الأرشيفوقفة عز

محمد بدران فدائي من مخيم برج البراجنة – نضال حمد

محمد بدران الفتى المتوهج، المتحرك، السريع، المتدفق طاقة، الذي قضى حياته متنقلا هنا وهناك، بين المواقع الفدائية والميادين القتالية والجبهات الفدائية. من بيروت الى الجبل والجنوب، مقاتلاً مدافعاً عن شعبه وقضيته وثورته، متصدياً مع رفاقه لقوات الغزو الصهيوني في اجتياح 1978 أما في الغزو سنة 1982 فقد كان موعده مع الرحيل الى العالم الآخر.

فجأة وفي لحظة لم يكن هو يتوقعها ولا كنا نحن رفاقه نتوقعها تصيبه رصاصة قناص فتجعله مشلولاً لا يقدر على الحراك. بسرعة البرق تحول الرفيق محمد من انسان مليء بالطاقة والحيوية والنشاط والحركة الى انسان عديم الحركة، انسان فقد قدرته على البقاء كما كان. بعد اصابته قرر محمد بدران، الفدائي الصلب والشجاع أن لا يرى نفسه على هذه الحال ورفض أن يحيا بقية حياته نزيل عربة متحركة مشلول الحركة، فوضع حداً لحياته في لحظة أحزنت كل عائلته وجيرانه وأحبته ورفاقه.

  • ولد الرفيق محمد بدران في مخيم برج البراجنة سنة 1962، أي أنه من جيل أشبال وزهرات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، زعيم القومية العربية. كذلك من الجيل نفسه الذي رأى النور وبدأ حياته على خطابات أحمد الشقيري وجورج حبش وبقية قادة ثورة شعب فلسطين. جيل ابداعات غسان كنفاني وأشعار محمود درويش ومعين بسيسو وتوفيق زياد وسميح القاسم وخالد أبو خالد وعبد الكريم الكرمي – أبو سلمى- وآخرين كثيرين.
  • تعود أصول عائلته الى بلدة كويكات في فلسطين المحتلة، أجبرت العائلة على اللجوء الى لبنان وعاشت في مخيم برج البراجنة منذ النكبة، بعدما أحتل الصهاينة فلسطين سنة 1948.

  • .كان محمد بدران صديقاً للشهيدين الجبهويين الفلسطينيين محمد صادم شحادة، الفدائي الجيفاري، الكادر الجبهاوي، الشهيد في ملحمة بحمدون صيف سنة 1982. وللشهيد محمد عبد العال شهيد معركة حصار بيروت صيف سنة 1982. كما أنه رفيقي وصديق حميم لرفيقي وصديقي جمال أحمد، ابن مخيم برج البراجنة في بيروت وبلدة البصة في فلسطين المحتلة ورفيق المنفى الاختياري، الأوروبي الشرقي، الاشتراكي ثم الاسكندنافي. كان المحمدين صادم وبدران ومعهم الرفيق جمال من كوادر وأعضاء المكتب الطلابي لجبهة التحرير الفلسطينية في مخيم برج البراجنة. شاركوا جميعهم مع رفاقهم في صد الاجتياح الصهيوني لجنوبي لبنان عقب عملية الشهيد كمال عدوان، التي نفذتها مجموعة من حركة فتح بقيادة الشهيدة دلال المغربي.

في نهاية السبعينات وبداية الثمانينيات من القرن الفائت كان هناك موقع لجبهة التحرير الفلسطينية بزعامة الرفيق طلعت يعقوب في حي صفير بالضاحية الجنوبية لبيروت. موقع يقع في نقطة خطيرة جداً، محور تماس مع منطقة مستشفى السان تيريز. أقام الرفاق موقعهم في بناء غير مكتمل وكان بجوار موقع للرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في ذلك الوقت كانت علاقات الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية أي القوات المشتركة تتحول من سيء الى أسوأ مع حركة أمل. وذلك بعد اختفاء وتغييب الامام موسى الصدر في ليبيا. ومع اشتداد ضراوة الحرب العراقية الايرانية. ومع شعور الحركة بأنها قادرة على مواجهة الطرفين متسلحة بالتحريض المذهبي. في ذلك الوقت بدأت حركة أمل تنشط في مناطقها وخاصة في الشياح وبئر العبد وبرج البراجنة، حيث يقع جغرافياً مخيم برج البراجنة. إفتعل مسلحو الحركة عدة اشتباكات مع حزب البعث العربي الاشتراكي – الفرع العراقي، حيث ابتدأوها في موقع جريدة بيروت الناطقة بإسم حزب البعث اللبناني – الفرع العراقي. كما قاموا بحرق بناية جريدة بيروت بمن فيها من المدافعين عنها، بعد أن فشلوا في اقتحامها والاستيلاء عليها. أذكر أنه اثناء فترة حرب المخيمات الظالمة والمؤسفة، الوحشية بكل معنى الكلمة، طرح عقل حمية أحد أهم القادة العسكريين لحركة أمل، وكان من أشد المعادين للفلسطينيين ومخيماتهم، طرح فكرة حرق المخيمات المحاصرة لفك عقدة عدم التمكن من اقتحامها وكسر صمودها واحتلالها.

بعد أيام من سيطرة مسلحي الحركة على مقر جريدة بيروت وحزب البعث هاجمت مجموعات القناصة من منطقة بئر العبد موقعي الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الفلسطينية. يقول صديقي جمال: في ذلك اليوم أنا لم أكن موجوداً هناك حيث كان يوم اجازتي. أما الرفيق محمد بدران فقد صعد الى أعلى المبنى لمعرفة ما الذي يجري هناك وللرد على مصادر النيران التي استهدفت الموقع. وصل الى الطابق الرابع أو الخامس وكان بحوزته قاذف بي سفن – ار بي جي –  عند محاولته التعامل مع موقع القناصة عاجله أحدهم برصاصة دخلت من أعلى صدره وخرجت من أسفل ظهره. رصاصة القناصة كانت أسرع من الرفيق محمد. للأسف أدت الى شلل نصفي بعد أن قطعت النخاع الشوكي”..

منذ ذلك اليوم تبدلت حياة محمد بدران رأساً على عقب. فأصبح جليساً وحبيساً على الكرسي المتحرك، لا يستطيع الحركة. وهو الشاب الذي عرفه رفاقه في الجبهة شاباً متمرداً على الواقع وذكياً في دراسته وملتزماً بقضيته وحريصا على وحدة الشعبين اللبناني والفلسطيني ووحدة الدم والمصير الواحد المشترك، ووحدة شرفاء وأحرار هذه الأمة من محيطها الى خليجها ومن خليجها الى محيطها، بعيداً عن التعصب المذهبي والطائفي. أصعب ما عاشه محمد بدران أنه أصيب برصاص عربي وليس برصاص صهيوني. ساهم ذلك الحدث في التأثير كثيراً على شخصية محمد وطريقة حياته وتفكيره بعد الاصابة والشلل. ..

بعد ذلك حاول أن ينتحر عدة مرات بسبب وضعه الصحي وعدم تعايشه مع حالته الجديدة وشلله الأبدي. في هذا الصدد يقول الرفيق جمال: “كنا دائماً في رفقته وكنا دائماً حذرين من أن يجلس محمد بالقرب من أي سلاح أو قطعة سلاح، مسدس، كلاشنكوف الخ.. لأننا كنا نعلم رغبته في وضع حد لحياته وأنه سوف يستخدمها في ايذاء أو قتل نفسه.

يضيف الرفيق جمال: بعد ذلك غادرت أنا الى بولندا في أواخر عام 1981 للدراسة في جامعاتها وبعد ذلك انقطع الاتصال بيننا. وغابت أخباره عني. في وقت لاحق علمت من بعض الرفاق في مخيم برج البراجنة أن محمد بدران استطاع للأسف أن يصل الى كلاشينكوف اثناء حصار بيروت صيف سنة 1982 وقام بوضع حد لحياته ولعذاباته عبر اطلاق النار على  نفسه.

أما أنا فأتذكر الرفيق محمد بدران بطلاً جبهوياً فلسطينياً وفدائياً في المعارك ورجلاً في المواقف وثائراً مثقفاً. سوف تبقى ذكراه حاضرة معنا مدى الحياة.

  • في الصورة الشهيدان محمد صادم شحادة ومحمد عبد العال والرفيقان أبو رفيق وعواد الكوبي. للأسف لا صورة متوفرة للرفيق محمد بدران.

نضال حمد

1-03-2021