وقفة عز

إهانة جديدة لشهداء مصر

نضال حمد

لغاية يومنا هذا مازال مصير مئات الجنود المصريين والعرب والفدائيين الفلسطينيين مجهولاً. مع أن هناك فضائح مدوية حدثت وهزت وطننا العربي من محيطه الى خليجه، مثل جريمة اعدام الأسرى المصريين ودفن الجرحى منهم وهم أحياء في رمل سيناء. معروف أن شارون وغيره من قادة الاحتلال أشرفوا شخصياً على تلك الجرائم. لم نسمع منذ ذلك الوقت أن القيادة المصرية اهتمت بالبحث عن رفاة ومصير جنودها الذين عمدوا بدمائهم ودموع أمهاتهم وذويهم تراب مصر الطاهر. فمن ضيّعوا مستقبل أمة وفرطوا بتاريخها ومصيرها وثوابتها، لن يسألوا ولا يسألون عن شهداء مصر، ولا حتى عن شعبها وأمنها وسيادتها الوطنية. لأن الأهم بالنسبة لهم البقاء في الحكم ومص دم الشعب ببطء شديد..

في مقابل اللامبالاة الرسمية المصرية نجد أن الصهاينة لا يكلون ولا يملون ويواصلون التحريّ والبحث عن رفات جنودهم الذين قتلوا في سيناء وفي كل بلاد العرب وحيث وصلت أقدامهم ودباباتهم وجرائمهم. 

فور انفضاح أمر عمليات البحث والتنقيب (الاسرائيلية) في الاسماعيلية سادت المحافظة حالة من الغضب بسبب ذلك. فعمليات الحفر والتنقيب التي تقوم بها بعثة صهيونية في ساحة مدرسة ” أبو عطوة الثانوية الصناعية للبنات “، تتم للبحث عن رفات لجنود صهاينة فقدوا في الجروب مع مصر عبد الناصر… 

عبر عن الغضب أعضاء في البرلمان المصري وأعتبروا ذلك انتهاكاً للسيادة الوطنية، وطالبوا الرئيس المصري بالتدخل الفوري لوقف تلك الأعمال. وعدم السماح بها مستقبلاً، إلا بعد موافقة الكيان الصهيوني على دخول وفد مصري للبحث عن رفات الشهداء من الأسرى المصريين، الذين دفنتهم في مقابر جماعية بعد ارتكابها جرائم حرب في سنة 1967 .

جاءت تصريحات المصريين كالتالي :

هدد «محمود سليم» وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب، ونائب الإسماعيلية، بالاعتصام أمام مدرسة «أبو عطوة الثانوية الصناعية» التي يجرى فيها الحفر.

عبر «أحمد منسي» نائب الشعب، أمين الفلاحين بالحزب الوطني، عن غضبه مما يجرى، مطالبا بالمعاملة بالمثل والبحث عن رفات الشهداء المصريين من الأسرى في (إسرائيل).

قال الدكتور «إبراهيم الجعفري» نائب القنطرة، إن (إسرائيل) تسعى من وراء تلك الحفريات إلى الدعاية لنفسها والترويج لاحترامها حقوق الإنسان.

اعتبر «صبري خلف الله» نائب الدائرة الأولى بالإسماعيلية، أعمال الحفر أمراً يستوجب محاسبة الحكومة، مؤكدا مشاركته في تقديم البيان العاجل للمطالبة بالوقف الفوري لأعمال الحفر وإلزام (إسرائيل) بتقديم خريطة بمواقع المقابر الجماعية لشهدائنا من الجنود المصريين، سواء في (إسرائيل) أو سيناء، عبر ساحات المحاكم والدبلوماسية الدولية.

طالب الدكتور «حمدي إسماعيل» نائب التل الكبير، بلجنة تقصى الحقائق بمجلس الشعب حول تلك القضية الخطيرة.

مع احترامنا الشديد لهذه المواقف الوطنية الجياشة لكن الشكوى للفرعون مذلة .. ألا يعرف هؤلاء النواب أن مناشدة الرئيس مبارك وقف تلك الأعمال  يبرأ الأخير من الموافقة عليها واعطائه الأوامر بحماية الذين يقومون بها؟

كل الدنيا وغالبية المصريين يعرفون أن رأس النظام في مصر هو الداعي الأول للتطبيع مع الصهاينة وإقامة علاقات طبيعية وفوق العادة معهم. ويحرص هذا الرأس على استقبالهم والالتقاء بهم بشكل دوري، ولا يترك مناسبة إلا وينسق معهم في شؤون ومستقبل المنطقة. وأظهر أكثر من مرة انحيازه الى جانبهم ومارس الضغوطات على الرئيس الراحل ياسر عرفات في شرم الشيخ، وفعل ويفعل ذلك مع رئيس السلطة محمود عباس، ولازال يحاول وضع الفصائل كلها من فتح حتى حماس في جيبه من خلال مهزلة الحوار الوطني برعاية مخابراته.

في كلامكم وردت كلمة (إسرائيل) وتكررت ولم تذكروا أو تسموا ولو مرة واحدة فلسطين المحتلة أو الكيان الصهيوني. أليس هذا نتاج تطبيع كمب ديفيد معكم أنتم البرلمانيين والنُخَب السياسية؟

  إن وجود الكيان الصهيوني يبقى سنداً لاستمرارية حكمه واحتمالية توريثه العرش لأبنائه، وكذلك سلبه أموال الشعب وحريته وحياته الطبيعية. فرأس مصر الحاكم بيدٍ من حديد لا تهمه القضايا العربية ولا فلسطين، لأنه يتبجح بحصاره للشعب الفلسطيني في غزة وبملاحقته للمقاومين الفلسطينيين والعرب، وللناشطين المصريين المؤيدين لتلك المقاومة. حتى أنه تبجح وبلا خجل وبعنجهية باعتدائه على المناصرين الدوليين (شريان الحياة 3 ) وبمعاملته السيئة جداً للنائب السابق جورج غالاوي، الذي تجري في دمه فلسطين العربية أكثر من التي جرت وتجري في دماء المُعتدين …

إن غالوي الذي كان يجب أن يُكرم ويُرحب به من قبل رأس النظام، هذا في حال كان الرأس للجسد العربي، تمت معاملته معاملة سيئة جداً . ليس لشيء سوى لأنه أحد أهم مناصري القضايا العربية في الغرب الأوروبي، والرجل الذي يُعريهم في كل حملة يقوم بها لأجل فك الحصار عن غزة ومساعدة أهلها على الحياة والبقاء والصمود. رأينا كيفية ونوعية المعاملة المصرية للذين يأتون في حملات دولية لنصرة غزة ومن أجل فك الحصار عنها. إنها معاملة لا تختلف كثيراً عن معاملة قتلة الجنود المصريين.

إن النظام في مصر فاسد ومفسد، مهزوم ومأزوم، مستسلم وتابع، وذيل للأمريكان وذنب للصهاينة، فيما فرعونه بالمقام الأول لا يخجل أبداً في سياق تقديمه مبررات وتبريرات تافهة ومخزية لعملية بناء الجدار الفولاذي على الحدود مع القطاع. ويواصل ملاحقته واعتراضه للفلسطينيين كذلك على الحدود والمعابر البريّة وفي الموانئ البحريّة وفي المطارات. ففي أحدث جرائمه الأخوية بدأ مؤخراً في التضييق على الصيادين الفلسطينيين، واطلاق الرصاص الحي على زوارقهم ما أدى الى إصابة بعضهم بجراح. يترافق ذلك مع أعمال صهيونية مشابهة وبتنسيق تام وكامل بين الطرفين. مما يوحي أن الأيام القادمة ستكون أصعب على أهل القطاع المحاصر. لأن الروم الذين وضعهم الاحتلال خلف ظهر غزة يقومون بوظيفتهم على أحسن وجه. فما اتهامات الفرعون للأنفاق بانها مصدرا للمخدرات والتهريب الى مصر سوى كذبة كبيرة يراد عبرها تبرير وتمرير عملية بناء الجدار التي ألزمته بها الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية مقابل حفنة من الدولارات.

النظام يتلقى مقابل مادي ويتم غض النظر عن قمعه لحقوق الانسان من قبل الغرب والإدارة الأمريكية والصهاينة. لأن هؤلاء لا تهمهم حقوق الانسان العربي، ولا فساد أنظمة الحكم العربية، بقدر ما يهمهم الحفاظ على مصالحهم والعروش التي تحفظ لهم بقاء التفوق وتلك المصالح.

 قضية اعدام الجنود المصريين ودفنهم في الصحراء دون أن يتسنى لمصر وذويهم معرفة مصيرهم ولا حتى نقل رفاتهم يجب أن تبقى حيّة، ويجب أن يُجابه الشعب النظام والرئيس ويضغط عليهم من أجل العمل الحقيقي لحلها، عبر إرسال بعثات بحث وتنقيب … تماماً كما يفعل الصهاينة الآن في الإسماعيلية بقلب مصر الدولة التي لا تعتبر ذلك انتهاكاً لسيادتها، ولا خطراً على أمنها القومي، فالخطر على أمن مصر حسب حكامها يأتي فقط من الفلسطينيين المُحاصَرين في قطاع غزة. ويأتي بحسبهم من المسالمين من النشطاء الدوليين والعرب الذين اجتمعوا من كل العالم لنصرة شعب فلسطين ولفك الحصار عن غزة.

ستبقى قضية قتل الأسرى من الجنود المصريين وصمة عار سوداء تقبح وجه الإرهابيين الصهاينة. فهؤلاء يريدون أن يبحثوا أيضاً في المياه المصرية عن غواصتهم المفقودة منذ عشرات السنين. وكأن مصر العظيمة، السد العالي، والعبور وعبد الناصر، وتأميم القناة، وسليمان خاطر، والذين أراحوها من المهزوم والمأزوم السادات، أصبحت مثل ضيعة ضايعة ومرتعاً للصهاينة بموافقة النظام الحاكم.

سوف تبقى قضية اعدام الجنود المصريين في سيناء وصمة عار تقبح وجه الاحتلال الصهيوني وقادته المجرمين. وبنفس الوقت ستبقى جريمة بناء الجدار الفولاذي بين مصر والقطاع المحاصر أكثر نقطة مظلمة في تاريخ نظام الفرعون مبارك بالألفية الجديدة. 

أخيراً نقول بما أن النظام المذكور لازال امتدادا لنظام السادات فإن من واجب الشعب العربي المصري العمل بكل قوة للتخلص منه مرة واحدة والى الأبد .. التخلص من الذين باعوا مصر وامتهنوا التبعية للأمريكان والصهاينة، ووقفوا ضد شعبهم وأمتهم في فلسطين والعراق، وشاركوا ويشاركون في تدمير القضية الفلسطينية، وحصار الشعب الفلسطيني وتجويعه حتى جعله يستسلم ويركع، ثم يوافق على التخلي عن حقوقه الوطنية الثابتة. خدمة للمشروع الصهيوني الأمريكي الغربي في فلسطين المحتلة ومنطقتنا العربية.

 

* مدير موقع الصفصاف

 

 

إهانة جديدة لشهداء مصر

16/02/2010

نضال حمد