وقفة عز

عائلة كورنيف اليهودية الاوكرانية

نضال حمد

مع بروز قضية عائلة كورنيف اليهودية الاوكرانية الأصل و(الإسرائيلية) الجنسية، في وسائل الإعلام المحلية هنا في النرويج، يكون اللجوء قد اثبت انه لم يعد حكرا على المنتزعين من أوطانهم والمشردين من ديارهم. فرفض منح اللجوء للعائلة وخاصة للشاب ألكسي البالغ من العمر 19 عاما والرافض للخدمة العسكرية في الجيش الصهيوني، لأنه يرفض قتل الأطفال الفلسطينيين بحسب ما جاء على لسانه لصحيفة “فى غا ” اليومية النرويجية الصادرة صباح هذا اليوم.

يعتبر رفض منحهم إقامة بمثابة تذكير أليم و إشارة جديدة على تواطؤ السلطات الأمنية في النرويج مع المصالح (الإسرائيلية). إذ لماذا في الماضي قامت نفس هذه السلطات بإحضار جهاز الموساد الصهيوني للتحقيق مع الفلسطينيين الذين هاجروا إلى النرويج من تونس والجزائر أبان حرب تحرير الكويت من جيش الرئيس العراقي صدام حسين. واليوم ترفض منح اللجوء ولو كإقامة مجردة فقط لا غير لشاب يأبى أن يصبح مجرما وقاتلا على غرار رئيس وزراء حكومة الاحتلال الصهيوني الجنرال شارون؟؟؟..

هذه القضية الساخنة تثبت أن اللجوء في النرويج ما عاد حكرا على أبناء الشعوب المغلوب على أمرها، ولم يعد محصورا في العرب والأفارقة والآسيويين وأهل أمريكا اللاتينية والمسلمين وبعض بقايا بلاد العم لينين والديكتاتور ألأممي ستالين.

فها هم أبناء الهجرات الصهيونية “جيل الثمانينات” لكيان الاحتلال اليهودي الصهيوني في فلسطين المحتلة، من مهاجري الاتحاد السوفياتي سابقا بقيادة غورباتشوف الذي باع السوفييت والمعسكر الاشتراكي مقابل حفنة من الدولارات. أبناء الهجرات الشرقية الغورباتشوفية ( من غورباتشوف) واليلسنية (من يلسن)، الذين ركبوا قطارات الهجرات الصهيونية نحو أرض فلسطين، والذين أبحروا بالسفن وطاروا على متن الطائرات الخاصة إلى بلاد غير بلادهم وأرض غير أرضهم، إلى فلسطين المحتلة، فأقاموا في مدينة “كرمئيل” التي أقيمت بدورها من أجلهم خصيصا على أراضي بلدتي دير الأسد ونحف وقرى أخرى، حيث أعطوا ما ليس لهم وما لم يكن في يوم من الأيام لمن وهبهم الأرض أو لمن وعد الذين وهبوهم إياها بوطن قومي لليهود الصهاينة.

ها هم يهجرون أرض اللبن والعسل الى أرض الثلج والسلمون والأايائل الضخمة والغزلان الوديعة والجميلة، والدببة القطبية، حيث لا موت ولا دمار ولا انتفاضة ولا احتلال ولا عمليات حربية أو استشهادية.

هؤلاء المهاجرين من أوروبا الشرقية وخاصة من جمهوريات السوفيات سابقا وجدوا أنفسهم أمام حقيقة أنهم ليسوا في أرض تمنحهم اللبن والعسل فقط، بل هي أرض تختطفهم من بين عائلاتهم وأحبابهم، لأنهم في أرض لها أصحاب يقاتلون ويكافحون دفاعا عنها ومن أجل تحريرها واستردادها. ويموتون برصاص جيش يهوه الصهيوني الذي لا يعرف الرحمة ولا أي شيء عن إنسانية ” الأغيار” أي البشر من غير اليهود. فالصهيونية العنصرية، الامبريالية الرأسمالية، الفاشية الارهابية، المغمسة بالعقيدة الدينية اليهودية المتشددة، علمتهم أن الأرض أرضهم والبلاد بلادهم وأنهم يدافعون عن اليهود في فلسطين التي يسمونها (إسرائيل).

ترى هل فكر هؤلاء الناس بسكان فلسطين الأصليين؟

فسكان أرض كنعان لم يكونوا قبل نكبتهم أعداءً لهم، بل أصبحوا هكذا بعدما سلبتهم الصهيونية أرضهم ودمرت حياتهم، وبعدما فر اليهود من أوروبا التي لفظتهم وقتلتهم ومارست بحقهم أشكال منوعة من الإرهاب والعنصرية والعقاب.

في تلك الحقبة وقبلها بسنين كانت فلسطين ملاذهم الآمن. وكان شعب فلسطين مُعينهم وآويهم. لكنهم لم يكونوا أهلا للثقة ولا بشرا للمعاشرة، كانوا قطعان من اللصوص سرقوا أثواب الضحايا ولبسوها، ثم ركبوا قطار الهلاك والتضحيات اليهودية الأوروبية المسافر الى شرق المتوسط حيث الهدف استعمار فلسطين.

جيّرت الحركة الصهيونية تلك التضحيات لخدمة أفكارها التوسعية والاستعمارية. كانت تعتبر أن ساعة المؤامرة دقت وأن أرض فلسطين ستكون كيانا لليهود وهذا الكيان هو (إسرائيل)… وسوف يكون الملاذ لكل من يريد الهرب من جحيم النازية والمحارق والتعذيب. ومن من اليهود الأوروبيين وبالذات يهود الرايخ الألماني لم يفعل ذلك تعرض لابتزاز الصهاينة أنفسهم وكذلك أعداء اليهود في أوروبا. مما عجل برحيل معظم المترددين والخائفين الى أرض فلسطين، وبتلك الطريقة سرقوا البلاد وشردوا العباد.

ليس كل من هاجر الى فلسطين المحتلة من يهود مرحلة غورباتشوف بالذات يهوديا فعلا أو صهيوني الانتماء والفكر. فهناك الكثير من المهاجرين إدعوا أنهم من اليهود كي يهربوا من جحيم الحكم الشمولي و الاستبدادي في دول المنظومة الاشتراكية سابقا. ومنهم من هاجر طمعا بالمال وبمكان جديد في بلاد جديدة، ومن أجل مستقبل أفضل وأضمن. وهرباً من الفقر والعوز في جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا. ويبدو أن عائلة كورنيف الاوكرانية من هؤلاء المهاجرين.

عائلة كورنيف التي هجرت موطنها الأصلي أوكرانيا لتلتحق بركب المهاجرين الى فلسطين ولها ولدان أصبحا في سن الخدمة في الجيش الصهيوني. لأن التجنيد في جيش كيان (إسرائيل) إجباري وإلزامي للجنسين الذكور والاناث. اذن بشكل طبيعي أصبح الشابان مطلوبان للجيش. وبحسب العائلة فالشابان يرفضان الخدمة في الجيش، والعائلة قررت الهرب من الثكنة الحربية التي اسمها (إسرائيل)، حيث الحياة في جحيم مجتمع يعيش وكأنه ثكنة عسكرية.

ووجدت عائلة كورنيف ملاذها في النرويج، لكن منذ سنتين والسلطات النرويجية ترفض منح العائلة اللجوء. وفي خطوة جديدة لسلطات الهجرة النرويجية قررت الأخيرة تسفير ألكسي كورنيف البالغ من العمر 19 عاما إلى (إسرائيل) أي الى فلسطين المحتلة. بعدما رفضت منحه حق اللجوء الإنساني أو السياسي. ومعروف أن الفار من الخدمة في الجيش سوف يعاقب والعواقب وخيمة.

بهذا الإجراء الذي أوقف مؤقتا حيث رفع ألكسي استئناف لوزارة العدل، تكون السلطات في النرويج أعلنت بشكل غير مباشر تضامنها مع جيش الاحتلال (الإسرائيلي) الذي يطالب كورنيف وغيره من الشباب بالخدمة في صفوفه.

والخدمة الإلزامية تكون عادة في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث يمارس الاحتلال كافة أشكال الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني. أي بمعنى آخر يزج بالمجندين اليهود من اجل ان يتدربوا عبر قتل الفلسطينيين من خلال عمليات اغتيال وتصفية وهجمات متكررة.

الفتى ألكسي يقول أنه يرفض خدمة العلم كي لا يقتل الأطفال الفلسطينيين ولعلمه المسبق بما يقوم به المجندون (الإسرائيليون) من مخالفات لحقوق الإنسان في تلك المناطق.

مهما كانت أقوال ألكسي صحيحة أو كاذبة وسببها رغبته بالحصول على اللجوء في النرويج. وحتى لو كانت فقط للحصول على اللجوء، إلا أن مجرد قوله أنه يرفض الخدمة كي لا يقوم بقتل الأطفال الفلسطينيين يجعله بريئاً من أعمال جيش الاحتلال (الاسرائيلي). لذا فالمنطق يقول أنه على سلطات الهجرة النرويجية التفكير بقضيته جيدا. لأنها قضية إنسانية في المقاوم الأول وسياسية في المقام الثاني. وبما أن النرويج تطوعت للعب دور الوسيط في عملية السلام أصبح من واجبها مساعدة الشباب (الإسرائيلي) الهارب من الخدمة في جيش إرهابي يفرض سياسة ومنهاج القتل على جنوده. هذا إذا كانت النرويج لا تزال فعلا حريصة على السلام في شرق المتوسط. ونحن نعلم أنها فعلا حريصة على القيام بالمهمة لكنها لم تعد تعرف ماهية الوسائل الصحيحة والناجعة للقيام بذلك.

الاعتقاد بأن تشجيع السلام يكون عبر إحضار فريق كرة قدم (إسرائيلي) – فلسطيني مشترك للعب عدة مباريات في دورة كروية عالمية في أوسلو، أو وضع طلبة فلسطينيين و(إسرائيليين) معا في غرف سكن مشتركة في السكن الجامعي، لمدة قصيرة في دورة جامعية صيفية … الخ .. هذا اعتقاد ناقص وغير ناضج وغير عملي، كما انه لن يحل مشاكل كبيرة عالقة، أقول هذا بعد التجربة، فقد شهدت في فترة سابقة تلك التجارب عن قرب في اوسلو، وكنت سألت بعض الطلبة الفلسطينيين عن تلك التجربة، فكانوا كلهم مستاءون منها ولم يحبذوها.

مساعدة السلام تكون بقبول لجوء الجنود والشباب (الإسرائيليين) الذين يهربون من الخدمة كي لا يتورطوا في قتل الآخرين وتضييق الخناق على عملية السلام المعلقة بحبال وهمية. وهذه القضية ليست عابرة، بل قضية كبيرة ويومية يعيشها المجتمع الصهيوني. وعلى الدول والشعوب الحريصة على السلام فعلا لا قولا أن تساعد هؤلاء الشباب على عدم التورط في سياسات القمع التي تتبناها حكومات بلادهم المتعاقبة. فبدلا من ارسالهم إلى كيان الاحتلال ورفض لجوئهم، من الأفضل منحهم اقامات ولو مؤقتة تبعدهم عن المجتمع الحربي والعسكري الذي هربوا منه.

 

عائلة كورنيف اليهودية

نضال حمد

 2004 / 7 / 11