الأرشيفوقفة عز

الحياة على نفقة بيت مال المشركين – نضال حمد

قبل سنوات حزمت متاعي وتوجهت الى بلد عربي بغية الزيارة وشم ريحة وطني فلسطين عن قرب، فلهذا البلد العربي حدود واسعة وشاسعة مع فلسطين المحتلة. بجواز سفري النرويجي العابر للقارات دخلت الى مركز الجوازات. هناك عندما شموا ريحة فلسطين في اسمي استدعوا ضابطا من مخابراتهم ليسألني عن سبب زيارتي، وعن سبب إصابتي وإعاقتي في ساقي .. و لما أجبته على السؤال الأول، أخذ يسألني عن أشياء كثيرة، أجبت على بعضها مثل أنني كمواطن نرويجي وبلادي عضو في حلف الأطلسي (ناتو)، فإن كمبويتر مخابراتها مفتوح مع كمبيوتر مخابرات الكيان الصهيوني والسي اي ايه، وبما أن بلد الضابط العربي الذي يسألني عن كل شيء وقعت معاهدة سلام وأمن مع الصهاينة فإن كمبيوتر مخابراتهم مفتوح أيضا مع نفس الجهات. أكثر سؤال مازلت أتذكره هو سؤاله لي عن عملي وشغلي .. أجبته بأنني عاطل عن العمل .. فسألني كيف أعيش ومن أين أتلقى المال ..

 قلت له من بيت مال المشركين.

قال ما هو هذا؟

 قلت له كما كان أيام الإسلام والمسلمين وفي زمانهم الجميل هناك بيت مال للمسلمين، هناك في النرويج واسكندنافيا يوجد بيت مال للمشركين، يساعد فقراء القوم والعاطلين عن العمل والمرضى والمحتاجين.. ويسمونه سوسيال كونتور.

أما اليوم فقد قرأت على الفيسبوك ما كتبه السيد يوسف الحسيني عن جوليا جيلارد رئيسة وزراء استراليا التي خاطبت مسلماً متعصباً متشدداً في استراليا خلال تظاهرة مؤيدة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي. حيث قالت له : (لماذا أنت متعصب هكذا؟ لماذا لا تسكن في السعودية… أو إيران؟؟؟ ولماذا غادرت دولتك الإسلامية أصلاً؟ انتم تتركون دولاً تقولون عنها أن الله باركها بنعمة الإسلام وتهاجرون إلى دولٍ تقولون أن الله أخزاها بالكفر، من أجل الحرية .. العدل .. الترف … الضمان الصحي … الحماية الاجتماعية … المساواة أمام القانون … فرص العمل عادلة … مستقبل أطفالكم… حرية التعبير، إذن لا تتحدثوا معنا بتعصب وكره …. فقد أعطيناكم ما تفتقدونه … إحترمونا واحترموا إرادتنا أو غادروا.)

الى هنا انتهى كلام رئيسة وزراء استراليا الذي فيه الكثير من الحق والكلام الصحيح رغم شدته.

بالرغم من أن دول الغرب الاستعماري والاستعلائي هي التي تثبت وتدعم بقاء الطُغم الحاكمة في بلاد العرب، التي يلزمها مائة عام كي تصل الى مستوى ديمقراطية أقل وأضعف دولة ديمقراطية في أوروبا. ديمقراطية على الطريقة التي نراها فيها.

من لا تعجبه الدول المُشركة والكافرة لماذا يفضلها على الدول الإسلامية والعربية المؤمنة.

لماذا يأخذ قوت يومه ومصروفه وثمن عفش بيته وتكاليف حياته وعلاجه وبَدَل عاطل عن العمل يوميا من بيت مال المشركين؟؟؟.

لماذا الكثيرين منا يبيحون الكذب والنفاق والاحتيال لأخذ المال من بيوت أموال المشركين؟؟؟

بينما في بلادهم العربية والإسلامية لا يحق لهم لا العمل ولا السفر ولا التحرك بحرية، وأن حصل ووجدوا عملا فيها سيعاملون معاملة العبيد، ويبقون طوال فترة العمل والإقامة رهائن محتجزين تحت رحمة المواطن الكفيل بدون أية حقوق و ضمانات.

الأولى بهؤلاء المتعصبين والمتزمتين والمُكفرين للشعوب والأمم والدول التي آوتهم من جوع ومن برد، أن يأخذوا مساعداتهم من بيت مال المسلمين. فإن تعذر وجود هذا البيت بسبب الطغاة والظالمين الذين يحكمون بإسم الله والإسلام والدين، عليهم أن يذهبوا إلى هناك ليحرروا أوطانهم من هؤلاء المجرمين، المُفسدين والفاسدين.  عليهم أن يعملوا من هناك لأجل تغيير الدنيا والناس والعودة الى أصول الدين. فليس من المعقول أن يتركوا بلادهم في غياهب الظلام ويأتون الى الغرب اللا إسلامي حيث يجدون الملاذ الآمن والمساعدات بسبب القوانين التي توفر ذلك، وبعد حصولهم على حق الإقامة أو الجنسية يقومون بتكفير من آوهم وساعدهم ومكنهم من الاستمرارية والحياة والتعلم والتقدم والبقاء.

ليس المطلوب منهم أن يتحولوا عن دينهم ويصبحوا مسيحيين بل المطلوب منهم فعلاً أن يحافظوا على أنفسهم وعلى شرائعهم الدينية، وأن يقيموا مؤسساتهم لنشر العلم والتسامح وللمحافظة على الأصول والينابيع.

كثيرة هي المؤسسات والجمعيات والمراكز والمُصليات والمساجد الإسلامية القائمة في الغرب، يمكن القول أنها بالآلاف، وكلها تتلقى مساعدات من الدول الأوروبية والغربية، مثلها مثل الكنائس المسيحية والكنس اليهودية. هكذا هو القانون، الدولة تدعم كل المؤسسات الدينية بغض النظر عن الدين.

في زمن الخليفة العادل، الخامس عمر بن عبد العزيز إنتعش بيت مال المسلمين ولم يعد هناك فقراء في الدولة الإسلامية التي لم تكن تغب عنها الشمس، وكان المسيحي واليهودي يعيشون فيها بدون إرهاب وتنكيل كما تفعل داعش والنصرة هذه الأيام في سورية والعراق وكما تفعل “اسرائيل” القوة الاستعمارية التي تحتل فلسطين.

في ذلك الزمن طلب الخليفة العادل من عماله أن ينثروا القمح على رؤوس الجبال لتأكل الطيور الجائعة. وقال جملته الشهيرة: انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقولوا جاع طير في بلاد المسلمين.

أما اليوم في زمن حامي الحرمين الشريفين ورئيس لجنة القدس وبقية حكام العرب.. في زمن الحامي وإخوانه في بقية الدول العربية و الإسلامية، تجوع الملايين المسلمة فلا تجد مأوى ولا غذاء ولا دواء ولا ماء ولا بيت مال للمسلمين يساعدها. فيما أموال العرب والمسلمين تذهب عبر الحكام والسلاطين والملوك لمساعدة حدائق الحيوانات في أوروبا، وعلى حفلات أعياد ميلاد بنات وأبناء الملوك والأمراء والمشايخ، مع أن أعياد الميلاد والاحتفال بها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. تذهب أموالهم وأموالهن على لعب القمار والميّسر وشرب الخمرة ونكاح النساء والغلمان، وعلى السمر في ملاهي الغرب والشرق.

نعرف ونعي أن هذه الأنظمة العارية، الظالمة والتي لا تتقدم إلا في البطش والقمع والولاء للأعداء.. هذه الدول التي لولا مصالح مشتركة لدول الشِرك والكفر معها لما بقيت لساعات. نعي أن هناك أسباباً اقتصادية وسياسية ومصالح جغرافية وعسكرية وأمنية أبقتها على قيد الحياة.. فهم أي هؤلاء الحكام كما كياناتهم التي شرذمت وجزأت وقسمت البلاد العربية صنيعة الاستعمار الغربي. فبولائهم للشيطان الأكبر ورضاهم وقبولهم بوجود كيان الصهاينة في فلسطين، وعبر تسهيل وتمرير عملية التطبيع معه، يكونون قد نفذوا أهم ما هو مطلوب منهم للحفاظ على استمرارهم وبقاءهم في الحكم وفق تقسيمات سايكس وبيكو. هؤلاء مصيرهم من مصير النفط والغاز والطاقة التي تحتاجها الدول الرأسمالية… ومن أجل ضمان استمرار تدفق النفط والغاز بدون مشاكل سوف يبقون في الحكم.

يا أيها الذين عشتم أو مازلتم تعيشون على حساب (الكُفار والمُشركين)، ومن مساعدات بيت مالهم، تواضعوا وتعقلوا وكونوا جزءا من مجتمعاتكم، وغيروا الناس بالعقل والحكمة والإقناع، وتوقفوا عن دعم الإرهاب والتطرف والتزمت والتكفير، وتجنيد شباب وشابات المسلمين للجهاد ضد العرب والمسلمين خاصة في سورية. واهتموا بقضايا الشباب العربي والمسلم في الغرب، وأبعدوهم عن التطرف والتكفير، لأن في ذلك ضياع لمستقبل الشباب.

 في الختام أقول للمتطرفين وللتكفيريين ولأعداء سوريا وفلسطين:

 إرفعوا أياديكم عن سورية التي ما جاع فيها أحد لأن الخبز كان متوفرا للجميع.. فسورية لن تدخل إسطبلاتكم ولا زرائب أسيادكم.

 ملحق:*

لا يوجد أدنى شك في أن الدول الاستعمارية الأوروبية والغربية نهبت وتنهب خيرات شعوب الدول الأخرى خاصة في الدول الفقيرة. لكن نفس هذه الدول هي حليفة الهمج من حُكامنا العرب وبنفس الوقت هي التي أسست عصابات التكفير والهمجية والإرهاب التي تقوم بعملية استئصال العقل العربي… وبتدمير ما بني هناك منذ الاستقلال (أي استقلال؟!) وإعادة الناس مئات الأعوام الى الوراء ربما من أجل بقاء ما جاء به سايكس وبيكو.

*

النرويج لم تكن دولة استعمارية بل كانت دولة تحت الاحتلال . لم تكن تحت الاستعمار الأجنبي أسوة بالممالك والمشيخات والإمارات والدول العربية أو الإفريقية والأسيوية واللاتينية. ولكن شعبها بعد تحرره ونيله استقلاله، استطاع بناء دولة مؤسسات وقانون تعتبر من الأفضل في العالم من حيث العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والحريات والرفاهية.

وأنا مدين لها بحريتي في الكتابة والحركة وبإقامتي واعتباري ومعاملتي كأي جندي حرب نرويجي أصيب في المعركة مع العلم أن إصابتي كانت في معركة مع الدبابات الصهيونية في قلب بيروت الغربية عاصمة لبنان العربي، على أبواب مخيمي صبرا وشاتيلا وقرب الفاكهاني سنة 1982 .

النرويج قامت بمنحي أقامة، فإقامة دائمة ثم جنسيتها، ومنحتني مرتباً شهرياً كجندي حرب نرويجي، جريح متقاعد مدى الحياة، وبيتاً يأويني مع عائلتي وسيارة للتحرك ككل الناس. كل ذلك نلته كمقيم وليس كمواطن حاملاً الجنسية النرويجية، أي قبل أن أحصل على الجنسية النرويجية. كنت يومها لا أزال لاجئاً، ولم أكن بعد مواطناً يحمل الجنسية النرويجية.

هذه النرويج واحدة من بلاد الفرنجة التي وقفت شخصياً عدة مرات في ساحاتها وأمام مقر برلمانها ووجهت انتقادات لاذعة وحادة جدا لرؤساء وزراءها وسياسيها وحكوماتها، وفعلت ذلك في التلفاز وبندوات مشتركة مع رئيس برلمان البلد ومع نائب وزير الخارجية وفي لقاءات مع رئيس الوزراء ومع سياسيين آخرين، كل هذا في وقت ممنوع فيه العربي لا داخل ولا خارج بلده أن يتكلم عن الحُكام والقادة والسلطات والأحزاب والمنظمات والحركات، ولا عن السياسيين والمشايخ والأمراء والسلاطين وممنوع أن يتكلم أصلا في السياسة.

العرب والمسلمون للأسف إبتليوا بسياسيين أوغاد وتجار وبمشايخ وأئمة معظمهم إما من المنافقين أو من العملاء.

نضال حمد – موقع الصفصاف

أوسلو 5-3-2014