وقفة عز

هشام البستاني وردة في بستان الحرية

نضال حمد 

في بلادنا العربية لازال السجن أهم من المدرسة والسجان أكثر احتراما من المعلم هذا الذي كاد أن يكون رسولا. هناك على الضفة الأخرى من نهر الأردن يقبع الدكتور هشام البستاني نزيل السجن لمجرد أنه كتب مقالة سرد فيها واقع أحد السجون في المملكة الأردنية. وكانت مقالته التي نشرت في مجلة الآداب سببا مباشرا لمنع توزيع العدد في المملكة.

أتدرون ما كتب المعتقل، سجين الرأي، ونزيل سجن الحريات المقموعة في بلد كنا توقعنا أنه خطا خطوات هامة في الطريق الصحيح والسليم نحو حرية الرأي والكلمة؟.

كتب عن السجن الذي يعامل المعتقلين معاملة غير إنسانية … كتب ما رآه خلال زيارته لسجن الجويدة، حيث لا إكرام للمرء بل إهانة وحط من قيمة المعتقل وتنكيل نفسي وقمع لا إنساني.

هناك كنا نعتقد أنه اصبح للصحافة حرية تستطيع الاعتماد عليها في بلد لم يتوانى عن زج نائبة في البرلمان في السجن لمجرد تعبيرها عن رأيها بكل راحة ضمير.

أيها الرقيب وأيها المراقب،

 أيها السجان…

 يا سادة عصر الظلمات وأعداء النور والحريات!

الرسالة الصحافية والإعلامية، الإنسانية النبيلة، لا تعترف بالشرطي الذي  يراقب حبات الأرز والذرة المتناثرة على أصابع أيدي الأطفال الجياع وفوق صدورهم العارية. ولا تقبل بوجود المخبر الذي يعد أرغفة الخبز في الأفران الخاوية. كما لا ترضى بالمقص الذي يقص ويحذف كل ما يراه يضر بالحكومة والحكم.

إذا كان الرقيب موجودا والمقص فعالا ويقص حسب أهواه مستخدمه فلما إذن الصحف والمجلات والجرائد؟…

فلتقفل كلها ليعرف الناس أن مجلة واحدة تكفي عن كل المجلات الباقية ما دامت صفراء وبلون واحد وحيد وتنطق باسم المراقب والرقيب والحاكم …  انه الحال مع الصحيفة الواحدة الوحيدة مادامت تعبر عن رأي الرقيب والمقص الرهيب… فإما أن نتباهى بالحريات الشكلية، وبحرية الرأي والتعبير، ثم نقوم بسجن الصحفي أو مراسل التلفزة ،لأنه نقل صورة حية ومباشرة عن القمع والعجب العجاب، في سجن تابع للدولة، أو عن جهاز أمن وشرطة، انحرف عن مساره أو تجاوز صلاحياته في التعامل مع أبناء الشعب.

 في معتقلات وسجون العرب حيث تهان إنسانية المرء وتهان كرامة المواطن وتلعن آرائه وتكفر وتصبح بفعل الرقابة مسمومة، لأنها لا تتوافق وسياسة النظام وانعدام رضا الحكام.

هل من المعقول أن نطالب الغير بإحترامنا ما دمنا نحن لا نحترم الكتاب والصحافيين في بلادنا. لم يعد لنا سوى أن نقول وداعا أيتها الحرية المنتقصة فلن تشهدي موت ضمائرنا ولا سقوطنا في وحل التخلف ومستنقعات الغيب، التي تسيطر على ساحاتنا في ظل اغراءات الذين يسيطرون على الحكم بإسم الشعب رغما عن إرادة الشعب.

لقد شرخت مرآة الحرية شرخا كبيرا عندما وضعت الأغلال في أيدي الزميل هشام البستاني. ولا تلتئم تلك الشروخ إلا بحرية البستاني و إطلاق الحريات لكي تنتعش الروح في بلادنا العربية. ولكي نبني مدرسة بدلا من السجن ونصنع ألعابا للأطفال بدلا من الأغلال.

 

29-12-2002