عربي وعالمي

فلسطين تحاصر حصار (إسرائيل).. بسكاكينها

حلمي موسى:

 

هستيريا الخوف تطارد المستعمرين.. ومخاوف من اختراقات في غزة

 

برغم الحشود العسكرية في القدس وباقي المناطق المحتلة، والتي استهدفت تبديد الذعر في صفوف اليهود، استمرت العمليات وتفاقم الخوف، ولم تجد الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، بنيامين نتنياهو، سوى مهاجمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخطابه الذي أشار فيه إلى إعدام صبي فلسطيني بقي حياً. وبدا أن الحملة على الرئيس وعلى السلطة الفلسطينية ترمي إلى صرف الأنظار عن تدهور مكانة نتنياهو وحكومته في استطلاعات الرأي. وواضح أن الإدارة الأميركية، التي تمهد لتدخل سياسي، آثرت الاصطفاف إلى جانب الموقف الإسرائيلي في مهاجمة المقاومة الشعبية الفلسطينية، وتراجعت عن توصيف سابق لها بأن إسرائيل عمدت إلى تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي.

وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى توسع في حالة الرعب التي انتشرت في داخل إسرائيل تخوفاً من عمليات يُقْدِم عليها فلسطينيون. وكان أبرز هذه الحالات ما جرى في تل أبيب، حينما سرت شائعات عن وجود شابين فلسطينيين في مجمع تجاري كبير، وينويان تنفيذ عملية طعن. وحينها تدفق العشرات من المجمع، بحثا عن أماكن آمنة يلوذون بها، واندفعت قوات كبيرة من الجيش والشرطة والمدنيين المسلحين بحثا عن الشابين. وتم إغلاق منطقة المحطة المركزية في تل أبيب، ثم أغلق أحد المحاور الرئيسية في المدينة، وساد ما يشبه الشلل. وفي النهاية أعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها اعتقلت شابين فلسطينيين، وأنه تم الإفراج عنهما، بعدما ثبت أن لا ضلع لهما بأية أعمال «عدائية».

وحدث الشيء نفسه تقريبا في منطقة بئر السبع، عندما اختلفت صبية مع أهلها، فأخبرتهم برسالة هاتفية أنها تاركة الحياة، وأنهم سيسمعون الأخبار في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي. وبعدما دققت الشرطة ولاحقت هاتف الصبية عبر أجهزة تحديد المكان، قامت باعتقالها وتبين أن خلافها مع أهلها شخصي، وأنها لا تنوي تنفيذ أي عمل.

وفي أعقاب موجة الشك والريبة التي سرت في نفوس الكثير من الإسرائيليين تجاه يهود ذوي ملامح عربية، ابتدع بعض اليهود من أصول عربية سبلا لإبعاد الشك، فمنهم من صار يعتمر القلنسوة اليهودية، بالرغم من أنه غير متديّن، ومنهم من صار يرتدي قميصاً كتب عليه: «لا تنفعل، أنا يمني».

وكتب موقع «ان ار جي» أمس أن «موجة الإرهاب قادت إلى الذعر: فالرعب والارتباك سادا اليوم الخميس في حيفا وجفعتايم. وأغلقت طرق رئيسية وأوقفت حركة القطار أثناء سفره، بسبب شبهات تبددت». وكل هذا جرى بعدما صرخ إسرائيلي في القطار: «مخرّب»، فبدأ الناس يقفزون من القطار فور توقفه. ووصل المستشفى عشرات من المصابين بالذعر أو بكدمات جراء القفز من القطار. وصرخت مجندات، فقام ضابط بالبدء بإطلاق النار في الهواء. وأغلقت شوارع في مدينة جفعتايم بعد نشر معلومة عن سيارة مشبوهة ما دفع الشرطة إلى إيقاف حركة السير في شوارع مركزية مؤدية إلى تل أبيب.

في كل حال، تواصلت عمليات الطعن في القدس والمستمرة منذ أسبوعين رغم القرارات الأمنية الحاسمة بنشر الجيش في الطرق. ولهذا السبب يرى المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هارئيل أن الجيش الإسرائيلي لم يعد يقدم أي تقدير بشأن مدى استمرار الأحداث، وصار يكرر القول بأن هذا «وضع مختلف من الأساس، ويمكن أن يستمر لفترة زمنية لا بأس بها». وأوضح أن ذلك يعود إلى واقع أن الأحداث بدأت من أدنى وأنه لا وجود لقيادة مركزية، ما يجعل التقدير صعباً.

في كل حال، عمد الجيش الإسرائيلي إلى إخراج المجندين من قواعد التدريب، وزجهم في القدس ومدن أخرى لمساعدة الشرطة. وزاد هذا من عبء الجيش الذي اضطر أصلا إلى مضاعفة نشر قواته في الضفة الغربية، وعلى طول قطاع غزة، ما دفع إلى إلغاء معظم التدريبات في الوحدات النظامية فضلا عن تجميد العديد من دورات الضباط القيادية. وهناك تفكير في الجيش باستدعاء القوات الاحتياطية بعدما استدعى حرس الحدود بعضا من قوته الاحتياطية ووضعها تحت إمرة الشرطة. وقد أقام الجيش حواجز إسمنتية أمام بعض الأحياء العربية في القدس الشرقية لفرض المزيد من القيود عليها. ومع ذلك، فإن التقديرات تشير إلى وجود الكثير من الثغرات التي يستطيع عبرها مرور من يرغب في تنفيذ عمليات. وواضح أن أحدا لا يستطيع في ظل انتشار الجيش والتقسيم الحادث في القدس ادعاء أن المدينة موحدة أو أنها عاصمة لدولة واحدة.

وفي قطاع غزة حدث ولا حرج. فبرغم ميل سلطة حماس إلى محاولة ضبط الحركة ومنع التصعيد والاكتفاء بتظاهرات شعبية في مناطق حدودية، إلا أن حماسة الشباب تخلق وضعا يجعل الحدود الإسرائيلية في مواضع عدة مخترقة. وثمة تخوفات من جانب إسرائيليين باحتمال لجوء بعض القوى المتشددة إلى استغلال الثغرات التي يفتحها المتظاهرون في السياج الحدودي من أجل تنفيذ عمليات. وربما لهذا السبب أشارت بعض الصحف الإسرائيلية إلى نية حكومة نتنياهو إعادة بناء الجدار الفاصل مع القطاع بحيث يشبه الجدار الذي أقيم على طول الحدود مع مصر.
وفي كل حال، أضافت الهبة الشعبية الفلسطينية الواسعة إلى أعباء إسرائيل الأمنية أعباء جديدة. وثمة من يشير إلى أن كل هذه الأعباء لا يمكن مقارنتها بالأعباء التي يمكن أن تنشأ في حال انضمام تنظيم فتح إلى الهبة. وهنا يطالب هؤلاء الحكومة الإسرائيلية بالكف عن اتهام السلطة في رام الله ورئيسها والسعي للتفاهم معهما لأن لهما أيضا مصلحة معلنة في تهدئة الأجواء.
عموما تحاول الإدارة الأميركية الدخول على خط التوتر الإسرائيلي الفلسطيني. وبعدما كان كبار المسؤولين في الخارجية الأميركية قد أوضحوا ملاحظتهم «لإفراط» إسرائيلي في استخدام القوة ضد الفلسطينيين، عاد وزير الخارجية جون كيري للإعلان أن هذا لا ينتقص من حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي قد أعلن أن لدى وزارته «قرائن موثوقة لاستخدام مفرط للقوة ضد الفلسطينيين». واعتبر أن مهاجمة يهود لأربعة فلسطينيين في ديمونة قبل أيام هو عمل إرهابي.

ومعروف أن وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي سيعقدون اجتماعا في 22 تشرين الأول الحالي في نيويورك لبحث الوضع في الأراضي المحتلة. وقد أجل وفد الرباعية الدولية زيارة مقررة له للمنطقة للحيلولة دون انفجار الوضع، لكن انفجار الهبة دفع إسرائيل لطلب تأجيل الزيارة. كما أن كيري قال إنه سيصل إلى المنطقة قريبا للمساهمة في تهدئة الوضع و «منع الانفجار». ويعتبر هذا هو الإعلان المباشر الأول لتدخله في جولة الصراع الحالية منذ فشل جهوده في العام الماضي. وقال كيري: «خلال نهاية الأسبوع تواصلت مع رئيس الحكومة نتنياهو ومع الرئيس أبو مازن، ونحن نحاول تهدئة الخواطر». وشدد على «أنني سأصل إلى هناك قريبا، في فترة مناسبة، وأعمل من أجل استئناف الاتصالات. وسأرى إن كان بوسعنا منع الانزلاق إلى الهوة».

وحذر كيري من أن حل الدولتين «قد يضيع من الجميع» إذا خرج العنف عن دائرة السيطرة». وأكد أنه «في السنوات الأخيرة كان تزايد مكثف في البناء الاستيطاني. وهذا العنف هو ثمرة إحباط متزايد وإحباط في صفوف الفلسطينيين الذين لا يرون تغييرا». وقال إن «الوضع قد يتفجر، وأنا آمل وأصلي أن لا يحدث ذلك».

في كل حال، يبدو أن الإسرائيليين يريدون تدفيع نتنياهو ثمن الرعب الذي يعيشونه جراء تدهور الوضع الأمني، إذ أشار استطلاع أجراه المركز الإسرائيلي للديموقراطية وجامعة تل أبيب إلى انعدام ثقة الجمهور جراء موجة العنف. ويمنح أغلب الإسرائيليين درجة راسب للحكومة في إدارة الأمن في القدس. ومع ذلك، فإن أغلبية الإسرائيليين تؤيد صلاة اليهود في الحرم القدسي برغم التوتر. وقد أعطى الإسرائيليون، وفق الاستطلاع، حكومة نتنياهو 2.1 (من 5) لإدارة الوضع الأمني. وطالب 57 في المئة بمنح اليهود حق الصلاة في الحرم. وتوقع 41 في المئة نشوب انتفاضة فلسطينية كبيرة خلال عام إذا بقيت العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حالها الراهن. ويؤمن 61 في المئة من الإسرائيليين أن نتنياهو لا يريد حل الدولتين. وربما أن الضربة القاضية لنتنياهو هي إيمان أغلبية الإسرائيليين بأن أفيغدور ليبرمان هو وزير الدفاع المفضل لديهم.

السفير –  بيروت

اترك تعليقاً