الأخبارالأرشيف

اعتذروا لسماحة الحاج أمين الحسيني – رشاد أبوشاور

اعتذروا لسماحة الحاج أمين الحسيني
رشاد أبوشاور

نعم: اعتذروا لسماحة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وزعيمها على امتداد قرابة ثلاثة عقود، فقد تطاولتم عليه كثيرا، وأنهكتم أنفسكم في شتمه، وتشويه سمعته، ومحاولة النيل من وطنيته، وعلى امتداد عقود.. حتى وصلتم إلى الحضيض، وهويتم بفلسطين إلى قاع الهاوية.

بررتم ، بوعي، أو بدون وعي، احتلال الصهاينة لفلسطين، بحجة أن الحاج أمين والقيادة الفلسطينية، ممثلة بالهيئة العربية العليا، رفضت قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، وأن تلك القيادة – التي وصفتموها بالرجعية – لو قبلت بدولة عربية فلسطينية لتغيّرت أحوال الفلسطينيين.

بحجة الواقعية، وانتزاع ما يمكن انتزاعه، ومخاطبة العالم، واستقطاب الرأي العام الدولي، وعدم استفزاز الدول الكبرى، وكسب الدول الصغرى، تقافزتم في أربعة أرجاء العالم، معلنين القبول بدولة فلسطينية..وأين؟! في حدود الرابع من حزيران، يعني على 22% في المائة من أرض فلسطين التاريخية..يا لتواضع المطلب، ويا لواقعيته، حتى إنه يحرج قيادة الكيان الصهيوني، فأنتم تطالبون بأقل من نصف ما ( عُرض) في تقسيم ال 47 ..والذي برأيكم رفضته قيادة الحاج أمين الحسيني، الذي كرستموه (رمزا) للتطرف والتقيتم بهذا مع الخطاب الصهيوني الذي برر احتلال 78% من فلسطين عام 1948 وهو ما يزيد كثيرا على قرار تقسيم ال 47 والذي أعطى للدولة الصهيونية 52% من أرض فلسطين رغم أن عدد اليهود كان اقل بكثير من عدد الفلسطينيين حتى في تلك الدولة!

بعد انتهاء حرب 1948 وتوقيع اتفاقية رودس بين عدد من الدول العربية والدولة الصهيونية الناشئة تم احتلال( المثلث) وعاصمته بلدة الطيبة وقراها، واحتلت ( أم الرشراش) على البحر الأحمر لتكون ميناء بحريا للكيان الصهيوني، واحتلت القرى اللبنانية السبع، فهل كانت تلك الاحتلالات بسبب ( تطرف) قيادة الحاج أمين الحسيني؟!

لقد حرم الفلسطينيون من مواصلة المقاومة الفلسطينية، وطورد قادة حكومة عموم فلسطين التي اتخذت من غزة مقرا لها، واستتبع ما تبقى من الأرض الفلسطينية لدولتين عربيتين، وبتصرفات عربية رسمية حُرم الفلسطينيون من مواصلة القتال، وأخفي اسم فلسطين، وضيّع الشعب العربي الفلسطيني لعقدين..أي حتى بروز منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة المؤسس أحمد الشقيري وبدعم من القائد جمال عبد الناصر.

يقول سماحة الحاج أمين الحسيني: وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم دعايتهم المضللة على الإدعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية، ورفضوا جميع ما تقدم به الإنجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين( ومنها التقسيم) خلال عهد الانتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا: أنه لو قبل المفتي والزعماء الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما وقعت نكبة فلسطين. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند بعض العرب، بل بعض الفلسطينيين أنفسهم، فجعلوا يرددون تلك الدعاية، ويعتقدون صحتها، وكان عدم معرفة هؤلاء- ولا سيما الناشئة الأحداث من الفلسطينيين ، وغيرهم من العرب – بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ، وعدم اطلاعهم على تلك العروض والحلول البريطانية من العوامل التي جعلتهم يصدقون تلك الأضاليل بحسن نية. (1)

كان الكاتب الصحفي، عضو اللجنة التنفيذية السابق ، وأحد قادة الجبهة الديمقراطية السابقين، الأستاذ بلال الحسن، أحد الذين تقرّبوا من سماحة الحاج أمين، وسأله كثيرا حول فصول القضية الفلسطينية، وسمع منه أسرارا حول القضية الفلسطينية. ولقد سألته ذات يوم إن كان سمع مباشرة عن رأي سماحة الحاج في موضوع قرار التقسيم، فأجابني – وهو حي يرزق، وأرجو أن ذاكرته بخير كما أعهده – بان الحاج أجابه باستفاضة ووضوح، وبلا حرج، بما يلي، أولاً: كان ( كل) شعبنا العربي الفلسطيني يقيم في مدنه وقراه، ومنذ ألوف السنين، وكان يقاوم بريطانيا والتسلل الصهيوني، في هبات وثورات، ولم يستسلم للاحتلال الإنجليزي، وكل المؤامرات التي استهدفت عروبته وأرضه. ثانيا: هل كنتم تطلبون من القيادة الفلسطينية أن تأمر عرب فلسطين بتسليم مدنهم وقراهم لليهود ليؤسسوا لهم دولة؟! وهل هكذا تكون القيادة قيادة وطنية؟ وهل كنتم تتوقعون من شعبنا أن يستجيب وينفذ..أم أن يسحل قياداته في الشوارع بحكم الخيانة الوطنية؟ ثالثا: هل كنتم تتوقعون أن تمنح العصابات الصهيونية وبريطانيا وأمريكا والقيادات العربية المتآمرة للفلسطينيين دولة مستقلة؟! كيف واصلت دولة العدو الصهيوني الاحتلال حتى بعد توقف حرب ال48 ؟ ولماذا لم تساعد الدول العربية الفلسطينيين على مواصلة المقاومة والقتال..وتدعمهم..وتفرض دولة عربية بالقوة على أرض فلسطين؟!

إن أخطر من روّجوا للدعاية التي نالت من الحاج أمين والقيادة الفلسطينية، وهي نفس دعاية الحركة الصهيونية وبريطانيا المجرمة، هم أدعياء ( يسار) متمركسون، وهؤلاء قدموا الغطاء لخطاب جهات فلسطينية بعينها، هي التي قادت، وهي التي وضعت يدها على القرار، وهي التي أبرمت اتفاقات أوسلو التي أخذت شعبنا وقضيتنا إلى هذا المأزق المظلم الذي غاب عنه أدنى بصيص ضوء.

في 22/7/ 2009 صرّح البروفسور بن تسيون نتينياهو، والد بنيامين نتنياهو، للقناة السابعة الصهيونية، بأن ابنه يضحك على العرب، وأنه لن يمنح الفلسطينيين دولة ، وأنه سيطرح عليهم شروطا تعجيزية لن يستطيعوا قبولها. ( 2)

قبل تصريح والد نتنياهو، وضع مناحم بيغن بنفسه برنامج حزب الليكودعام 1977 الذي يمنح فيه للفلسطينيين حكما ذاتيا لأنفسهم..حكما ذاتيا فقط، وهو ما وضّحه للسادات بحزم عندما فاوضه في كامب ديفد!

ما يفعله نتنياهو الذي صرّح قبل أيام قليله بأنه في حال فوزه رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني فسيضم الأغوار بالكامل، وشمال البحر الميت ( لإسرائيل)، ناهيك عن وعده بضم ( كل) المستوطنات في الضفة الفلسطينية!

قد يقال: هذا تطرف، وفي حال فشله وخسارته الانتخابات فلن يحدث هذا، وسيبقى الأمل بدولة فلسطينية ( حيّا) في نفوس ( القادة) الواقعيين !!

هل ستأتي قيادة صهيونية ( معتدلة) تمنح الفلسطينيين دولة عاصمتها القدس..حبا بالسلام، واستجابة لنداءات دولية، ومناشدات ( عربية) تافهة منافقة، يطلقها غالبا حكّام دول التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتبعية المستخذية أمريكيا؟!

لقد قدمت القيادة الواقعية، العملية، الأكثر( شطارة) من قيادة الحاج أمين الحسيني، وحكومة عموم فلسطين التي قادها المناضل أحمد حلمي عبد الباقي..تنازلات ما بعدها تنازلات، فماذا جنت وحققت لشعبنا الفلسطيني؟!

هل تغيّر نتنياهو سيفتح الطريق إلى الدولة الفلسطينية على 22% من أرض فلسطين ( مع تبادل) بعض الأراضي؟!

هل كان رابين، وبيريز..سيمنحان القيادة الواقعية، قيادة سلام الشجعان، دولة فلسطينية؟!

هل كان باراك على استعداد لمنح ( أبوعمّار) دولة فلسطينية في مفاوضات كامب ديفيد برعاية كلنتون؟!..أم إن خاتمة تلك المفاوضات ( دس) السم لأبي عمّار الذي لم يستطع الاستجابة لطلبات باراك وكلينتون، هي استسلام تام، وتنازل تاريخي؟!

إلى أين جرجرت ( الواقعية) القيادة الفلسطينية الراهنة، ومعها( القضية) الفلسطينية..وإلى أين أخذت الشعب الفلسطيني؟!

اعتذروا للقيادة الوطنية الفلسطينية التي لم تقع في وهم ( فخ) دولة التقسيم..التي ما كان لها أن ترى النور، والتي كانت ستؤدي بالقيادة الوطنية للخيانة بسذاجة، وللشعب الفلسطيني بالتخلّي عن مدنه وقراه، وأرض أجداده بحجة ( الواقعية) والرضي بما قسّمته بريطانيا، ومعها دول كبرى اتفقت على منح ( اليهود) دولة بشهية مفتوحة على التوسع، بما قدّم لها من سلاح ومال..من بريطانيا، وأمريكا، وفرنسا..ومن الاتحاد السوفييتي الذي بدّل موقفه من معارض للتقسيم ومطالب برحيل بريطانيا عن فلسطين..إلى منحاز للتقسيم، وهم ما دفع ( بعصبة التحرر الوطني الفلسطيني) لتبديل موقفها من رفض التقسيم إلى التبشير به وتبنيه تبعية لموسكو.

ألم تقتنعوا بعد بأن طريق أوسلو لا يؤدي إلى دولة فلسطينية؟!

حتى ب 22% من أرض فلسطين لا يعطون الفلسطينيين دولة!!

لا، لم يكن الحاج أمين الحسيني، والقيادة الوطنية الفلسطينية..متطرفين، بل كانوا وطنيين مخلصين، عربا أقحاحا، تآمر عليهم أعداء تحالفوا لفرض المشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي، وكانت قواهم أكبر بكثير من طاقة وقدرات شعبنا في تلك اللحظة التاريخية بكل ملابساتها.

لا خيار سوى العودة لجذور الصراع، وتحديد الأعداء، والسير في طريق جوهره الوحدة الوطنية، والفرز بين الأصدقاء والأعداء، ووضع القضية الفلسطينية في موقعها الصحيح: صراع وجود مع المشروع الصهيوني..حتى تحرير فلسطيني، وعودتها قلبا للوطن العربي مشرقا ومغربا.

—————————————–

1-كتاب ( حقائق عن قضية فلسطين) صرح بتا سماحة السيد محمد أمين الحسيني ، مفتي فلسطين ، ورئيس الهيئة العربية العليا. أصدره مكتب الهيئة  العربية العليا – القاهرة 1956

2 – كتبت مقالة آنذاك نشرتها القدس العربي، وقد ذكرني بها الباحث المختص بالشأن (الإسرائيلي) الصديق نواف الزرو في مقالة له قبل أيام…