من هنا وهناك

مجلة كنعان تقارير ومقالات- عادل سمارة، ثريا عاصي وآخرين

الانتفاضة واستثمار الخلل بتقسيم العمل

عادل سمارة

 

لعل السؤال الذي يردده الجميع ولو بأشكال مختلفة، مثلاً:

  •  كيف سيتم استثمار الانتفاضة؟
  • ومن الذي سوف يستثمرها؟
  • وخاصة كيف سوف تستثمرها سلطة الحكم الذاتي، وفلول النجزة باسم مدنية المجتمع؟

 

ذلك لأن هناك تاريخا متواصلا من استثمار التضحيات بمكونَيْها (المشتد والممتد).  حتى الأعداء الغربيين يسألون الأسئلة نفسها وطبعاً لأغراضهم. هذا ما ركزت عليه معي فضائية فرانس 24 مساء يوم الثلاثاء.

 

لدينا في الساحة الفلسطينية والعربية مستويان من الخلل الخطير والشديد واللافت.

الخلل الرسمي الفلسطيني موجود ومتجسد في طبيعة السلطة وبنيتها وحدود دورها وتحديدا عدم قدرتها على تجاوز دورها المحدود والمرسوم.

وفي الساحة العربية الدولة القطرية التي هي في خدمة التجزئة وبقاء الكيان الصهيوني قبل أية خدمة أخرى.

ولدينا في الساحة الفلسطينية باكملها انتفاضة شعبية لم تأخذ الإذن من السلطة الفلسطينية ، ولن تأخذ، وهي لا تتوقع من هذه السلطة اي دور لصالح الانتفاضة مما يعني تجاوز المماحكة والمناكفة الداخلية اليوم على الأقل واستبدال ذلك  بتقسيم عمل يقوم على:

  • ان تستمر الانتفاضة في انطلاقتها دون أن تتدخل السلطة فيها، ليبقى للسلطة دور المستوى السياسي والدبلوماسي الدولي. ويشمل عدم التدخل هذا ايضا السلطة في قطاع غزة.
  • أن تتكون للانتفاضة قيادة سرية موحدة لا تأتمر بأمر القيادات السلطوية لا في الضفة ولا القطاع،وأن تتمتع برؤية دقيقة وحصيفة ومرنة مفادها:

o        الحياة مقاومة

o        ضرورة عمليات نوعية بين حين وآخر لا تصل إلى إرهاق الشعب ليبقى صامد، أي النضال المشتد

o         ضرورة العمل اليومي في مناهضة التطبيع وممارسة المقاطعة وهذا نضال وششغل شعبي شامل وممتد يتضمن تخطيطا متواصلا من قيادة المقاومة وتشغيلا للناس في مشروع وطني يومي وتاريخي وصولا إلى التحرير والعودة. بكلام آخر، تكون هذه القيادة دائمة لا تُحل، سواء حصلت مفاوضات أم لم تحصل، لأن دورها متعلق بمصير القضية، وخاصة ان تعمل على اساس الحياة مقاومة وهو أمر يشتمل على كافة اشكال النضال بالحماية الشعبية سياسا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا…الخ. هي منفصلة عن السلطة الرسمية ، وهي تدع لهذه السلطة اللعب الدبلوماسي في المستويين العربي والدولي.

o        ويتضمن هذا ضرورة رأب الصدع الداخلي لكي يكون إما إنهاء الانقسام أو على الأقل الهدنة الداخلية حافز إعادة الشارع العربي إلى فلسطين بدل تطفيشه بالانقسام والمماحكات والفساد وحتى مطالبة بعض مسؤولي السلطة بان لا يقوم الناس بالانتقام من العدو!

  • أن تبقى الانتفاضة في المحتل 1948 بمعزل عن السلطة الفلسطينية ايضا وأن تعمل حسب مقتضيات وضعها كجزء من الشعب الفلسطيني.
  • وأن تتواصل القيادة الموحدة مع الشعب الفلسطيني في الشتات ومع القوى القومية والاشتراكية العربية.
  • في لحظة التهالك الرسمي العربي أنظمة وجامعة الدول العربية، أن تتمسك قيادة الانتفاضة  اليوم، نعم اليوم بالقرار المقاوم المستقل عن الأنظمة الرسمية العربية التابعة، وليس كما تم استخدامه حتى ىورطنا في أوسلو.

بكلام آخر، أن تقوم الانتفاضة باستثمار وتوظيف الانقسام من خلال تجاوزها للقيادات المنقسمة، وتحييد صراعاتها، وان تعمل بشكل مستقل عنهما، دون  الدخول في اشتباك معهما.

وهذا يعني بالطبع تحويل خلل الانقسام إلى عملية ضبط السلطات وليس الشارع، وهذا ما نقصده بتوليد إيجابية من الخلل.

ويشمل هذا كذلك الأنظمة العربية التي لم تحرك ساكنا إزاء الانتفاضة، وهذا يذكرنا بالغزو الصهيوني ضد لبنان والمقاومة 1982.

يبقى أن نُشير إلى خطوة هامة أن الوحيد الذي أعلن موقفا مفتوحا لصالح الانتفاضة هو السيد حسن نصر الله.

● ● ●

 

مبضع النقد الآن وكل آن

محمود فنون

 

كتب عادل سمارة :

 

“حذار من الحرب الأخرى/ في الوقت الذي يقف العدو موقفا مندمجا ضد شعبنا، ينشغل البعض في التشكيك في الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى درجة مسح تاريخها بكل إيجابياته. ويغطي هذه الحرب “الحرص والنقد”. من يقاوم لا ينشغل ضد غيره إذا كان هو حقا يقاوم أو إذا كان غيره لا يقاوم. تقييم هذا متروك للناس لاحقا. هذه  الأشكال من الاستثمار تفتح على أمور تخدم العدو إن لم تكن لها قنوات على الأقل مع الأمريكي. دعونا من هذه الحرب. وإذا كان الهدف هو النقد، فالنقد لا يُسمع لحظة لاشتباك بل يقود للارتباك. بل يُسمع في اوقات الهدوء النسبي.”

إن هذا القول يفتح بابا للنقاش .

ولكن قبل النقاش اريد ان أحدد هويتي ، كي يفهم نقاشي على هذا الأساس : أنا أنتمي للنضال الفلسطيني ومع كل نضال ضد العدو الصهيوني المحتل لفلسطين وانا مع تحرير كل فلسطين لتكون حرة عربية بدون الصهيونية .

من جهة أخرى انا انتميت للنضال من خلال الفصائل الفلسطينية وأعتز بها وبتاريخها وبراياتها وبتضحياتها وفي نفس الوقت هي اليوم ليست كالأمس وقد أصبح تحت الرايات ما يستحق النقد بل ما يوجب النقد .

إذن نقدي هو نقد أهل البيت حتى لو كان موجها لأي فصيل غير الذي انتمي إليه .

بعد ذلك : ما هي موجبات النقد اليوم ، والشارع الفلسطيني يشتعل نضالا وعلى كل مساحات الوطن وبكل أشكال الممارسات النضالية ، وسوف اوردها لتبيان ضرورة النقد وأهميته الآن وفي كل آن .

لا بد من التنويه أولا لعاملين أساسيين لهما دور في نماء وتطور الحراك الشعبي وتعميمه بشك مباشر :

الأول : نضال أهل القدس الممتد دفاعا عن الأقصى وانتهاكات الأقصى من قبل إسرائيل ممثلة بالقوى الأمنية والمستوطنين وكل أشكال الممارسات الأخرى في القدس ..

والثاني : إضرابات المعتقلين التي من شأنها ان تساهم في تحريك الماء الراكد، وتَحَسس الحالة الجماهيرية من مصائر المعتقلين المضربين والتفافهم حول الحالة .

هذين بشكل مباشر .

ولكن هناك دائما تناميا مضطردا للإحتقان ضد العدو الغاصب وهناك دوما نضالات متفرقة وشهداء ،وممارسات استفزازية للعدو ، علما ان كل حالة نضالية هي تحريض ودافع لحالات نضالية أخرى وكل ممارسات تفصيلية للعدو تزيد من وتائر الإحتقان وردود الأفعال مما يستثير حالة نضالية تستثير حالات نضالية أخرى . والنضال بوتائره لم يتوقف.فدافع النضال الأساس هو إحتلال فلسطين وتشريد اللاجئين …الخ.

والأهم من كل هذا أن الشعب الفلسطيني وحتى وهو منصرف لشؤون الحياة كي تستمر الحياة ، لم يتحول إلى كتلة رجعية أو مهادنة أو لا أبالية في علاقته مع العدو : هو شعب تكشف الأيام كل يوم أنه شعب يريد حريته وتحقيق أهدافه ، وأنه يربي الأجيال بصورة تلقائية أو موجهة على حب الوطن وحرية الوطن والحقد على عدو الوطن  والنضال ضد العدو الغاصب.

وهكذا وحينما بدأت وتائر النضال الشعبي تتزايد  وتدفع إلى وتستثير حالات وامتدادات أخرى كان لا بد من التساؤل عن القيادة ودور القيادة .

لا بد من التساؤل عن القيادة بمعناها الضيق  – لجنة هيئة في المستوى السياسي الأعلى . لجنة تنفيذية مثلا ، ولكن حماس والجهاد ليستا فيها .، قيادة موحدة مثلا تضم الجميع ،ولكن حماس تخشى على نفسها بحق من السلطة . قيادة تنسيق وطني علنية لتقود نضالات حامية فيها العنف المسلح ، إما انها قيادة لا تقود ولا يبطش بها العدو ، أو انها قيادة تقود هذا النضال ولا يجب أن تكون مكشوفة كي تستمر في وضع قيادة الأركان وتقود كفاح الشعب بكل أشكاله .

ويطرح السؤال فورا : من يتحمل المسؤولية عن شغور موقع القيادة ؟ والسؤال التالي هل يمكن أن يستمر نضال ويتأجج في اتجاه واضح دون قيادة ؟ ومرة أخرى من يتحمل المسؤولية ؟ من يتحمل المسؤولية بما يفتح المجال لبقاء عباءة قيادة السلطة هي قيادة لشعب متأجج .

إن قيادة السلطة مكبلة بالإتفاقات وبدور لا يصل إلى مناخات قيادة نضال ضد حكم الإحتلال . إن قيادة السلطة في أحسن الأحوال تبحث عن الهدوء أو أن تكون النضالات الجماهيرية سلمية سلمية سلمية وتحت أسقف يسكت عنها الإحتلال .

إن الفراغ القيادي لا يمكن السكوت عليه ولا بد من تحميل المسؤولية للجهات المتكلسة التي هي مثل أي مراقب على الأقل ترى اتجاه الحركة منذ مدة طويلة ولم تتخذ أي موقف ولا أي إجراء لمعالجة هذا الأمر الخطير والمهم لكل نضال  .

وكذلك لا بد من التساؤل عن القيادة بمعناها الأوسع : مجموع الفصائل والتراكيب الحزبية ومجموع المثقفين الطلائعيين وقادة الرأي والمحرضين وذوي المنزلة والتأثير في بيئتهم  ودورهم في إعداد الشعب وتحريضه وتنظيمه

دورهم في التقاط الإبداعات الكفاحية بكل أشكالها وتعميمها ، ودورهم في ملاحظة النواقص لتغطيتها ودورهم في ملاحظة السلب والخمج والخطأ لتنظيف ما يمكن تنظيفه . والأهم الدور القيادي بمعناه الضيق والواسع لتربية الكادرات السياسية والمجتمعية بما يجعلها أهلا لتحريك الشارع وقيادته .

إن الموجود من هذه المستويات وتحت هذه الرايات يحتوي على خمج وعجز مع تكلس في المستوى المتدني من الأهلية لقيادة هذه الحالة المتفجرة . بل ان الكثير منهم هو في الجبهة المقابلة عرف الناس ام لم يعرفوا ..

لننظر إلى ابداعات الجماهير بإمكانياتها البسيطة : الإعتصامات والمسيرات بأي مناسبات ،  اشتباك الشباب مع العدو على نقاط التماس بالحجر والمولوتوف، هجمات السكاكين في أماكن متعددة على مساحات الوطن ،الهجوم على العدو بالسيارات وعمليات الدهس ، العمليات العسكرية والرصاص والقنابل .إن هذا يشكل سمفونية النضال وكل مظهر من مظاهر النضال يستثير المظاهر الأخرى وكل حالة نضالية في موقع تستثير فرص تمدد النضال إلى مواقع أخرى وعلى كل مساحة الوطن .

لقد أعرب معظم الناطقين عن تخلف المستوى القيادي عن حراك الشعب . لكن هذا ليس كل الجريمة ولكن هذا المستوى القيادي عاجز عن اللحاق وهذه الجريمة الأكبر.

والجريمة الأكبر أن عباءتهم هي التي تقيد الجميع .

لا بد من الخروج من تحت هذه العباءة والإنطلاق في الميدان الرحب وهذا الخروج يبدأ من النقد الذي يمزق هذه العباءة   ويفضح قصورها وخمجها . مع العلم ان هذه المستويات القيادية تتمسك بتكلسها .ولا تفتح الباب لرياح التغيير وهذه كذلك مشكلة .

إن هذا العجز قد غيب دور الفصائل في التربية الوطنية وغيب دورها في استخلاص العبرة تعميم الدروس وتعميم التجارب ، وغيب دورها في تأمين مستلزمات الكفاح وإعداد الكادرات المتقدمة للمعارك الأكثر جدية ، كما غيب دورها في تلافي النواقص وتكرار الأخطاء . ثم إنها تترك المناضلين لمصيرهم وعلى سجيتهم .

لم تكن هذه الحالة على أعتاب انتفاضة 1987م ومن كان على صلة يعرف ما الذي جرى منذ بداية الثمانينات والدور العظيم الذي قامت به الفصائل وامتداداتها الطلابية والعمالية والتطوعية والإجتماعية وغيرها وغيرها . لقد دخلنا على انتفاضة  بجيش مدرب وشعب مدرب وقيادة سرية وفصائل تدفع بالحراك وتسد النقص في تشكيل اللجان التي أصبحت هي السلطة الوطنية المعترف بها شعبيا والمخيفة للقيادة التقليدية.

من يبادر اليوم لتشكيل هذه اللجان ؟

قرأت مداخلات أخرى للدكتور الملتزم عادل سمارة تتحدث عن تقسيم أدوار !

ولكن من يقسم هذه الأدوار ؟ وكيف يكون لقيادة التنسيق الأمني دور دوبلوماسي ؟

هذا مع العلم أن حماس وفتح لا يتأثر موقفهما من الإنقسام نتاج الحالة النضالية المتأججة ، ولا يدفعهما القول : إن الدم الذي يسيل يوحدنا وإن وإن ..

وإن الحراك الشعبي الفلسطيني لا يحرك النظم العربية ذلك أنها تتحرك في الجانب الآخر موضوعيا . أما مسيرات الغضب العربي وتأييد الإنتفاضة الفلسطينية وهيؤ إيجابة وأنا ارغب أن أرى الملايين العربية في الشارع تهتف لفلسطين . إن هتافها هذا ضروري جدا وينعش روحنا . وهو في نفس الوقت يا رفيق عادل لا يرفع عنا قنبلة غاز واحدة ولا يتلقى نيابة عنا رصاصة حية واحدة . ومع ذلك فكل غضب على الإحتلال هو لصالحنا ، وقد ياتي يوم ليكون فيه هذا الغضب العربي نارا تحرق الأنظمة العفنة وتفتح سياقا جديدا في تاريخ الأمة العربية فالنضال الجماهيري في مكان يحرض ويعبيء الجماهير رغما عن الأنظمة ..

إن كل العيوب التي ذكرتها هي كذلك نواقص خطيرة وإن استمرارها بمثابة خلل عام في الوضع الفلسطيني .ألا يوجب هذا النقد  ومبضع النقد . فمن يحمي هذا النضال من التبديد والهتك .ومن يدفع النضال الفلسطيني خطوات أعلى إلى الأمام ولماذا نظل بعد  خمسين سنة نعود للتجربة والخطأ من جديد ومن نقطة البداية ؟ ومن هو المسؤول في العامل الذاتي ؟ولنترك دور العدو والظروف إلى مجال آخر .

إن كل نضال ، نعم يزيل شيئا من التكلس وينظف عجلة العمل الجماهيري ولكن تلقائيا  وعفويا وهذا لا يكفي لتطوير الحالة .

 

● ● ●

أهم من النقد إلتقاط النقد

عادل سمارة

 

كتب الرفيق محمود فنون تعليقا على ما  كتبته عن الانتفاضة الجارية وخاصة مقالتي “الانتفاضة :استثمار الخلل في تقسيم العمل” وحصر الرفيق قرائته للمقالة في عنوانها،  فيبدو أنه اعتقد أنني وصلت هذا العنوان بعد ان كان هناك اجتماعا للجميع وتم الاتفاق على تقسيم العمل. إن كان تخيل ذلك، فهو مخطىء جدا ومتحمس جدا.

 

بداية شكرا على التفاعل، انت تجتهد وأنا أجتهد وغيرنا يجتهد. الإفادة للوطن والحكم للناس، ولتجارب التاريخ والزمن المقبل.

 

مقالتي تعني بوضوح أنه حينما يشتعل التناقض الرئيسي يجب استثناء/تجميد التناقضات الفرعية. وهذا جزء من تراث الماركسية-اللينينية وخاصة الماوية. لماذا اقول التناقض بين الانتفاضة والقيادات التي تصفها مخمجة، وهي اخطر هي فاسدة ويكفي انها تعترف بالكيان وتشارك في انتخابات تحت مظلته! بالنسبة لي هذا كاف للكفر بأية كفاءة لها.

أقول بالتناقض بين القيادات والانتفاضة، نعم لأنهما نقيضتين لبعضهما، ولذا، لا يفيد قطعا توجيه النقد للسلطة/القيادة لأنها خارج إطار الانتفاضة تماما، بل هي في طريق مضاد. ومن هنا كان عنوان تقسيم العمل ملغوما يا رفيق بمعنى أن لا جدوى من نقد هذه السلطة/القيادة، في كل مستوى ومنها التنسيق الأمني. هذه الأغنية السمجة التي يطالب بها البطل والعميل!!! ولا من يسمع.. ولو كان ذلك مجدياً، منذ عام 1968 لما وصلنا هذه المحطة. هناك أطنان المقالات والتصريحات والنقد وحتى الشتائم على قيادتي المنظمة والسلطة.لا غيرت هذه القيادة/ات موقفها ولا توقف “مُطربي النقد” عن العزف وبقوا في حضنها يرضعون من أموال مسمومة تحصلت عليها. إنه مرض الريع. كل هذه كتبتها منذ عقود ولم انساها يا رفيق ابدا.

نعم انت وطني وضمن الخط الوطني، وأنا كذلك لكنني قرفت الخمج والتخلف والمساومة باكراً. وكنت أحلم ببروز قوة مختلفة وحاولت ولم أتمكن، لكنني لست نادماً لأن كل ما يحصل يؤكد صحة خروجي، مع انني أؤمن بالحزبية أكثر من موقف المناضل او الفرد المنفرد، ولكن في مختلف القوى هناك قوى طاردة  لأي موقف جذري سواء في النظرية أو التطبيق طاردة بعنف وفي أحيان عدة بلا أخلاق، فهي مثابة طبقات حاكمة.

لذا كان قصدي من تقسيم العمل ان تمضي الانتفاضة لأنها انطلقت دون استشارة لا القيادة  السلطويةولا قيادات هذه الفصيلة أو تلك. لذا كتبت كما أذكر مرتين وقلت على إحدى الفضائيات نقدا لأحد قادة السلطة حين قال  بعد حرق اسرة الدوابشة : “لن نسمح بالانتقام”، وقلت من ينتقم لن يستشيرك.

  

وبصراحة أكثر، قصدت من تقسيم العمل إحراج القيادات كي لا تتآمر على الانتفاضة، بمعنى أن : “القاعد يجب أن لا يأمر المجااهد”  كما يُقال عربيا. إن هدفي هو ان تتوقف او تتلكأ القيادات عن تطويق الانتفاضة. بعبارة أخرى، قد تخدل! قد تُحرج.

وفي مقالات أخرى وهي في كنعان وعلى صفحتي في الفيس كتبت بأن الخيار للقيادة يصبح إما أن تنطوي او تحاول اللحاق بالانتفاضة. وهذا مرتكز اساسي في اطروحتى :”التنمية بالحماية الشعبية” بمعنى أن الاقتصاد الرسمي لا يوصل إلى تنمية، وبأن على التنمية بالحماية الشعبية أن تسير غير آبهة به ولا تابعة له، ولن يكون أمامه سوى اللحق أو الموت.  بخلاف آخرين من قيادات  اليسار حتى الآن يزعمون ان خطة السلطة الاقتصادية تؤكد-إذا تم تطبيقها جيدا_ أن التنمية تحت الاحتلال ممكنة! هل هذا يسار؟ ولكي تعرف أول حرف من اسمه (كما يقول السيد حسن نصر الله) إرجع إلى محاضرتي في جامعة بير زيت، وقد ارسلتها لك (استلاب التموُّل واغتراب التنمية).

في معرض الانتفاضة قلت بان السلطة إما أن تلحق الانتفاضة بالحماية الشعبية أو تنكفىء أكثر. قصدت ولا زلت لجم القيادات وليس التعويل عليها. لذا، اسمح لي اقل لك بأن نقدي هو دائم وهو أخطر من نقدك. لأنني لا أريد أي اشتباك مع السلطة في هذه اللحظة لأن هذا الاشتباك يعيق الانتفاضة. يكون نقدك صحيحا لو أنني قلت أو قصدت تسويد القيادة على الانتفاضة.

قد تقول وما يدريك بان القيادة لن تهاجم الانتفاضة؟ وهذا صحيح، وحينها لاحول ولا، ستدخل الانتفاضة ذلك الاشتباك.

لم أعتقد ولن أعتقد أن القيادات الحالية قادرة أو جريئة لتقود الانتفاضة. ولذا، رأيت ان تُترك القيادة الحالية لتصرخ في المحافل الدولية، والانتفاضة تفعل على الأرض. هذه القيادات لا تصلح لا لشعبنا ولا للمرحلة. بالنسبة لي هذا يا رفيق من زمااااااااااااااااااااااااااااااااان وصلت إليه ودفعت ثمنه. ولذا، تكون الانتفاضة منتجة إذا أفرزت قيادتها. وإن عجزت عن ذلك، فهي مشكلتها. هذا لا يقلل من عظمة بطولاتها، ولكن تلك العظمة لا تخفي، إن غابت القيادة، عجزا ما.

أنا أعتقد انأهم ما يبج البحث فيه:

أولاً: هل ستفرز الانتفاضة قيادتها؟

وثانياً: ما مآل الانتفاضة وكيف نساهم في امتادها.

لذا، كتبت وقلت على المنار، وساكتب المزيد، بان المفروض الجمع بين الشدة والامتداد. الشدة هي العمل المسلح النوعي دون فتح حالة جبهية شاملة مع العدو تنهك كل الناس. وذلك لسبب اساس لأننا وحدنا (في الأرض المحتلة)  لا نستطيع تحرير فلسطين. ولكن يجب ان نناضل. والامتداد بانخراط كل الناس في مناهضة التطبيع والمقاطعة وهذا دائم ومستمر. طبعا ناهيك عن النضالات الوسيطة كالاحتجاجات، وتشكيل لجان القرى وحتى إنشاء تعاونيات (جماعيات-بفتح او ضم الميم) للاستعادة التنمية بالحماية الشعبية. لأنه بهذه يمكن القول أن الانتفاضة لم تتوقف وبان الحياة مقاومة. هذا يا رفيق ما اقترح أن نفكر فيه.

 

● ● ●

هـــل يأتي القطار؟

ثريا عاصي

أنا على يقين من أنّ القضية الفلسطينية نموذج ذو أبعاد تتجاوز جغرافية فلسطين، بل جغرافية البلاد العربية، التي كان من المأمول أن تتعاون فيما بينها في مجالات التنمية، وأن تتضامن في النضال من أجل التخلّص من الاستعمار. بمعنى آخر، كان من المفترض أن يكون كفاح الاستعمار في فلسطين متواصلاً، وأن تكون المشاركة فيه، إلى جانب الفلسطينيّين وغيرهم من شعوب المنطقة في اتّساع متزايد. ولكن ما يدعو للأسف هو أنّ المشاركين يتناقصون، وأنّ مقاومة المستعمرين الإسرائيليّين تكاد أن تكون دورية، ولكن ليس بانتظام. تبدأ ثم تنتهي وتغيب خلال أعوام القَحـْل في مجتمعات هزيلة البنية متداعية، ضربتها في السنوات الأخيرة عواصف أطلقها تحالف ضم المستعمرين ـ والإسلاميين الوهابيين ـ وأموال مشايخ النفط، فتهاوت كمثل قصور من ورق وأطبق أحياناً بعضُها بعضا.

ومن المشكلات العديدة التي تعترض أيضا كفاح المستعمرين الإسرائيليّين، مشكلة ثبات الأسلوب والوسيلة رغم أنّ تغيّرات وتبدّلات طرأت حتماً بفعل عامل الزمن. هناك فرق كبير بين ظروف «الانتفاضات» التي جرت في ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً انتفاضة عز الدين القسام سنة 1935، والإضراب العام سنة 1936، أي قبل الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل في سنة 1947، من جهة، وبين ظروف الصراع ضدّ هذه الدولة في الراهن، بما هي دولة استعمارية استيطانية تأسّست على التمييز العنصري من جهة ثانية. لا نبالغ في القول أنّ إسرائيل دولة عظمى، نظراً إلى العلاقة العضوية التي تربط بينها وبين الإمبريالية الأميركية – الأوروبية. ما أودّ قوله في الواقع هو أنّ النضال ضدّ هذه الدولة يبدو بحسب رأيي عبثياً، إذا استمر بالأساليب والوسائل التي استُخدمت في الماضي. هنا لا أقصد الجانب العسكري والعنفي فقط، وإنما أعني أيضاً ما يجري في مجال الفكر والسياسة، وطرق اختيار القيادة السياسية.

من البديهي، وضعاً للأمور في إطارها الصحيح، أنّ السياسة التي تنتهجها السلطتان الفلسطينيّتان في رام الله وفي قطاع غزة، لن توصل الفلسطينيّين إلى برّ الأمان وقد تحرّروا من الاستعمار الإسرائيلي، لن تجمع شملهم في كيان وطني مستقل. يستتبع ذلك من وجهة نظري أنه ليس جائزاً ومنطقياً أن يستسلم الفلسطينيون، وسائر شعوب المنطقة إلى نوع من الجبرية، بحيث لا يكون أمام المرء في بلادنا إلا خيار من ثلاثة، الهزيمة أو الاستشهاد أو الهجرة.

استناداً إليه، لا مفرّ في اعتقادي من تقييم الأوضاع بموضوعية وعقلانية، بحثاً عن وسائل وأساليب عمل ونضال وتنظيم، تلائم هذا الزمان وتضمن البقاء والتطور والمنعة. لا شكّ في أنّ هذه الوسائل والأساليب موجودة. بدليل أنّ شعوباً أخرى تمتلكها، وأنّ مهاجرين من الشرق العربي، السوري والعراقي، رفضوا الهزيمة والاستشهاد، وفضّلوا الهجرة. انضمّوا إلى هذه الشعوب، فأدّوا ما عليهم من واجبات واستحقوا ما لهم من حقوق، لا أكثر ولا أقل، بالضدّ مما كانوا يلاقونه في بلادهم الأصلية.

لا حرج في القول إنّ الفلسطينيين ينتظرون قطار الخلاص في محطات أربع. في مخيمات اللاجئيين في البلاد المجاورة لفلسطين، في قطاع غزة الذي طرده المستعمرون الإسرائيليّون من فلسطين جغرافياً وسكانياً. القطاع كيانٌ معادٍ. في الضفة الغربية حيث يرزح الفلسطينيّون تحت وطأة المستوطنين، ويعانون من سياسة التمييز العنصري الهمجية والوحشية. وأخيراً نذكر الفلسطينيّين الإسرائيليّين الذين استطاعوا البقاء في المناطق الفلسطينية التي أُنشئت عليها دولة إسرائيل في سنة 1948. هؤلاء مواطنون إسرائيليون من درجة أدنى من درجة المواطنين اليهود! السؤال، هل يأتي القطار؟ وأية محطة هي الأقرب إلى فلسطين؟

أعتقد أني طرقت بابا رئيسياً. لا أظن أنّ الباحث يستغرب تطابق أوضاع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والعراقيين، بعد مرور ثمان وستين سنة على إنشاء «إسرائيل»!

(يتبع)

:::::

“الديار”، بيروت

http://www.addiyar.com

● ● ●

 

وجهة نظر | الانتفاضة الثالثة… والصفر الذي نخشاه

يوسف فارس

 

وحدها ابتسامات الشهداء والمعتقلين من الشباب والأطفال في صورهم تعطينا بعض التفاؤل. يقابلها قهر كبير من مشاهد الإذلال والإعدامات الميدانية. لكن ربط بعض التفاؤل بتاريخ طويل للفلسطينيين وتجارب سابقة يبعث شعوراً قاسياً بالإحباط. قليل من التدقيق في جملة النتائج لعشرات التحركات التي خاضها الفلسطينيون منذ الثورة الكبرى التي أعقبت استشهاد الشيخ عز الدين القسام عام 1936 كفيل بذلك. الحديث هنا ليس عن القناعة بأي خط: المقاومة الشعبية أو المسلحة.

صاحب السطور يرى أن ثمة «طابو» لا يقبل النقاش حول فعالية المقاومة بكل صورها في انتزاع الحقوق. لكن السؤال هو عن توظيف هذه المقاومة بالطريقة التي يبذل فيها ثمن بشرى ومادي عظيم دون نتائج، بل بخسارة مقدرات وحقوق سابقة.

بالموضوعية المتجردة من الشعارات: ماذا حقق الكفاح الشعبي والمسلح منذ أكثر من 65 عاماً؟ «منظمة التحرير» التي وصف الشهيد صلاح خلف برنامجها الوطني بجملته الأثيرة «اللي بيقول مفاوضات بدون سلاح بيكون حمار»، ثم النفق الذي سار فيه ياسر عرفات، وقد استُشهد محاولاً التمرد على خطوطه الحمر، حينما أدرك أنه خرج من «أوسلو» صفر اليدين. ألم تسر إسرائيل بالفلسطينيين، الذين مثلتهم المنظمة، إلى حيث شاءت؟ ثم ها هي تطلب كل شيء من الرجل الذي لم يهددهم يوماً بشيء؛ ما هو قدر التنازل المطلوب أكثر مما قدمه محمود عباس؟

المنظمة خاضت مواجهة ممتدة مع الجيش الإسرائيلي. وفي اجتياح لبنان (1982) خاضت إسرائيل ضدها حرباً قاسية هدفها تماهى مع القوات الأردنية (أيلول الأسود) التي خاضت أكثر من 600 مواجهة مع مجموعات المنظمة، قبل أن تقضي على وجودها من الأردن عام 1969. الهدف الإسرائيلي كان نسف اتفاق القاهرة الذي أعطى الشرعية لوجود قوات المنظمة في لبنان، فضلاً عن مساحة الحرية في ممارسة المقاومة المسلحة من الأراضي اللبنانية، ثم تشتيت المنظمة وإجبارها مرغمة على ترك السلاح.

عسكرياً، خاض فدائيو المنظمة قتالاً عنيفاً. تشير شهادات الجنود الإسرائيليين إلى أن عدد القتلى بلغ 600، لكن في حسابات الربح والخسارة كان الإسرائيلي ينتصر بخروج قوات المنظمة من لبنان، كما أسس لإدخال المنظمة إلى مرحلة جديدة (أوسلو) يكسب هو فيها فقط. هل كانت تنتظر «منظمة التحرير»، التي خاض أبطالها عمليات بحجم «عيلبون والساحل وكفار هيتس وبيت جبريل والمغير وبين نعيم وتل الأربعين وخزان زوهر ومرجليوت وبيت فوريك وميونخ وخلدة وديمونا وقلعة شقيف»، اتفاقاً بحجم أوسلو ورئيساً على شاكلة عباس؟

ذات مرة ذكر الكاتب الأميركي يوجين روجان في كتابه «العرب»، أن «ثوراتهم تبدأ عظيمة صادقة، عنيدة في التمسك بالحق كاملاً، وتنتهي بمطالب بأدنى السقوف وأقل الآمال». وفي حسابات إسرائيل، هناك تقدير لحجم رد الفعل إزاء كل خطوة، ومشكلة مقاومتنا ــ الفلسطينيين ــ أننا نقوم برد الفعل المطلوب الذي تتوقعه إسرائيل، دون التأسيس لبرنامج وطني مستمر. والأزمة أن حجم الفعل يتوقف عند حدود الرد، ولا يغير من واقع الأمر شيئاً، فيما تبقي إسرائيل مكتسباتها أمراً واقعاً وتبدأ للتأسيس لما بعده.

في انتفاضة الأقصى عام 2000، أسست إسرائيل لفكرة تهويد المسجد الأقصى ودخوله على نحو علني مستمر، وبعد انتهاء الانتفاضة خسرنا كل مكتسبات أوسلو وخرجنا بعدد كبير من الشهداء والجرحى والأسرى. قدمنا صورة محترمة عن التضحية والمقاومة والعمل الاستشهادي، ولكن ما النتيجة؟ احتوت إسرائيل ردّ الفعل الفلسطيني على ضخامته، وها هي بعد عشرة أعوام من الانتفاضة تنتظر احتواءنا لإتمام مخطط تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، بعدما يستنفد الفلسطيني ما في جعبته من رد فعل، قبل أن يعود إلى كمونه مستعداً لجولة صفرية أخرى.

بعد ذلك، شنّت إسرائيل ثلاث حروب مدمرة على قطاع غزة، لم يكن هدف واحدة منها إنهاء حكم «حماس». فالانقسام الذي صنعناه بأيدينا يمثل «بيضة القبان» لساسة العدو أو «هدية الرب» لشعبه المختار. اطمئنوا، سيحافظون على بقائه تماماً بقدر حفاظهم على سلطة رام الله وتنسيقها الأمني. النقطة التي قد يغفل المقاوم الفلسطيني عنها، أنه لا حيّز كبيراً للعشوائية في ضربات إسرائيل؛ ففي تاريخ الحروب والمقاومات الشعبية، يحاول المستعمرون تثبيت قواعد صراع دائمة التجديد، قواعد هي أهداف في عينها، لكنها أهداف عظيمة الأثر وطويلة البقاء، وتسعى الجيوش بها إلى صناعة واقع يخترق حدود المواجهة العسكرية، إلى عقل الجماهير الباطني، وعقول المقاومين أيضاً.

لم يحدث أنّ دراسة نقدية حقيقية أُصدرت حول ثمار وإخفاقات الحروب التي شُنت على غزة خلال ثماني سنوات، عدا الدراسات التي تحاول إثبات انتصار المقاومة في حربها الأخيرة، واستجلاب الدلائل والبراهين من صحافة العدو حول ذلك. صحيح أن تقويمات الحرب التقليدية في معايير الهزيمة والانتصار قد لا تناسب طبيعة المواجهة الفلسطينية المفتوحة مع العدو. وإن قال أحدهم ذلك، فإنه سيكون موضوعياً. لكن هذا لا يعني ألّا تنشر دراسة في مواطن النجاح والإخفاق، ليس لنعيد النظر في تبني خيار المقاومة المسلحة كخيار مواجهة، بل ــ على الأقل ــ لنحسن توظيفها في ما يقدم إنجازاً ملموساً يمكن البناء عليه.

في الحرب الأخيرة أطلقت اليد في استخدام السلاح واستعراضه. بعد عشرة أيام من الحرب، كانت المقاومة قد استنفدت أكثر ما في جعبتها. تألمت إسرائيل لقصف حيفا وتل أبيب، لكنها امتصت المفاجأة وتأقلمت معها، فيما خسرت المقاومة بسرعة ورقة كبيرة الحجم والأثر لم تؤت نتيجتها وقت الحصاد. وعلى المقلب الآخر، فرض حجم المفاجآت واستعراض السلاح مستوى أعنف من رد الفعل الإسرائيلي في تدمير البنى التحتية والتغول في الأرواح، وهذا ما أهملته حسابات المقاومة. للمفارقة، بدأت الحرب بمئات الصواريخ المنهمرة على مدن العمق، وانتهت بقذائف الهاون على غلاف غزة. الأخطر من كل ذلك أنّ الإمعان في كشف أنواع السلاح سيفرض على المقاومة شكلاً جديداً للحرب المقبلة، وسيجعلها تحتاج إلى إمكانات قد تكون أولها، مثلاً، ضرورة ضرب حيفا في البداية.

من جانب الإنصاف لعدونا، يجب أن نحترم فيه حِسّ النقد ومراجعة الذات. مساحات الصحافة الإسرائيلية كانت مفتوحة على مصراعيها للانتقاد، وحتى الهجوم على كبار رجال الدولة. مع أنّ العدو دولة عسكرية من الطراز الأول، لكن كمّ الانتقاد للمؤسسة العسكرية والسياسية، منشأه أن هناك منافسة وحرصاً على تحقيق أكبر قدر من الإنجاز لمصالح الدولة وأهدافها. والأهم أن يد الصحافة الإسرائيلية مطلقة، برغم ذلك، لم يتهم أحدٌ صحافياً بالخيانة والتخاذل، بل كانت المراجعات تجري على قدم وساق، في مختلف مستويات الدولة.

في الحالة الفلسطينية الأمر مختلف، نتائج الحرب الأخيرة 2014، التي تحاول صحافة المقاومة ونفخر بأننا جزء منها، أن تقنع الشارع بأن خاتمتها كان انتصاراً، تصطدم دوماً بواقع معقد على مختلف المستويات. أسئلة الشارع حول النتائج والأهداف التي أعلنها المتحدث باسم «كتائب القسام» لا تزال قائمة: المزاج الشعبي، ورضا الشارع عن الفصائل، وأعداد من هاجروا على متن قوارب الموت، ومن يحلمون بالهجرة، وليس أخيراً أعداد من يحاولون الهرب يومياً إلى إسرائيل؟

سياسياً، تمثلت نتيجة الحروب الثلاث في 2008 ثم 2012 ثم 2014، بموقف غزة من انتفاضة الضفة والقدس والـ48 اليوم. وعي «الغزاوي» المنهك مكوي إلى أخطر ما يكون. الفصائل اجتمعت واتخدت موقفاً داخلياً بالوقوف على الحياد لمنع الإسرائيلي من تحويل المواجهة إلى حرب عسكرية، ولعل ذلك خطوة لافتة في تفكير الفصائل، لكن الأسباب الأخرى التي لم يكشف عنها، لهذه الخطوة، تثير الريبة. قررت تلك الفصائل حصر الدعم في الفعاليات والمسيرات الجماهيرية فقط دون إطلاق رصاصة واحدة.

علّمتنا إسرائيل في معادلة الصراع، التي ثبتتها بعد حروبها الثلاث، أن ثمن الصاروخ حرب. ومعنى ذلك أن لإسرائيل اليوم الحق والحرية في أن تدير صراعها مع الضفة وباقي المناطق بالطريقة التي تريد، وبالمساحة الزمنية التي تراها مناسبة. فجبهة غزة آمنة إلى آخر مدى، وربما دلّ مستوى العنف في قمع المواجهات مع شبان الحجارة على حدود القطاع، على حالة من الاطمئنان الإسرائيلي إلى حدود الفعل المقابل، كذلك لم يترك العدو فرصة لأيّ صاروخ يتيم خرج من غزة في الأيام الماضية إلا ردّ عليه الردّ الموضعي الذي هو جزء من معادلتها المذكورة.

نهاية، إن تاريخ الثورات علمنا أن أنقاها ما تعبّر فيه الجماهير عن روحها دون أن ينظمها أحد، وأن أفشلها من تبقى الجماهير فيه وسط الميدان وحدها دون قيادة توظف المكتسبات وتحافظ على ديمومة الثورة وتألقها واستمراريتها. سنحاول التفاؤل ما استطعنا إليه سبيلاً. لكن، لنتذكر: في الضفة سلطة جاهزة لاحتواء كل ما يحدث عندما تلوّح إسرائيل باحتجاز أموال الضرائب أو قطع الكهرباء، وفي أزهى المكتسبات ستكون ثمة وعود بوقف الاستيطان وكبح جماح المستوطنين عن الأقصى، حتماً ستنقضها إسرائيل. وفي غزة، ثمة آثار ثلاث حروب لم تعالج حتى الآن، وحصار يزداد اشتداداً. عموماً، قد تبدأ باكورة الاجتماعات بين ضباط التنسيق الأمني مع قيادة الجيش الإسرائيلي، في ظل غياب رموز قيادية حقيقية من شأنها المحافظة على تأهب الجماهير وتنظيمها واستمراريتها.

:::::

“الأخبار”، بيروت

http://www.al-akhbar.com/

 

● ● ●

 

بيان صادر عن اتحاد الشيوعيين الأردنيين حول الانتفاضة الشعبية الفلسطينية

 

ها هو شعبنا الفلسطيني يطل على العالم من جديد بانتفاضة شعبية في وجه الاحتلال وادواته الذي طال أمده ليكون أطول احتلال وأبغض احتلال في التاريخ المعاصر .

إن الكيان الصهيوني وبالرغم من كل امكانياته الاستخبارية العسكرية فشل في التنبؤ في استكشاف حجم الغضب الفلسطيني ونوعه ومكانه وتوقيته . حيث تجلى هذا الغضب بمشاركة شعبية واسعة، شملت كافة طبقات وفئات المجتمع الفلسطيني بدون استئناء، وكذلك كافة الاعمار ومن الجنسين، وشملت كافة الاراضي الفلسطينية الممتدة على طول وعرض الوطن الفلسطيني ( فلسطين التاريخية ) مستلهمة الدروس والعبر من الانتفاضات المجيدة للشعب الفلسطيني حيث انخرطت في مقاومة باسلة وشجاعة مع جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين .

 

لقد خيبت جماهير شعبنا العربي الفلسطيني بفعلها النضالي المجيد مرة اخرى آمال وتوقعات الكيان الصهيوني الذي ظن بأن الاحداث في العالم العربي والتآمر على محور المقاومة وفي القلب منه سوريا البطلة ستغطي على القضية الفلسطينية وتجعلها في مرتبة متأخرة من اهتمام شعوبنا العربية ولكن هيهات، فقد حققت الانتفاضة أول نجاحاتها وأعادت وضع القضية الفلسطينية الى المرتبة الاولى من الاهتمام العربي والعالمي وإعادتها الى مركز الصدارة من الاحداث لتكون بذلك بياناً واضحاً وتأكيداً جديداً على أن حجم التآمر على محور المقاومة وسوريا بالذات كان وما زال الهدف منه ان يكون مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية لأن الموقف العربي المقاوم هو من أهم مرتكزات النضال الوطني الفلسطيني .

 

إن اتحاد الشيوعيين الأردنيين على ثقة أن الشعب العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع وعموم الارض الفلسطينية سيحبط أهداف الحملة القمعية المتصاعده التي تستهدفه وسيواصل السير على طريق انتفاضته الباسلة. ويناشد الاتحاد جميع القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية على امتداد الوطن العربي التضامن مع الشعب العربي الفلسطيني في انتفاضته المجيدة لتحقيق اهدافه في الحرية والاستقلال الوطني.

 

عاش الشعب العربي الفلسطيني وعاشت انتفاضته الباسلة .

 

 اتحاد الشيوعيين الأردنيين

 عمان في 14/10/2015

______

 

تابعوا مجلة “كنعان” الفصلية على الرابط التالي:

http://kanaanonline.org/quarterly

 

تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على:

  • ·       “كنعان” بالعربية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-ar

  • ·       “كنعان” بالانكليزية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-en

  • ·       “فيس بوك” Facebook:

http://www.facebook.com/pages/Kanaan-Online/189869417733076?sk=wall

  • ·       “تويتر” Twitter:

http://twitter.com/#!/kanaanonline

 

  • ·       موقع “كنعان” من عام 2001 الى 2008:

http://www.kanaanonline.org/ebulletin.php

 

اترك تعليقاً