وقفة عز

الخطاب الإعلامي بين عباس وحماس

بقلم : نضال حمد

ان الصراع الإعلامي الدائر بين حماس وعباس يبعث على اليأس من المستوى الذي وصلت اليه الحالة الفلسطينية، فلغة التخاطب بين الفريقين لا ترقى لمستوى من يرغب و يطمح ويعمل لقيادة الشعب الفلسطيني والتحدث بإسمه و إسم قضيته في العالم.

صحيح أن عباس أصبح حالة ميؤوس منها وعليّ هنا توضيح أمر استخدامي للإسم عباس وهو لأانني عندما أقول عباس أعني النهج السياسي المستسلم والتنظيمي المهيمن والمتنفذ، الذي يسطو على القرار الفلسطيني والتمثيل الشرعي والمؤسسات من منظمة التحرير الفلسطينية حتى السلطة الفلسطينية وليدة اتفاقية أوسلو الاستسلامية. وهو بنفس الوقت النهج الذي جلب كل أنواع الخراب والفساد الى الساحة الفلسطينية، فصنع أشباه رجال وقادة مصادفة، وعملاء كبار وصغار، كل حسب وظيفته ومهمته في السلطة.  وهو كذلك النهج  الذي تنكر للتضحيات والشهداء والأسرى والجرحى والمعذبين من شعب فلسطين… وهو الذي ترك مخيمات الشتات عرضة لكل أنواع القهر والحصار والاذلال، لا بل شارك في اذلال الناس من خلال لقمة العيش والعلاج، وعبر مجموعة ساقطة و فاسدة من قادة المصادفة … و هو بنفس الوقت النهج الذي ورث الكثير من الفساد و الخراب و العنجهية من أسلافه في قيادة المنظمة.

طبعاً الحديث عن هذا النهج يستلزم استحضار الذاكرة ونبش الأقبية و القبور والماضي، والتوغل بعيداً في الجسد الرسمي الفلسطيني الملوث. إذ أن عباس ومن معه لم يأتوا بالصدفة ولا هم عابرون في الخريطة الفتحاوية والفلسطينية. هؤلاء استطاعوا بعد أن غاب أو غيّب ياسر عرفات الذي صنعهم كلهم و تركهم خلفه بلاءا ووبالا على شعب فلسطين، استطاعوا أن يمسكوا بكل شيء في بلاد بيت المقدس. فتجاهلوا الشعب الفلسطيني وأستهتروا به وأستغفلوه و حتى إستغبوه … لكنهم على خطأ لأن هذا الأمر سوف يرتد عليهم وبالاً شعبياً عاجلا أم آجلاً. وقد يكون تسونامي فلسطيني يجرفهم ولا يمكن بعد ذلك العثور عليهم أو حتى على بقاياهم. ولو تدخلت الدول المانحة التي تمدهم بعصب الحياة – أموالها – وأحدث تقنياتها وبكل أقمارها التجسسية وعيونها المحلية.

 صحيح أن عباس يستحق أن يُحارب ويُسقط اليوم قبل الغد. و الأصح أنه كان يجب منذ فازت حركة حماس بالانتخابات أن تسمع نصائح محبيها و تقوم بحل السلطة الفلسطينية التي هي نتاج استسلام أوسلو، و تدعو لإعادة بناء وإحياء وأستعادة منظمة التحرير و تفعيلها و تجديدها والتأكيد على الالتزام بميثاقها الوطني والقومي.. لا أن تقبل المشاركة في الحكم و تضح مشروع التحرير والمقاومة كله في خطر كبير. فبعد ذلك تمت محاصرة المقاومة ومشروعها و جماهيرها بدلاً من أن تقوم المقاومة ومعها الجماهير بمحاصرة المستسلمين من جماعة أوسلو واسقاطهم وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بشكل عقلاني و ديمقراطي، لا بقوة السلاح و بلغة دموية شرسة راح ضحيتها مئات الفلسطينيين بين قتلى وجرحى. نقول كلامنا هذا بغض النظر عن أي مبرر آخر قدمه أو قد يقدمه البعض.

 

ما لا نوافق عليه ولا نرغب به ولا نؤيد حماس فيه هو الانزلاق نحو نفس طريقة التعامل والخطاب التي تخاطبها بها سلطة عباس و ” فتحاوية ” مؤتمر بيت لحم، الذين تنكروا للينابيع الفتحاوية وقاموا بتجفيفها عمداً وعن سبق إصرار ..

  كيف يمكن لكم أيها الحمساويون أن توقعوا اتفاقية وحدة وطنية و تقاسم سلطات ومنظمة وحكومة ويمكن كذلك مفاوضات مع هذا الشخص؟ على إعتبار أنه اتفاق وحدة وطنية، أي بين قوى وطنية،  أو بين تيارين وطنيين، وفي نفس الوقت تصفون عباس و تياره بالخونة. وتقومون برجم صوره في غزة بالأحذية. ثم تقيمون الدنيا و تقعدونها عندما يدعي عليكم أنكم هربتم من ساحة المعركة في غزة .. و ماذا كنتم تنتظرون منه أن يقول أنكم من الملائكة؟

 في  ملحمة غزة عرف القاصي والداني من الذي صمد وقاتل وبقي مع شعبه… ومن الذي أيد العدوان و برره ووقف ضد شعبه .. وشهد العالم كله كيف أستشهد قادة حماس من الصف الأول في معركة غزة. ونعني هنا بالمقام الأول الشهيدان سعيد صيام و نزار ريان. طبعاً عباس قال كلامه بغية الانتقام منكم والحط من قيمتكم ومكانتكم لدى الجمهور الفلسطيني، لكنه كذب ونافق حين جانب الحقيقة و أدعى عليكم بما لم يكن وبما لم يحدث، وبما هو غير صحيح البتة.  كان الأجدر به أن لا ينزل الى هذا المستوى إذ أن سجله مليء بالمحطات السوداء، الحالكة الظلام، وبالوقفات التي لا تبث للعز بصلة. كأنه لم يقرأ ما قاله الزعيم القومي السوري أنطون سعادة من أن الحياة وقفة عِزْ فقط . أعدم سعادة وهو واثق الخطوة والفكرة وبلا أي تنازل عن مبادئه، وظلت مكانته خالدة بين أنصاره حتى يومنا هذا. لماذا؟ لأنه كان رجلاً يقرن القول بالفعل، وواجه ساعة المنية بلا وهن وبلا خوف وبوقفة زعيم فوق العادة. أما عباس فلا أذكر له في يوم من الأيام وقفة عز تليق بقائد يدعي قيادة الشعب الفلسطيني. كل ما أذكره وقفاته مع الصهاينة في مؤتمرات ولقاءات حين كان يوقع اتفاقيات تتنازل عن الحقوق الفلسطينية.

لا أريد أن أدخل مع حماس أو عباس في سجال حول ما جاء في حملاتهم الإعلامية المستمرة، حيث يتم خلالها استخدام كافة الأوصاف وأشنع الكلمات والعبارات، من خائن وجبان وهارب حتى عميل ومجرم وإرهابي وظلامي وغيبي ومتخاذل وفار .. الخ…  يكفي المرء إلقاء نظرة على مواقع الطرفين في الشبكة العنكبوتية حتى يجد ما يجعله يقرف من هذه الظاهرة الفلسطينية الغريبة و السقيمة.

يعزّ على الفلسطيني الذي يغار على فلسطينه حتى من الهواء أن يسمع هؤلاء القوم و هم يتبادلون القصف الشتائمي بالراجمات و المدافع والرشاشات الثقيلة، بينما الاحتلال يقضم الأرض ويستبيح الوطن ويعتقل الأبناء ويقصف غزة وأنفاقها يومياً، ويمعن في عنجهيته ورفضه لكل الشروط  والالتزامات السابقة، ويطالب الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة دون تقديم أي شيء ولو بسيط ..ويواصل استباحة القدس والمقدسات واستيطان الأرض وحصار غزة واغلاق الضفة وقتما يشاء .. بنفس الوقت صواريخ المقاومة مفقودة، عملياتها موقوفة أو متوقفة، برنامجها غير محدد وغير واضح، لا يوجد لها قيادة مشتركة ولا غرفة عمليات مشتركة.. الجهاد والشعبية تتهمان حماس بمنعهما من ممارسة المقاومة. طبعاً المقاومة لا تعني اطلاق صاروخ هنا وآخر هناك. ولا تعني أن يقوم أي شخص يريد اطلاق صاروخ بإطلاقه. يجب أن يكون هناك تنسيق بين الجميع. ويجب أن يكون هناك اعتراف بحق الجميع في ممارسة المقاومة من أجل مكتسبات سياسية ولأجل التحرير. هذا يتطلب موقف واضح من حماس أولاً لأنها هي التي تسيطر على قطاع غزة وتحكمه. فهل حماس مع المقاومة أم لا؟ وإن كانت مع فكيف ومتى وأين؟؟؟

 يجد الانسان نفسه عاجزاً عن وصف تلك الحالة من السقوط الخطابي والسوقية الإعلامية. فتلفزيون فلسطين الذي يهيمن عليه عباس ويُسيره ياسرعبد ربه أحد أمراء أوسلو وفضائحها واستسلامها المشين ومن أسوأ الفلسطينيين على الاطلاق، ليس أكثر من تلفزيون تابع للملك العليل. و برامجه تذكرنا بما جاء في احدى قصائد الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب حين قال عن المذيع الذي يقدم الأخبار : ” المذيع المسائي  يلقي النفايات مبتسماً  .. سادتي سيداتي .. انهزمنا ..” ..

هذا يحدث الآن في فلسطين وأصبح أكثر سوءا من الطرفين بعد أن حسمت حماس أمرها وسيطرت بالقوة المسلحة على قطاع غزة. مذيعو المحطات من الطرفين في أحيان كثيرة يلقون النفايات مبتسمين، وينشرون أخباراً ملفقة وكاذبة و يألفون قصصاً اتهامية خيالية، يمكنها أن تجعل أي شخص عميلاً في ثانية واحدة. وكلاهما لا يعترف بالحل الوسط  والمواقف الوسطية التي تقف بين الطرفين. إعلام أبو مازن لا ينشر لأي شخص يقف ضد نهج أوسلو بجدية و لا يهادن في هذا الأمر. أما الاعلام التابع لحماس فهو ينشر فقط ما يريد وما يعجبه ويناسبه وأحيانا يقوم بقصصة المقالة وتقليم أظافرها حيث يتم نشرها بما يوافق رؤية حماس .

في الختام يجب أن نذكر بما قيل من أن عباس يستخدم عبارات و شتائم نابية في أحاديثه ولقاءاته. حيث أنه في احدى الاجتماعات قال لأعضاء اللجنة المركزية لفتح أو لأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة

” كلكم على طيزي …”.

هذا الأمر ليس بالجديد، إذ في زمن الثورة في عصر القرود، أحد القادة الأمنيين في محمية الفاكهاني ببيروت، وهو شخص سيء الصيت والسمعة، ترك أسياده فيما بعد وأستقر ببلد عربي مجاور لفلسطين حيث يخدم أسياده الحقيقيين …  قال لزواره في إحدى المرات أن الشكر يعود ل ” عضوه التناسلي ”  لأنه تمكن من عقد اجتماع لقادة حركته  .. 

 

 

15.10.2009

 

* مدير موقع الصفصاف