الأرشيفوقفة عز

فلسطين ليست أوكرانيا و”اسرائيل” ليست روسيا – نضال حمد

تابعت ولازلت أتابع ردود الأفعال وحالة التضامن الرسمية والشعبية والحزبية الأوروبية والغربية مع أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي قبل نحو شهر. التضامن مع الشعب الاوكراني واحتضانه من قبل الشعوب الأخرى كان سبباً للسعادة وللايمان بأن الناس طيبون وبالرغم من كل شيء لازالوا يحبون بعضهم البعض ويتضامنون مع بعضهم. لكن لا أخفيكم سراً بأنني شعرت بحزن شديد، لأن العالم لازال يخضع لعملية غسيل الدماغ الصهيونية الغربية، فالعالم تحكمه للأسف مصالح مجموعة من المنافقين والكذابين والحاقدين والعنصريين وحتى المتصهينين. فلولا موقف الدول والحكومات والبرلمانات والاحزاب ووسائل الاعلام التي لعبت دوراً هائلاً في تحريض الناس على التضامن مع أوكرانيا، لما كان التضامن الذي نراه بنفس الحجم الكبير الموجود لغاية اليوم.

التضامن مع الشعب الأوكراني شيء ضروري وجيد لكن التجاهل والإصرار الأوروبيين والغربيين على اللامبالاة حيال مأساتنا، كذلك بالنسبة للجرائم الصهيونية الوحشية في فلسطين المحتلة… وحتى الاصرار من بعض الدول الغربية الكبرى والصغرى على معاداة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.. وعلى محاباة الاحتلال الصهيوني والوقوف الى جانبه وحمايته ورفض إدانته أو محاسبته، ولا حتى مقاطعته أو إجباره على انهاء احتلاله لفلسطين الذي يستمر منذ 75 عاماً. هذا كله يعبر عن لا تضامن وعن انحيازغربي ضدنا. فلا توجد تسمية أخرى له ولا مبررات مثل أن أوكرانيا تقع في أروبا فيما فلسطين بعيدة عنها. هل اذكركم بالبوسنة والهرسك أيضاص يوم ذبحت وسبي واغتصب نساءها وارتكبت المجازر فيها كانت تحصل في قلب اوروبا ولم تتضامنوا ولم تفعلوا شيئاً للبوسنيين. أقول هذا لأنه حقيقة وتاريخ وبالرغم من أن البوسنة مثل كل أوروبا صارت ذيلاً للإدارة الأمريكية. ألم يكن هؤلاء أيضاً جيرانكم وألم تكن يومها الحرب في قلب أوروبا؟؟؟.

أوروبا والغرب لا يفعلان شيئاً لإجبار “ابنتهم اللقيطة اسرائيل” على الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بالرغم من أنها مجحفة بحق الفلسطينيين وليست في صالحهم بل في صالح الصهاينة.

أما عن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني وعصاباته اليهودية الاجرامية المسلحة في فلسطين فهي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وتصفية عرقية وإبادة جماعية. كما انها سرقة واحتلال وطن كامل بكل مدنه وقراه وبلداته وخيراته وثرواته. هذا يعرفه العالم كله وبالذات سياسيي ووبرلمانيي وحكومات ومعارضات أوروبا والغرب. هي جرائم لم يرتكب مثلها سوى الولايات المتحدة الأمريكية التي شنت الحروب في عهد أربع رؤوساء بوش وبوش الابن وكلنتون واوباما قتلت خلالهما ستة ملايين انسان. هذه الولايات الامريكية ورؤسائها يعتبرون ديمقراطيون ومتحضرون ومخلصون ومفخرة لبعض الأوروبيين الشرقيين. ربما أن هذا في أحد أسبابه يعود للعداء والكراهية بين شعوب دول معسكر حلف وارسو سابقاً بقيادة روسيا السوفيتية.

في سنة 1948 استولى الصهاينة على المدن والبلدات والقرى في فلسطين، بمصانعها وجامعاتها ومعاهدها ومدارسها ومتاجرها وموانئها وسفنها وزوارقها… ومركباتها وسياراتها وشاحناتها وحافلاتها… وإذاعاتها وراديوهاتها ومسارحها وسينماتها وحقولها وبساتينها المثمرة وأراضيها الشاسعة..

استولى اللصوص والمجرمون الصهاينة على كل الممتلكات بما كان موجوداً فيها، هذا بعد أن قتلوا أو طردوا أصحابها. ثم قاموا بتوزيعها على الغزاة والمحتلين اليهود الصهاينة من اللصوص والمجرمين المستوطنين.

مئات المدن والبلدات والقرى الفلسطينية تم احتلالها والسطو عليها بهذه الطريقة، فقد احتلها الصهاينة سنة 1948. ثم أصدروا قرارهم الشهير سنة 1953 بإسم “قانون أملاك الغائبين”، قانون الغاب اليهودي الصهيوني العنصري، قانون اللصوصية والسرقة والسطو على أملاك وثروات الآخرين، السكان الأصليين. مع العلم أن دولة اليهود الصهيانة لازالت لغاية اليوم تتقاضى التعويضات من ألمانيا عن ضحايا بالأصل هم ليسوا مواطنين “اسرائيليين”. لكن النفوذ اليهودي الصهيوني العالمي يجبر حتى دولة عظمى مثل ألمانيا على أن تكون ذيلاً ل”اسرائيل”. لازال لدى الكثيرين من اليهود الصهاينة “الاسرائيليين” أملاكهم في الدول الأوروبية، كما أنهم يحتفظون بجنسيتين أو أكثر تحسباً لزوال “اسرائيل” يوما ما. “فاسرائيل” مشروع استعماري، استثماري، استعلائي واستيطاني، لكنه غير مستقر ولا ضمانات لبقائه. لذا معهم حق المستوطنون اليهود الصهاينة أن يقلقوا ويخافوا لأن الاحتلال الصهيوني في فلسطين لن يدم وهو حتماً الى زوال وحينها في حال بقيا على قيد الحياة عليهم العودة من حيث جاء اجدادهم وآباءهم ومن حيث جاءوا كم ا الحال مع يهود الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا والاتحاد السوفييتي واوكرانيا والارجنتين واثيوبيا والهند والخ.

أتذكر أن العمل في لجان مقاطعة “اسرائيل” في أوروبا كان صعباً للغاية وأن التجاوب معه لم يكن سريعاً ولازال دون المستوى المطلوب على الصعيد الشعبي. بينما على صعيد الدول لا مقاطعة تذكر “لاسرائيل” بل بعضها يقاطع بضائع المستوطنين في الضفة الغربية.

رفض ولازال الأوروبيون والغربيون معاملة الدولة الصهيونية نفس معاملتهم لدولة الابارتهايد في جنوب افريقية، حيث تم عزلها ومقاطعتها ومن ثم اسقاط نظامها العنصري. هؤلاء بكل اسف لن يسعادوننا في اسقاط الاحتلال الصهيوني في فلسطين لأنهم هم من أوجده هناك كتكفير عن جرائمهم خلال وكذلك ما بين الحربين العالمتين الأولى والثانية.

أما مواقفهم التي يعبرون فيها عن أقصى حالات الوقوف الى جانب أوكرانيا فليست كلها بسبب المودة للأوكرانيين، حتى الأوكرانيين أنفسهم متفاجئين من هذا الحب الأوروبي والغربي المفاجئ. لأن المثل يقول هناك “من الحب ما قتل”.

التضامن أيضا بسبب كراهية الغرب عموماً للروس وخوفه منهم ومن العصا الأمريكية كذلك. هذا في حالة الحكومات والدول أما الشعوب فهي متضامنة لأن الاوكرانيين جيرانهم ويشبهونهم في كل شيء تقريباً. سمعنا بعض الاصوات العنصرية رسمية وغير رسمية، التي تغنت بشعرهم الأشقر وعيونهم الزرق وحضارتهم بينما كانت تشتم وتذم اللاجئين من المسلمين والعرب والأفارقة والآسيويين الذي لازالوا منذ أشهر عالقين في غابات على الحدود بين بولندا وروسيا البيضاء.

لعبت مواقف الحكومات والأحزاب ووسائل الاعلام دوراً مركزياً في تطور واتساع حالة التضامن مع أوكرانيا.. يمكن القول أنها هستيريا تضامنية ضخمة تعم كل أوروبا وبالذات الدول المجاورة لأوكرانيا وروسيا. دول أوروبا الشرقية سابقاً، المعادية بشكل مطلق لروسيا. والتي وضعت كل بيضها في السلة الأمريكية.

لو أن نفس الأشياء التي يقولونها وقالوها عن روسيا وغزوها كانوا قالوها عن الاحتلال الصهيوني وما جرى ويجري للفلسطينيين، لكانت أنجبت حالة تضامن كبيرة مع الشعب الفلسطيني. لكن للأسف فنفس السياسيين ونفس الاحزاب ونفس الذين يقدمون نشرات الأخبار اليومية وعلى مدار ال 24 ساعة في التلفزيونات والراديوهات يفرقون بين أوكرانيا وفلسطين. يستخدمون معايير مغايرة ويكيلون بمكيالين، علانية وبلا خجل وبكل وقاحة.

في موضوع أوكرانيا يقدمون الأخبار مع شوية بهارات وهي من عدة الشغل أما في موضوع فلسطين هذا إذا تطرقوا له فيقلبون الحقائق ويزورونها لصالح “اسرائيل”. كما أن نفس الكتاب والصحفيين الذين كتبوا ويكتبون في نفس المجلات والجرائد الغربية، الذين يبدون أقصى درجات التضامن والوقوف والانحياز الى جانب أوكرانيا، هم أنفسهم كانوا يقدمون الأخبار جاهزة ومعدة سلفاً لتخدم “اسرائيل” ومواقفها وسياساتها وغزواتها واعتداءاتها وحروبها. يعني يعملون ضد الفلسطينيين والعرب بشكل علني ووقح.

في أيار الماضي سنة 2021 عندما شنت “اسرائيل” حربها على قطاع غزة خلال أقل من اسبوع قتلت نحو 1500 مدني فلسطيني بينهم أطفال ونساء وعجزة ومسعفين وطواقم طبية وصحافيين. بينما عدد القتلى في أوكرانيا ذات ال 44 مليون نسمة والمساحة الشاسعة خلال شهر من الغزو الروسي والقصف التدميري والمدن المحاصرة، التي بحسب وسائل الاعلام دمرها الروس لم يصل لغاية اليوم عدد القتلى المدنيين للألف ضحية بينهم عدد قليل جداً من الأطفال.

الحرب في اوكرانيا كشفت المستور في أوروبا وأظهرت أن العنصرية والكراهية والحقد وعدم الثقة وجراح الماضي وآثار الحربين العالمتين الأولى والثانية، التي كانت أشعلتهما دول أوروبا وتسببتا في مقتل عشرات ملايين البشر، لازالت حية ولم تدفن بعد وقد تنجب الحرب العالمية الثالثة. أما نحن في فلسطين المحتلة سنبقى وحدنا في المعركة، لذا علينا أن ننتصر ونهزم الاحتلال الصهيوني ونزيله من فلسطين مرة واحدة والى الأبد.

نضال حمد

23-3-2022