

** كاتب المقالة:م.مهند عارف النابلسي/اعداد واقتباس وتعليق/