وقفة عز

أوروبا تساعد الموساد والعرب هم الضحايا

 نضال حمد

كتبت صحيفة “‘صنداي تايمز” أن رئيس الوزراء (الإسرائيلي)، بنيامين نتنياهو صادق على العملية بعد اطلاعه على تفاصيلها خلال زيارته لمقر الموساد شمال تل ابيب.

فيما قالت صحيفة “تلغراف” إن الموساد قام بتصوير جوازات السفر البريطانية في مطار “بن غوريون لإستعمالها في العملية. وأضافت صنداي تايمز ” بارك نتنياهو العملية قائلاً لأفراد الخلية (“شعب اسرائيل يثق بكم، بالتوفيق”)

 إذن اتضح الامر فالعملية الارهابية الاجرامية الاستخباراتية نفذتها على ما يبدو وحدة كيدون في جهاز الموساد الصهيوني وأودت بحياة القائد الحمساوي محمود المبحوح في أحد فنادق امارة دبي .. وهذا الأمر يعني أنها أسست لبداية مرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني. ولهذا لا بد للقادة .

لهذا لا بد للقادة الفلسطينيين والعرب الذين يتبنون نهج المقاومة أن يستعدوا لما هو أصعب وأخطر في الأشهر القادمة. فالكيان الصهيوني لا ينقل المعركة الى خارج فلسطين المحتلة إلا بعد أن يكون استعد لهذا الأمر طويلاً وأعد قائمة باسماء الذين ينوي تصفيتهم. وقد فعل ذلك في مراحل سابقة حيث قام باغتيال عدد كبير من القادة الفلسطينيين خارج فلسطين المحتلة. ببساطة ان عملية الاغتيال في دبي تعتبر تجديدا لنهج قديم لم تتخلى عنه الاستخبارات الصهيونية في يوم من الايام. انه النهج الاجرامي الارهابي الذي اغتال غسان كنفاني، ابو جهاد الوزير، باسل الكبيسي، ابو حسن سلامة، وعشرات الشخصيات الفلسطينية والعربية.

إذا أردنا أن نحدد البداية الفعلية للمرحة الجديدة تلك فهي بدأت بالفعل ، بعمليات عديدة قبل مطلع الألفية الجديدة، طالت العديد من قادة المقاومة في فلسطين ولبنان. ونستطيع القول بأنها أخذت خطاً تصاعدياً يوم تم اغتيال الشهيد القائد ابو علي مصطفى في مكتبه برام الله. ثم اتسعت وأمتدت لتطال عشرات القادة والكوادر الفلسطينيين، حسين عبيات و د. ثابت ثابت من فتح، ومعظم قادة حماس من الصف الأول والثاني في الضفة والقطاع، فطالت الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، والدكتور عبد الرنتيسي أحد أهم قادتها على الاطلاق، واسماعيل أبو شنب وصلاح شحادة وابراهيم المقادمة، وجمال سليم ويحيى أبو عياش وأبو هنود ونزار ريان وسعيد صيام وعشرات غيرهم من حماس والجهاد والفصائل الأخرى مروراً باغتيال القائد العسكري للجبهة الشعبية القيادة العامة جهاد جبريل في بيروت، وهو نجل القائد المناضل أحمد جبريل أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. وطالت كذلك بعض كوادر حزب الله اللبناني وقائده العسكري الشهيد الحاج عماد مغنية وقبله الأخوان محمود ونضال المجذوب في مدينة صيدا جنوب لبنان، وهما من قادة حركة الجهاد الاسلامي الفلسطيني في الساحة اللبنانية. وتوجت باغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله، على ما يبدو بمشاركة وتواطؤ من قبل بعض العملاء الفلسطينيين المحليين. وهؤلاء ينقسمون الى نوعين من العملاء الكبار والصغار.. الكبار ومنهم من كبر في العمالة من أيام لبنان وتونس وقبل العودة عبر بوابة أوسلو. كما هناك من الصغار من جعلت منهم عملية السلام والتنسيق الأمني عملاء من حيث يدرون أو لا يدرون.. ويحضرنا هنا قول فهمي شبانة في مؤتمره الصحفي بعدما قام بفضح رفيق الحسيني مدير ديوان رئيس السلطة محمود عباس.. ” كلنا عملاء من حيث ندري أو ندري “، كان يقصد بكلامه المخابرات الفلسطينية والأمن الفلسطيني، وذلك بسبب التنسيق الأمني مع الاحتلال.

هذا الرجل من قادة المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية، إذن يعرف أن التنسيق الأمني يصب في النهاية في خانة العمالة للاحتلال.

شبانة واصل تهديداته بعقد مؤتمر صحفي سيكشف فيه عن ملفات تزلزل السلطة وتنهيها. وبحسب بعض وسائل الاعلام فأن شبانة على ما يبدو يملك ملف اغتيال الرئيس ياسر عرفات… وقد يكون يملك ملفات أخرى تفضح التنسيق الأمني والارتباطات مع الموساد وغيره ..

إذا كان شبانة وطنياً بالفعل ويملك تلك الملفات مطلوب منه أن ينشرها ويقدم كذلك للشعب الفلسطيني حل لغز تغييب أبو عمار.

إن أحدث تطورات اغتيال القائد المبحوح جاءت من سلطات الأمن الألمانية التي رجحت أن يكون “الموساد” خلف اغتيال المبحوح في دبي. وبحسب مجلة دير شبيغل وفي عددها الصادر الاثنين 22 شباط فبراير 2010 فأن وحدة كيدون في ” الموساد” هي التي نفذت العملية. ولهذه الوحدة تاريخ مثير في عمليات التصفية المثيرة. وتطرقت المجلة كذلك الى احتمال استخدام الموساد لجواز سفر الماني حقيقي تم اصداره عام 2009 في مدينة كولونيا غرب ألمانيا. تم منحه لشخص يهودي ” اسرائيلي” أدعى أن أصوله ألمانية. هذا الشخص يدعى ميشائل بودنهايمر وتقدم بطلب الحصول على جواز السفر لدى مكتب سجلات السكان في كولونيا، حيث حصل بسهولة كما كل المهاجرين اليهود على وثيقة السفر الألمانية. ففي دوائر الهجرة واللجوء الألمانية هناك معاملة خاصة للذين هم من أصول يهودية، كما أنه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم.

أصدر جواز سفر لبوندهايمر الذي قدم للدائرة الالمانية وثيقة زواج والديه بالإضافة الى جواز سفر “اسرائيلي” صادر نهاية عام 2008 في تل أبيب. ولم يغب عن باله تذكير الألمان بأصوله الألمانية وبالمطاردة التي تعرضت لها عائلته على أيدي النازيين.

قد يكون كلامه هذا صحيحاً فغالبية اليهود في ألمانيا وأوروبا تعرضوا للاضطهاد والتنكيل والاعتقال من قبل النازيين والعنصريين والفاشيين في ألمانيا وأوروبا.

بعد حصول بودنهايمر على جواز السفر الالماني في 18 حزيران يونيو 2009 اختفت آثاره وكل ما تعرفه السلطات الألمانية عن الرجل ” عميل الموساد” أنه كان في مدينة هرتسليا. هذه المدينة التي يعقد فيها سنوياً مؤتمر هرتسيليا لحفظ الأمن الصهيوني، شارك فيه هذه السنة سلام فياض رئيس وزراء سلطة رام الله. وأحمد الطيبي عضو الكنيست.. هذه المدينة تحمل اسم هرتسليا نسبة لثيدور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية وهو يهودي مجري

على كل فأن المثير في قضية بوندهايمر أن تحريات السلطات الألمانية أظهرت أنه لا يوجد رجل يدعى بودنهايمر تحت العناوين المسجلة رسمياً في كولونيا بألمانيا. لكن هذا الشخص هو الذي شارك في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي. هذه القضية توجب على السلطات الألمانية لو أنها تحترم نفسها وشعبها وأمنها القومي أن تراجع سياستها في منح الوثائق وجواز السفر بسهولة تامة لذوي الاصول اليهودية، حتى لو كانت تفعل ذلك بسبب تاريخ النازية الدموي والهمجي بحق اليهود الأوروبيين. فالعقل والمنطق يقولان بأنه لا علاقة حقيقة لمن أبادتهم أو عذبتهم أو اضطهدتهم النازية بكيان ” اسرائيل ” المخترع، الذي ولد بالحديد والنار والإرهاب والجرائم وبالتجارة بمعاناة اليهود أنفسهم، وبأعمال فاشية قامت بها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، بمساعدة أوروبا وأمريكا، حيث أقاموا هذا الكيان على أرض الشعب الفلسطيني بعد الحرب العالمية الثانية.

لم يقتصر أمر الجوازات الحقيقية التي استخدمتها عصابة الموساد على ألمانيا فهناك جوازات سفر أخرى بريطانية وايرلندية وفرنسية، كلها صادرة بشكل رسمي وبتعاون مع أجهزة المخابرات في تلك البلدان. فبريطانيا التي هي سبب بلاء الشعب الفلسطيني والمعاون الأول للحركة الصهيونية، والتي ساهمت في اقامة وطن قومي لليهود على أرض الشعب الفلسطيني. كما وتسببت بتشريده وفقدانه لوطنه وضياع حقوقه الوطنية. هي شريك في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح. حيث تم ابلاغها قبل تنفيذ العملية بأن الجوازات المذكورة سوف تستخدم في عملية خارجية للموساد. ويجب التذكير أيضاً بأن براون رئيس وزراء بريطانيا الحالي كان رئيساً لجمعية الصداقة البريطانية “الاسرائيلية”. وقبل عدة أسابيع قامت حكومته بتغيير القوانين من أجل حماية القادة الصهاينة من محاكمتهم في بريطانيا على خلفية ارتكابهم جرائم حرب في قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية المحتلة.

الأخطر في كل هذه التطورات هو وجود عملاء فلسطينيين يعملون لصالح الموساد، كانوا ومنهم من لم يزل يعمل في صفوف أجهزة الأمن والمخابرات الفلسطينية، ويتلقون رواتبهم بالرغم من اقامتهم في دول أوروبية تقدم لهم المسكن والمساعدات السخية كما كل اللاجئين السياسيين في أوروبا. القسم الأكبر من هؤلاء غادر غزة بعدما سيطرت حركة حماس على القطاع وأنهت بالقوة الوجود السياسي والأمني لفتح وسلطتها. بعضهم فرّ كما قيادات الأجهزة الأمنية الى خارج القطاع.

يجب أن لا ننسى أن هناك مجموعات كبيرة من الذين عملوا في اجهزة الأمن الفلسطينية غادرت فلسطين وأنتشرت في العالمين العربي والغربي. بكل أسف نقولها أن من بين هؤلاء لا بد أن يكون هناك عملاء للموساد. وسوف يكون لهم دور في أية عمليات مستقلبية يقبل عليها الموساد في جميع أنحاء العالم. انها نتيجة حتمية لانعدام الأفق ولانهيار المشروع الوطني الفلسطيني واستبداله بالعملية السلمية منذ توقيع اتفاقية أوسلو. وللتنسيق الأمني بين الاحتلال والأمن الفلسطيني وللانقسام الحاد في صفوف الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية. على كل حال وبالرغم من وجود عملاء فلسطينيين شاركوا في تنفيذ الجريمة في دبي، يبقى الموساد وقادة الكيان الصهيوني هم المسؤولين عن اغتيال المبحوح. وعلى المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص أن تستعد للمواجهة، وأن تأخذ العبرة من عملية اغتيال الوزير الصهيوني الارهابي رحبعام زئيفي ردأ على اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى.. فتلك العملية المميزة برهنت أن لدى المقاومة الفلسطينية قدرة على الرد بالمثل وبسرعة خارقة.

 

22/02/2010

 

* مدير موقع الصفصاف