وقفة عز

العرب تحت رحمة الارهاب

نضال حمد

إنه الزمن الذي تحكمه الكلاب المسعورة ويتحكم به الإرهاب بكل أشكاله المحسوسة، المرئية والمسموعة. إذ لا يوجد مكان في هذا العالم الواسع للسلام أو لحماماته التي قُصقِصَت أجنحتها البيضاء، وهدمت أعشاشها البسيطة، لتقام فوق أعشاشها المهدمة، الخنادق والمتاريس، وليحتل مكانها صقور العالم من المتعصبين والمتشددين والعنصريين. حيث ينشر هؤلاء الرعب والقمع والخراب والحرب في كل مكان… وحيث يمارسون القرصنة والعدوان على الشعوب والدول بحجة مكافحة الإرهاب. وكأنهم هم من يحدد مفهوم الإرهاب بأشكاله المختلفة… وكأنهم مسالمون وحضاريين وأعداء للإرهاب بينما الآخرين من أهل الإرهاب، مع أنهم تمرسوا في تأييد الإرهاب وفي ممارسته بأحدث وأبشع أشكاله.

التاريخ القديم كما الحديث خير شاهد على همجية بعضهم وشراسة إرهابهم في البلدان التي استعمروها واستولوا عليها أو تلك التي احتلوها. فالتجارب العديدة لهؤلاء المعتدين علمتنا كيف نحمي أنفسنا من ظلمهم وتجنيهم علينا… وكذلك من قَلبِهم للحقائق وتزويرها بالطريقة التي تروق لهم وتلبي مطامعهم ومصلحتهم. فهم من خلع ثوب الجلاد ولبس ثوب الضحية،  وهم من سرق جثة القتيل وألبسها للقاتل الدخيل، وهم من استعمل القنابل المحرمة دوليا والأسلحة المحظورة. فكانوا السباقون في هذا المجال حيث لازالوا في صدارة الدول والأمم التي مارست تلك الأعمال واستعملت تلك الأسلحة.

هؤلاء  يدافعون عن آخر معاقل العنصرية والعدوان في العالم الحديث. حيث يزودون كيان (إسرائيل) بكل أشكال الدعم والمعونة من المال والسلاح  حتى استعمال الفيتو في مجلس الأمن الدولي، لمنع أية قرارات يتخذها المجتمع الدولي ضد كيان العنصرية والإرهاب الرسمي المنظم.

استعملت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض الفيتو 36 مرة لإفشال وإسقاط  مشاريع قرارات ضد (إسرائيل) بسبب أعمالها المخالفة لكل قوانين الأرض والسماء. وبعد كل هذا يتساءل بعض السفهاء من الأمريكان عن سبب كراهية وعداء الشعوب العربية للولايات المتحدة الأمريكية.

إذا كان هناك خطر حقيقي داهم قد يدهم العالم فهو بالتأكيد خطر العقلية الأمريكية المتأخرة والمتخلفة والاستعلائية. لأن أمركة العالم عبر عولمته واستعماره بالطرق الأمريكية والغربية الحديثة، وعبر مشروع دفن الحضارات والثقافات الأخرى، ليس سوى مؤامرة عفريتية يقودها صناع السياسة والقرار وأصحاب المال في الولايات المتحدة.

العالم موجود على أكُفِ العفاريت، وأكُف العفاريت المتأمركة و المتصهينة مرتجفة من كثرة الضيق والتلف الذي أصابها. لذا علينا أن لا نقبل بالعيش في عالمنا المعاصر تحت رحمة مزاج بوش وشركاؤه وعقليتهم الخفيفة وسياساتهم العنصرية، وإداراتهم المركبة من جماعات غير عفيفة وليست نظيفة الأكف… جماعات من مرضى الأطماع التوسعية والاستثمارية، تلك الأطماع التي ترى في بلاد العرب برميل نفط لا ينضب، عليها السيطرة عليه واستهلاكه عبر سلب منتجاته وثرواته. ولحماية النفط يجب أن يحموا كيان الصهاينة شرطي المنطقة.

وبما أننا نحن العرب في نظرهم  لسنا أكثر من ثروة نفطية فأن احترامنا كأمة وكقوة موجودة لن يتحقق بوجود حكامنا العرب الحاليين. لأن الحرية لا تُمنح ولا تُهب لأحد، ولأنها تستعاد بنفس الطريقة التي أخذت أو صودرت بها أو عبر انتزاعها بقوة الحق المسلح بالعدالة الكفاحية.

وهنا تحضرنا حالة العراق حيث لا يمكن أن نقبل بالقول الذي يردد أن أمريكا حررت العراق. فالأصح والأدق تعبيريا أن أمريكا احتلت العراق وتنهبه. وحال الحرية التي تتغنى بها أمريكا ومن معها في العراق أصبحنا نعرفه. والخازوق الأمريكي في العراق بدأ يخوزق الإدارة الأمريكية بشكل مؤلم. فأمريكا تدفع الآن ثمن احتلالها لبلاد الرافدين، وسوف تفقد هيبتها تحت وطأة الضربات اليومية التي تتعرض لها قواتها في العراق.

الحرية لا تعطى من قبل الذي سلبها بل تنتزع بقوة العدل والكفاح الوطني السليم. فحرية العراق لا يمكن أن تكون عبر احتلاله، وتكريس مبدأ الاحتلال، وتنصيب عملاء  له في مراكز وهمية وشكلية. عملاء لا قوة لهم ولا حول فالحاكم الفعلي للعراق “الحر” أمريكي وكلكم تعرفون أسمه. أما مجلس الحكم الانتقالي في العراق فليس سوى نكتة سوداء.

 وليست القيادة العراقية الحالية سوى مجموعة من الموظفين في خدمة السياسة الأمريكية ومن أجل تمكين تلك السياسة من فرض سيطرتها على البلاد العربية بعدما تمكنت من احتلال العراق.

ولا يمكن لهذا الاحتلال إلا أن يصب في خدمة المشروع الصهيوني، وتمكين الصهيونية العالمية من تحقيق إرادتها في إقامة كيان (إسرائيل) الكبير من الفرات إلى النيل.

إن حملة العدوان الشرسة على الشعب الفلسطيني والفلسطينيين ليست سوى المثال الصارخ والواضح لهذا المشروع الهمجي، الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية بالشكل الذي يخدم هيمنة (إسرائيل) وسيطرتها على العالم العربي.

وما التضييق على الدول المجاورة للعراق سوى مثال ساطع على ما تريده أمريكا وما تريده كذلك (إسرائيل). فإشغال إيران بقضية المفاعل والأسلحة المحظورة ومنظمة الطاقة الدولية والمفتشين الدوليين وابتزازها، يعتبر حلقة جديدة مكملة لحلقات سابقة من الفيلم القديم الذي بدأ مع العراق أيام نظام حكم حزب البعث العراقي. أما الآن فجاء الدور على إيران لتصفيتها بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب الذي تمت فيه تصفية الحكم العراقي واحتلال العراق بالغزو المباشر.

من ناحية ثانية جاءت الغارة اليوم على تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا لتنقل المواجهة إلى الأراضي السورية، وهذه هي المرة الأولى منذ زمن طويل التي تقوم فيها (إسرائيل) بقصف مواقع داخل الأراضي السورية. وما كانت (إسرائيل) تجرؤ على العدوان لولا الموافقة الضمنية الأمريكية.

على كل حال العدوان على سوريا ليس له ما يبرره كما كان العدوان على لبنان، وكما هو حال العدوان المستمر والدائم على أراضي السلطة الفلسطينية التي بدورها سلمت للصهاينة واعترفت بالكيان الصهيوني مقابل المفاوضات.

أما الجامعة العربية ورغم عجزها الشديد سوف تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات قوية تدين (إسرائيل) وتؤيد سوريا، وتُفعل الموقف العربي في مواجهة الغارات الأمريكية والصهيونية. وفي مواجهة العفاريت الصهيونية التي تمسك بالمنطقة وتشكل أكبر الأخطار على قضايا العرب وحاضرهم ومستقبلهم. وغذا اتخذت الجامعة قرارات فعلية ستبقى العبرة في تطبيق القرارات إذ أن التجربة علمتنا أنها لا تطبق وتبقى حبراً على ورق.

5-10-2003

العرب تحت رحمة الارهاب

نضال حمد