الأرشيفوقفة عز

عبد وطارق حمد .. على درب العودة .. – نضال حمد

شقيقان شهيدان من عائلتنا (حمد) ومن بلدتنا (الصفصاف) .. مناضلان آمنا بأن طريق العودة الى الصفصاف والجرمق وكل فلسطين ليست سهلة، لا بل مليئة بالأشواك والعوائق والألغام والتحديات وقد تودي بحياة من يمضي عليها .. ورغم ذلك اختارا ذلك الدرب الذي كلفهما حياتهما.

صديقان جمعتني بهما العائلة والقرابة والحارة والمدرسة .. وجمعني بهما الانتماء لصف الجماهير وللفوهات التي اشتعلت لهباً لأجل كل فلسطين … فكنا في صبانا اخترنا الدرب عن يقين .. والتزمنا التزاماً مبدئياً بمدرسة رفاق آمنوا وآمنا معهم بأنه لا عالم بدون فلسطين وبأن فلسطين هي قلب الوطن العربي الكبير… وبأن أرضنا محتلة ووطننا مغتصب وشعبنا مشرد ومشتت في المخيمات والمعسكرات واللجوء، آمنا بأن هذا العالم عالمنا وعلينا تغييره مهما كلف الثمن .. لأنه بدون سلام فلسطين لن يكون هناك سلام ولا أمان لأحد  في هذا العالم.

عبد محمد وكنا ننادي عليه بهذا الاسم نسبة لوالده محمد العبد حمد ، العم أبو غازي حمد رحمه الله. هو رفيق الطفولة والمخيم والمدرسة والحارة والصبا والنضال وكل ما يمكن أن يخطر على البال. قضينا معاً سنوات طويلة من عمرنا منذ الطفولة حتى الشهادة.

أكتب عنهما وعن كل الأحبة الذين رحلوا كي لا ننسىاهم أو ننسى تضحياتهم في زمن التعريّ والسقوط  والانحطاط وقادة المصادفة المسوخ. م كان العبد محمد، الفتى الثوري، الانسان المبدئي، يحتقر تلك الأصناف من أشباه الرجال. وكم كنا مثله ولازلنا نحتقرهم.

كُنا في طفولتنا نلتقي يومياً بحكم القرابة والصداقة والحارة والمدرسة والمخيم.

كان عبد محمد حمد هادئاً، خلوقاً، وسيماً، محباً، صادقاً، صامتاً، قليل الكلام.

جمعتنا المدرسة والحارة والمخيم ثم التجربة الثورية الفلسطينية، منذ بداية نشأتنا وتشكل وعيّنا كفتيّة في أزقة وزواريب مخيم عين الحلوة. ثم أصبحنا مناضلين نحمل عناوين النضال على أكتافنا مع رفاقنا وأصحابنا الآخرين، أصحاب الحارة والمخيم والمدرسة والعائلة والبلدة.

كان عبد شديد الاهتمام بالمعرفة والقراءة والمطالعة، فأهتم بتثقيف نفسه بنفسه، قرأ الكثير من الكتب والاصدارات والسير الذاتية والتجارب الكفاحية الفلسطينية والعربية والعالمية. برز كمناضل شاب، مثقف، امتلك الوعي والمعلومة. ثم تدرج في المهام  داخل صفوف التنظيم “جتف” في منطقة صيدا وفي مخيم عين الحلوة بالذات.

كان يعرف تاريخ فلسطين وتاريخ بلدته الصفصاف والمجزرة التي ارتكبها الأعداء في البلدة، حيث كان من شهداء المجزرة بعض أقرباؤه ومنهم جده والد أمه، الذي قام المجرمون الغزاة بإعدامه وهو جريح على مرأى ابنته (زهيا قاسم حمد – أو غازي حمد -) التي كان عمرها في ذلك الوقت ثمانية أعوام. بقيت تلك القصة عالقة في ذهنه ومحفزاً له على المضي في طريق النضال والتضحية لأجل العودة ونيل الحرية.

قصة رحيله عن عالمنا يعرفها كل سكان المخيم وع=هي التي درت واقائعها في السادس يوم وصول الغزاة الى مخيم عين الحلوة. في تلك المواجهات مضى مثل جده الى جنان الخلد تاركاً سيرته العطرة، ولا يمكنني الدخول في التفاصيل أكثر لأمن مارك ومحاكم التفتيش في الفيسبوك ينتظرونني ويحاسبونني على كل كلمة أكتبها .. عبد محمد حمد سوف يذكره ويتذكره كل أهالي المخيم في عين الحلوة.

خلال حصارنا في بيروت حضرت العمة أم غازي حمد برفقة والدتي الى بيروت المحاصرة، وفي غرفة بمكتب في بيروت المحاصرة التقيت بهما. عندما علم الأمين  “ط لع ت يع ق وب” بوجودهما هناك، جاء إليهما وسلم عليهما وتحدث معهما وقدم التعازي لأم غازي باستشهاد نجلها عبد حمد. كان أبي يعقوب متأثرا كثيراً بفقدان عبد كما كان فخورا جداً به وبالملحمة البطولية التي سطرها مع رفاقه وإخوته في مخيم عين الحلوة.

كما أذكر أنه بعد اندحار الغزاة عن صيدا والمخيم حرص عندما زار مخيم عين الحلوة لأول مرة منذ الرحيل عن بيروت سنة ١٩٨٢ وكان ذلك في النصف الثاني من سنوات الثمانينات من القرن الفائت، حرص على زيارة منزلالعم أبو غازي حمد والالتقاء بعائلته، حيث التقى بوالده العم المرحوم أبو غازي حمد وبوالدته العمة المرحومة أم غازي وبشقيقه المغدور طارق حمد، الذي اغتاله قاتل مأجور ومجرم وهو يصلي في مسجد الصفصاف.

نتذكر الأحبة ونتحدث عنهم وعن مآثرهم وسيّرهم لكي تبقى نبراساً لنا وللأجيال القادمة. لهم الخلود وعلينا الوفاء.

في الصورة الشقيقان عبد وطارق حمد

نضال حمد في ١٧-١-٢٠٢١

تم التعديل يوم ٨-١١-٢٠٢٢


الشهيدان عبد وطارق حمد
الشهيد عبد محمد حمد بطل معركة صد الداببات الصهيوني في عين الحلوة