الأرشيفوقفة عز

أسعد كعوش -الحلقة الثانية- إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

في الوقت الذي بدأ فيه الأستاذ أسعد كعوش التدريس في مدارس الوكالة اندلعت هبة نيسان 1969 حيث استشهدت مجموعة من شباب المخيم والمخيمات الأخرى وجرح العشرات. تم دفن الشهداء في ساحة مجمع المدارس على مدخل المخيم الفوقاني الشمالي، لتبقى فترة طويلة من الزمن مزارا وطنياً لجماهير شعبنا الفلسطيني في عين الحلوة وبقية المخيمات. كُنا نرى القبور كل يوم تقريباً نحن تلاميذ مدرسة قبية ور فاقنا في مدرسة الفالوجة وزميلاتنا التلميذات في مدارس البنات. بعد الهبة انتهى زمن المكتب الثاني وعملاؤه وجاء زمن الثورة وفصائلها. ففي بداية السبعينيات تمركزت وتوسعت الفصائل الفلسطينية في المخيمات وفي عين الحلوة بالذات، فهو أكبر مخيمات لبنان.

كان الشباب الفلسطيني والفتية والفتيات ينتظرون الثورة ويتوقون للالتحاق بها. في ذلك الوقت المبكر أدركت فتح بإمكانياتها أنه من الأفضل إقامة معسكرات لتدريب جيل العودة والتحرير. فأفتتحت أول معسكر لتدريب الأشبال والزهرات في المخيم، وهو المعسكر الذي كان يقع بالقرب من خطة السكة الحديد عند التعمير، وبالقرب من ملعب الكرة (الفوتبول) عند السكة، وغير بعيد عن المدخل التحتاني الشمالي للمخيم. استقطب المعسكر أعداداً ضخمة من أطفال وفتية وفتيات المخيم، أشبال وزهرات من مخيم عين الحلوة. فأصبح مثل المدرسة بالنسبة للبعض بل للكثيرين، يذهبون الى هناك لتلقي التدريب.

أعتقد أن الأخوات نجاة يونس ويسرى عبد الحميد وعطاف أم سهيل تعرفن أكثر مني حول هذا الأمر إذ كن في المعسكر في ذلك الزمن المخيمي الثوري الجميل. استمر المعسكر في العمل حتى تم تدميره من قبل قوات الغزو الصهيوني للبنان صيف سنة 1982. لقد تخرج منه مئات الأبطال الشهداء والأحياء ومثلهن من الزهرات والأخوات المناضلات ومنهن الشهيدات.

في ذلك الوقت ربما في منتصف السبعينيات من القرن الفائت بدأ الأستاذ أبو العبد كعوش بتدريب مجموعة من زهرات المعسكر على الدبكة والغناء. لا أدري هل كان أستاذنا عضواً في حركة فتح أم أنه اكتفى بأن يكون مناصراً للحركة. فقد كان معروفاً عنه تعاطفه ومناصرته لفتح. في ذلك الوقت كانت الغالبية الساحقة من المعلمين تنتمي لفصائل فلسطينية مختلفة فيما أكثريتهم كانت تنتمي للجبهة الشعبية أو لحركة فتح. كذلك نحن التلاميذ والطلبة والتلميذات والطالبات كُنا مثلهم ننتمي للفصائل أو نناصرها ونفضل تنظيم معين على الآخر.

في ذلك المعسكر كانت هناك مجموعة من الزهرات من مخيم عين الحلوة سأذكر فقط أسماءهن بدون ذكر أسماء عائلاتهن لأنني لم استشرهن قبل كتابتي هذا الموضوع باستثناء حديثي يوم أمس مع الأخت عطاف. أفعل ذلك كي لا يحدث أي سوء فهم. على كل حال هناك من الزهرات اللواتي كن في الفرقة تحت تدريب وإدارة الأستاذ أبو العبد كعوش، الأخوات: عطاف، هيام، إلهام وحنيفة. هذه الأخيرة أي “حنيفة” كانت صاحبة صوت جميل جداً بحسب الأخت عطاف، كما كانت دائماً تنشد أغنية: “يا بندقيتنا يا رفيقة ثورتنا”. لكن عطاف مثلي تماماً لم تعد تذكر الآن من هو صاحب الأغنية، الأستاذ أسعد كعوش أم غيره من الفنانين.

أما عن الأستاذ أسعد كعوش والتزامه الوطني والفني تقول الأخت والرفيقة والجارة والصديقة عطاف: أسعد كعوش انسان رائع، كان مدربنا بمعسكر الأشبال في مخيم عين الحلوة. كما كانت لدينا فرقة فنية كان هو مدربها. لقد كتب عدداً كبيراً من الأناشيد والأغاني أتذكر منها الآن:

“يا عمي

 يا أبو محمود

 خليك صاحي

 إوعى تنام

اشعلها نار

وبارود

 ولا ترضى

 بالاستسلام”.

كما كتب:

“أحفر خندق يا محمود وهات البارودي”.

تجدر الإشارة الى أن هناك أغنية شهيرة للأستاذ أبو العبد كعوش غنيناها كلنا في طفولتنا وصبانا بالمخيم، وهي أغنية وطنية تحكي عن بطولات الفدائيين وتصديهم للغارات والطائرات الصهيونية جاء فيها:

“بالميم طا تصدينا وردينا

سقّطنا الفانتوم

يا أبو عمار بإيدينا”.

أتذكر أنا كاتب هذه السطور أن اسم القائد في الأغنية المذكورة كان يتغير بحسب المناسبة والجهة الداعية للحفل أو الحضور وحسب ميولها السياسية والتنظيمية. مثلاً إذا كان الجمهور مُقرب من الجبهة الشعبية وقوى جبهة الرفض تصبح الجملة الأخيرة:

“بالميم طا تصدينا وردينا

سقّطنا الفانتوم

يا أبو ميسا بإيدينا”.

أما أبو ميسا (أبو ميساء) فهو الزعيم الراحل الحكيم جورج حبش. مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد أهم القادة الفلسطينيين والعرب في العصر الحديث.

تبديل الأسم في الأغنية يدل على عقلية الأستاذ أسعد كعوش الوحدوية. فقد حرص على الوحدة الوطنية الملتزمة بفلسطين وبندقية الفدائي ودماء الشهداء وتضحيات شعبنا. فأنشد لكل التنظيمات ولكل الفدائيين والفدائيات، مبجلاً البطولات ومذكراً بالتضحيات وبرموز الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية.

برز أسعد كعوش بقوة اثناء صمود وحصار وسقوط ومجزرة ومذبحة مخيم تل الزعتر الذي سقط في 12 آب 1976 بعد شهور من الصمود الاسطوري. فقد صمد وصبر وقاتل أهل المخيم والمدافعون عنه حتى الاستشهاد. يومها كتب وأنشد أبو العبد كعوش واحدة من أكثر أغانيه شهرة ومكانة في وجدان وعقول الشعب العربي الفلسطيني وأهالي المخيمات الفلسطينية في لبنان.

يقول مطلع الأغنية:

“يما من تل الزعتر بكتبلك رسالة

من شادر لونه أخضر بوصفلك هالحالة…”

هذه الأغنية أحزنت وأبكت الفلسطينيين وكانت بنفس الوقت عاملاً مُحَفزِاً للفدائيين في معاركهم وقتالهم.

بعد سقوط المخيم بوقت قليل سافر وفد فلسطيني من معسكر الأشبال والزهرات في عين الحلوة الى موسكو، كانت من ضمنه بعض زهرات فرقة معسكر الأشبال. من المسافرات مع الوفد الى الاتحاد السوفيتي كانت يومها الأخت عطاف التي أنشدت أغنية تل الزعتر لأسعد كعوش، هي ورفاقها ورفيقاتها من الأشبال والزهرات. أنشدن وأنشدوا على مسامع السوفييت ووفود عالمية كانت هناك سنة 1976. فلاقت الأغنية صدى كبيراً وانتشرت في العالم وبالذات بين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في دول العالم أجمع وخاصة بين الفلسطينيين أنفسهم. في ذلك الوقت بدأ الأستاذ أبو العبد كعوش ينتقل من حدود المخيمات ولبنان الى العالمية، حيث كانت أغانيه ترافق ثورة شعبه للتعريف بالقضية الفلسطينية.

في الحلقة الثالثة سنواصل الحديث عن الأستاذ أسعد كعوش وفرقته، كذلك عن فنانين وعازفين شاركوه في الحفلات والأغنيات والمناسبات في المخيمات. لذا إبقوا وابقين معنا من خلال مجموعة ذاكرة مخيم عين الحلوة وأهل الصفصاف في فيسبوك.

20-1-2022

أعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

رابط للحلقة الأولى: