الأرشيفوقفة عز

الأستاذ والفنان أسعد كعوش – أبو العبد – الحلقة الأولى- إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

الأستاذ أسعد كعوش من مواليد سنة 1940 في بلدة ميرون الجليلية الفلسطينية، جارة بلدتنا الصفصاف عند جبل الجرمق، على تخوم مدينة صفد الرابضة في أعالي الجليل، تجاور إزرقاق السماء وتوهج شمس بلاد الشام وهلالها الخصيب. تعتبر بلدة ميرون من البلدات الفلسطينية السياحية الساحرة ولازالت كذلك حتى يومنا هذا تحت الاحتلال الصهيوني، حتى أن اليهود الصهاينة يسمون الجبل من جهتها بجبل ميرون حيث يذهبون للتزلج.
الفنان الأستاذ أسعد كعوش –أبو العبد- غادر ميرون طفلاً، لاجئاً الى لبنان. هناك بقيت عائلته فترة من الزمن في بلدة جويا الجنوبية اللبنانية، كما بعض عائلات الصفصاف مثل آل حمد في ذلك الوقت. ثم انتقلت واستقرت في مخيم المية ومية الصغير المجاور لمخيم عين الحلوة في مدينة صيدا الجنوبية اللبنانية. أما هذا المخيم القائم على تلة جبل صغير مُطِل على مخيم عين الحلوة، كما صفد عاصمة أعالي الجليل التي كانت تطل على قراها الساحرة. هذا المخيم هو مخيم المية مية ويمكن تسميته مية ومية كعوش كما كان الناس يسمون بلدة الأستاذ أسعد “ميرون كعوش”.
لازال أستاذنا أبو العبد يتذكر كل الأحداث التي عاشها طفلاً في بلدته الجليلية. يتذكر معصرة الزيتون والمعبد الروماني وساحة البلدة وكروم الزيتون والتين وجبل الجرمق أعلى جبال فلسطين. وصولاً الى بدايات الرحيل واللجوء الإجباري الى لبنان، فالسكن في بلدة جويا قضاء صور حيث بدأ الدراسة، ثم تابع دراسته الثانوية في مدرسة المية ومية التابعة للاونروا، لينتقل بعدها الى كلية المقاصد الاسلامية في صيدا وليتخرج منها عام ١٩٦٠. فيما بعد أنهى دار المعلمين في معهد سبلين عام ١٩٦٣ ثم التحق في جامعة بيروت العربية وتخرج منها سنة ١٩٦٩.
في العام ١٩٦٥ بعد تخرجه من معهد المعلمين في سبلين بدأ رحلة التعليم في مخيم الرشيدية وبقي فيه حتى سنة النكسة العربية ١٩٦٧، ثم انتقل الى مخيم عين الحلوة وتابع تعليمه في مدرسة قبية الابتدائية حتى عام ١٩٩٠، أما أنا كاتب هذه السطور فقد كنت من تلامذته بين 1969 و1974. انتقل بعد مدرسة “قبية” للتعليم في مدرسة “صفد” في مخيم المية ومية حتى عام ٢٠٠٠ وأحيل بعدها الى التقاعد.
كل انسان يبدأ حياته بحب شيء ما ويتعلق به فيما بعد، فبعض الناس ينجحون ويتألقون ويستمرون وبعضهم يتوقفون في لحظة ما. أما أستاذنا فقد عشق الفن والغناء والموسيقى منذ طفولته. فعندما كان في الصف الثاني الابتدائي في قرية “جويا” الجنوبية اللبنانية، يعني سنة 1950 أو 1951، قام طلاب الصف بمرافقة معلمهم برحلة خارج القرية. عندما جلسوا تحت شجرة قرب نبع ماء، أخذوا يلعبون ويمرحون ثم بعدها جلسوا للاستراحة، فطلب المعلم من كل تلميذ أن يقوم بشيء من الرقص أو الغناء أو الدبكة حسب رغبته.
تقول هديل حفيدة الأستاذ أسعد كعوش أن جدها قال للمعلم أريد أن أسمعك بيت عتابا أي موال فلسطيني، فغنى التلميذ أسعد كعوش مواله، الذي نال إعجاب المعلم كما صوت أسعد الصغير فقال له: “صوتك جميل عليك أن تحافظ عليه، إياك والتدخين”.
سمع جدها الوصية ولم يدخن وعندما انتقل من بلدة جويا الى مدينة صيدا تعرف إلى أحد الفنانين في المدينة ودرس عنده العزف على العود. من هناك انطلق الأستاذ أسعد الى الحفلات والأعراس التي كانت تقام في المنطقة في صيدا والمخيمات. لا يوجد أحد من جيلي والأكبر والأصغر مني قليلاً في مخيمي عين الحلوة والمية ومية، لم يعرف الأستاذ أسعد كعوش أو لم يحضر له حفلة في المخيم، سواء في عرس أو في مناسبة فنية، وطنية أو ثقافية.
بعد تحرر المخيمات الفلسطينية من ظلم وقمع المكتب الثاني اللبناني الذي كان اعتقل وعذب وقتل الشهيد القائد الرمز جلال كعوش قريب الفنان أسعد كعوش، انطلقت ثورة المخيمات فتم تحريرها من المكتب الثاني ودخلت الفصائل الفلسطينية الى هناك. في ذلك الوقت أسس أبو العبد فرقة فلسطينية للدبكة والفولكلور الفلسطيني الشعبي وكان مجال عمله في الأغاني الفلسطينية الثورية والوطنية الملتزمة بالقضية الفلسطينية. بالإضافة لمشاركاته وأحياؤه أفراح وأعراس أهالي المخيمات وبالذات في عين الحلوة والمية ومية.
في مرحلة من مراحل النصف الثاني من سبعينيات القرن الفائت قام الأستاذ أسعد كعوش بتدريب فرقة من زهرات معسكر أشبال وزهرات فتح في مخيم عين الحلوة سنتحدث قليلاً عنها في الحلقة الثانية. كما قام أستاذنا الفنان بين عام ١٩٧٠ وسنة ١٩٩٠ بعدد من الرحلات الفنية خارج لبنان، مثل سوريا والخليج وليبيا وإيطاليا والدنمارك وغيرها من البلدان الأخرى.
في مقابلة له مع تلفزيون “فلسطيني” قبل عامين قال أن له أم هنا في لبنان وأم هناك في ميرون. مع الأم الثانية عاش فقط 8 سنوات لكنها رافقته ولازالت معه وترافقه في كل لحظات حياته. فقد أنشد وغنى لها طوال سنوات الشتات واللجوء. إنها أمه -أمنا كلنا- فلسطين. فلطالما حلم بالعودة الى جبل الجرمق وميرون والجليل وكل فلسطين، وقد عبر عن ذلك في مواويله وأغانيه مثل مواله الشهير الذي حفظناه عن ظهر قلب منذ طفولتنا:
“يا جرمق
يا جرمق
عانق الجرمق
جبلنا
يا كرمل
يا كرمل
عانق الجرمق
جَبَلنا
ترابك بدمِ الشهدا جَبَلنَا”.
أو أغنيته المتوهجة إحمراراً والتي تُدمي القلوب وتُدمع العيون عن مخيم تل الزعتر وما حل به. أنظروا لهذا المقطع من الأغنية:
“يما من تل الزعتر
لأكتب لك رسالة
ومن شادر لونه أخضر
لأوصف لك هالحالة”
في الحلقة الثانية سوف نكمل حديثنا عن أغنية تل الزعتر وعن الأستاذ أبو العبد كعوش وأغانيه وحضوره الفدائي المخيمي.

أعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
19-1-2022