الأرشيفعربي وعالمي

مصطفى سعد… تاريخ في رجل – خالد الغربي

سلام على المصطفى ….
كأن هذا الرجل الخارج من بين الدخان والركام، رمزا لمقاومة وطنية بطلة، قد صيغ من روح الشعب ومن مادة وطنية بالغة النقاء والوضوح والنجيع.
كرس بنور عينيه اللتان اقتلعهما الإحتلال من وجهه، وبدمه وروحه وجراحه، ايمانه بأصالة انتماء للعروبة وفلسطين الشهيدة فكان من أوائل اللبنانيين الملتحقين في العمل الفدائي بغور الأردن.
مصطفى معروف سعد، إمام العروبة…أنت، وحجة الثوريين ودليلهم الساطع. “ابن الشهيد” و”ابو الشهيدة”.
إمام الوطنيين التقدميين ونضالهم المشرف وحجتهم بوجه المتاجرين بالأوطان والمصير، رجل فوق الطموح والمجد والجراح وبحجم وطن، خفقت رايته في ميدان حركة التحرر العربي فكان أحد ابطالها.
صيدا التي هرعت بثياب نومها إليه هائمة يوم التفجير الغدار، تفتقده اليوم ايما افتقاد،عظيما وحكيما، فمعك يا أبا معروف اكتشفنا أهميتها ودورها الضارب في التاريخ، كانت أم البدايات وأم النضالات والمعارك، أنت في المدينة المقدسة… فاخلع نعليك.
راهنا، عذابات المدينة وازماتها لا تنتهي، غاب أو غُيب دورها في المعادلة الوطنية. قبل ملامة الآخرين او ماتسمونهم “الغرباء”، ابحثوا عن قيادات المدينة؟ في زمن صدأ العقول والحسابات الخاطئة.
يطرح بسطاء المدينة ودراويشها سؤالا افتراضيا؟ لكنه من اسئلة المصائر؟ لو كان مصطفى سعد حياً؟ هل كان ليتجرأ هذا الفريق أو تلك الجهة السياسية أو الحزبية أو طغمة مالية فاسدة أو مشروع انتحاري متأسلم في التمادي والتطاول ؟ وهل كان للتهميش واختلال الموقع والتعاطي الفوقي ليحصل؟ ومشاريع مشبوهة ان تمر؟ يجيبون بالنفي، ولسان حالهم “يلعن د(…) كان رجال قبضاي وابن بيو”….انه المُخلص المُخَلّص.
معك يا أبا معروف عرفنا أهمية الوحدة الوطنية التي حميتها بعينيك، وبقربان دم ناتاشا، وجراح القديسة “لوبا”…. وأدركنا أهمية مواجهة المشاريع الطائفية والمذهبية التقسيمية، وإن الانسان قيمة وثروة قبل كل شيء، فكنت حرباً ضارية ضروس على الطائفية والمذهبية.
غيرك يا أبا معروف كان يقيم (في الحرب والسلم) الغيتوات ويلوح بالفدرلة والتقسيم والكنتنه، وأنت تفاخر بان كانتونك هو الأكبر ويمتد من المحيط الى الخليج.
أيها الكبير الحامل لقضايا وطنية وانسانية وقومية كبيرة، قضيتك التغيير والوطن والمساواة والعدالة والحرية والإنسان والمسحوقين والمعذبين، والوحدة العربية وفلسطين وتحريرها.
غيرك من تجار الهيكل حمل ويحمل وسيحمل همَ كيف يثرون ويسرقون ويكتنزون ويتكرشون، افسدوا كل شيء سرقوا المال العام ونهبوا الدولة التي انهارت على رؤوسنا بفعل استبدادهم وتسلطهم …انهم أمراء الطوائف وميليشيات الحرب والمال والفساد.
ولأنه كان كبيرا، أجاد اللعبة بحذق وبراعة وثبات مع وضد كل اللاعبين الكبار، احتكم في معاركه الى ضميره والمصلحة الوطنية ومصلحة الناس فقط ودون تمنين، منذ ان اسبغ عليه الزعيم الوطني الكبير الشهيد كمال جنبلاط نعت “الادميرال نلسون سعد”، لتمرده وتمايزه عن اترابه بالحركة الوطنية في كيفية مواجهة الحزب النازي الكتائبي.
حاذر الدخول في لعبة الامم بوصفها لعبة دولية تنال من سيادة البلد ووحدته وعروبته.. واليوم يظن البعض انهم لاعبين كبار، ويا خوفنا!!! ان ينتهوا صغارا في لعبة الكبار ولعبة الأمم.
وارث الزعامة لم يبددها، هي ليست ترف أو جاه، هي نضال دؤوب ومعمودية دم ونار، وخدمة الناس، وتكليف ومسؤولية، كرس زعامة والده شهيد لبنان وفلسطين معروف سعد، أبقاه حياً في ضمير أجيال يتوارثون اسطورة نضاله. وسع قاعدته الشعبية وأضاف لها من عندياته محبة الناس واحترامهم، بالنسبة له “التاريخ يبقى ناقصا اذا ما خط بغير الدم”، فهل يمكن لعطاءات الدم ان تضاهيها زعامات تشترى؟.
كان بوسعه، ان يقيم في شقة باريسية أو ان يحل ضيفا مؤقتا في دمشق أو حتى البقاء في البقاع بعد تعذر التحاقه بالمحاصرين في بيروت الغربية، بانتظار جلاء صورة الاجتياح، … وكفى المؤمنين شر القتال!!، لكنه أصر بعد ايام معدودة على العودة الى صيدا المحتلة كي يكون مع اهلها ويتحمل كامل مسؤولياته الوطنية والاخلاقية في مواجهة الاحتلال الصهيوني،بعد “توريطة” الحاج اسماعيل (وما أدراك ما الحاج اسماعيل؟) له بمغادرة صيدا لضرورات الإشراف على الهجوم المضاد للقوات المشتركة اللبنانية ـ الفلسطينية لوقف التقدم الصهيوني.
واجه المحتلين الغزاة ، صمد، خطط ، قاد، قاوم، اعتقل، اخضع لتحقيقات.. نظم الاحتجاجات والاضرابات، وكانت جبهة المواجهة والصمود، لم تفتر له عزيمة وما لانت له قناة.
كم من القطوعات مرت واجهها بالحكمة والدراية، أو بصمود هائل لا بل بتحد هائل، كم مرة هدد السيء الذكر عبد الحليم خدام بتدمير المدينة على رؤوس ابنائها لرفض ابو معروف الرضوخ لمشيئته بالانخراط في حرب تدمير المخيمات الفلسطينية، ويوم كان الشعب الفلسطيني يذبح في لبنان قالها بكل جرأة “سأحمي الشعب الفلسطيني بما تبقى من رموش بعيوني”.
عندما كانت بيروت الوطنية تدمر في حروب زواريب الإخوة ـ الاعداء وتحت رايات النضال الوطني اللبناني، وكانت الفيحاء طرابلس تغرق في دوامة الاقتتال الدموي، وكانت الضاحية الجنوبية واقليم التفاح مسرحا لمعارك طاحنة لبسط النفوذ والهيمنة، ويوم كان يُطرد ويُهجر وينكل بالوطنيين اللبنانيين التقدميين في الجنوب، كانت صيدا في ظل قيادة ابو معروف ملاذا آمنا لممارسة العمل الديمقراطي والوطني، الكل هنا، بمشاربهم الفكرية والعقائدية والسياسية والدينية، تحت راية مقاومة الاحتلال الصهيوني.
وكانت جبهة لبعا عين المير كفرفالوس الجبهة العربية المفتوحة انذاك مع العدو الصهيوني وعملائه، وكانت قوات الشهيد معروف سعد، يد تقاوم ويد تبني.
ايها الغائب الحاضر، اليوم الهيكل الوطني قد تتداعى والبلد انهار والدولة كمؤسسات سقطت وانهار السقف، لكن دولة الفساد العميقة ترسخت. أولست من قلة قليلة ادركت مبكرا خطر التطبيق الخاطىء للطائف لا بل الإنقلاب عليه من خلال إذابة الدولة في المليشيات بدل العكس.

واجهت حيتان المال بوصفهم مشروعا خطرا متأمركا يريد بلع البلد واغراقه في الديون وبيعه وتحويله إلى شركة يتحاصص اسهمها الفاسدون والمرابون والبلطجيون وأمراء الحرب والطوائف وميليشيا المال والاحتكار.
واجهتهم بشرف، فرموك بأقذع سفاهاتهم، تآمروا عليك، إجتمعوا ضدك، داهموا مكاتبك مرارا، حاصروا منزلك تكرارا، زجوا بمناضليك في السجون، افرغوا النقابات من مضمونها، حاولوا اسقاطك في الانتخابات النيابية تزويرا ومرارا ، فكنت الفائز الوحيد!!!.
الزمن تغير، وما كان يصلح زمن ابو معروف غير مؤات اليوم، هذا صحيح.
أجل السياسة لا تقبل الجمود،
لكن من يقرقع رأسنا صبحة وعشية بثورة مستمرة (ملونة وممولة من السفارات) لإسقاط المنظومة (وليس النظام) الحاكمة الفاسدة، عليه ان يعي ان ذلك لا يستقيم مهما كانت الذرائع والمبررات، ومحاباته (كي لا نقول تحالفه) لأبشع انواع هذه المنظومة الفاسدة التي واجهها راحلنا الكبير.
مريبة جدا، محاولات تغييب دور مصطفى سعد، ربما يكون ذلك لغاية في نفس..، لكنه فات يساريو وعروبيو وثوار هذا الزمن الأميركي الوسخ، ان مصطفى معروف سعد قائد ملهم لجماهير واسعة في لبنان.
والسلام.