الأرشيفالجاليات والشتات

محمد عبد القادر موسى(أبو قاسم أبو الهيجاء)، وكان يُعرف أيضًا ب “أبو قاسم كوكب”:

بمناسبة ذكرى استشهاد الشهيد البطل عبد القادر الحسيني في 8 أبريل 1948…..
شخصية من مخيم عين الحلوة عاصرته آنذاك: محمد عبد القادر موسى(أبو قاسم أبو الهيجاء)، وكان يُعرف أيضًا بأبو قاسم كوكب
أحد المجاهدين القدامى يتحدث عن إلى مجلة “فلسطين المحتلة” في لقاء أجراه معه صالح الحسن، صحافيٌّ من المجلة ونحن نشرنا في 21/10/2012 المقال عبر موقعنا عين الحلوة دوت كوم الذي أُغلق لاحقًا.تمامًا كما ورد في اللقاء:بقامته الممدودة، وخطواته الثابتة، ونظراته الحادة الثاقبة، ووجهه البشوش وابتسامته الرقيقة، وحديثه الجذاب الذي يأخذ بالعقل والسمع والقلب، وينقل السامع إلى مدن وقرى فلسطين … إلى كل أهلها … شيبًا وشبَّانًا … ومساجد وأئمة … وفلاحين وعمَّالًا … يُحدِّث بلباقة عن بقايا الحكم العثماني التركي … وبدايات الانتداب البريطاني … ومقارعة حكم الانتداب.. إنه يضعك في الصورة … صورة جهاد فلسطين … ثوارها ومجاهديها … وشهدائها.. الذين قاتلوا وضحُّوا من أجل الاستقلال وعروبة فلسطين … قاتلوا جنود بريطانيا والغزاة الصهاينة، حديثه حديث المشارك العارف … حديث من شهد الجهاد مع بداياته … وشهد العمل الثوري على أرض فلسطين، وأرض العديد من الدول العربية في جولات من أجل السلاح والدعم بكل الوسائل … إنه الشيخ الوقور الذي تنقل من فلسطين إلى لبنان، فإلى سوريا والعراق، وحتى الحدود التركية، شارك في العديد من المعارك … قاتل مع ثوار أهله الفلسطينيين حتى اللحظات الأخيرة … حتى استنفذ شعب فلسطين كل وسائل القتال، عام1948لم يتوقف بعد ذلك حتى اليوم .. عرفته المنافي والسجون …إنه الأخ الشيخ محمد عبد القادر موسى الهيجاوي، “أبو القاسم” الذي كان يطيب لزملائه أحيانًا أن يطلقوا عليه لقب “الكاشاني” … ولم يصعب على فلسطين المحتلة تلمس مكانه، “فأبو قاسم” أشهر من نار على علم … وكان اللقاء حميمًا وذا شجون وشؤون وسألناه:

  • يا حاج أبو قاسم … لقد عرفك الجميع بالقسامي تارةً (نسبة إلى المجاهد الكبير الشيخ عز الدين القسام) وبالقاشاني تارة أخرى (نسبة إلى الشيخ القاشاني، الذي كان يلتفُّ بكفنه مدافعًا عن الحق) … وناداك البعض “بالهيجاوي” نسبةً إلى مسقط رأسك قرية “كوكب أبو الهيجاء” فهل لك وأنت تجمع بين الإيمان والجهاد والتضحية والحرب في مجموعة الأسماء التي يطلقونها عليك … هل لك أن تحدثنا عن طفولتك، وبداية نضالك، وعز شبابك…؟

منذ طفولتي حيث أبصرت النور في قرية كوكب أبو الهيجاء قضاء الناصرة، عام 1909… ونسبت القرية إلى أحد الأولياء (أبو الهيجاء) أي (أبو الحرب)، وقد أطلق الاسم لقبًا على عائلتنا … وأنا أنتمي لأبوين فلاحين … قريتنا تحيط بها غابة كثيفة من الأشجار الحرجية، وأراضيها واسعة تزرع بالحبوب المتنوعة، بالإضافة إلى بعض كروم العنب والزيتون.وفي التاسعة من عمري تلقيت تعليمي على يد أحد المشايخ كسائر أبناء قريتي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وهزيمة العثمانيين على يد الاستعمار البريطاني، ومع استمرار دورة الحياة ومرور الأيام، اكتشفت كسائر شباب فلسطين ومناضليها، ماهية الخطر الاستعماري البريطاني، ومساندته للعصابات الصهيونية في الهجرة إلى فلسطين، وشراء الأراضي وبناء المستعمرات ومضايقة أصحاب الوطن في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية بموجب وعد (بلفور) المشؤوم وإنشاء الوطن القومي اليهودي *(اقرأ وعد بلفور في أسفل هذا المقال)

  • هذا عن طفولتك وصباك … فماذا عن شبابك وعلاقتك بالشيخ القسام وثورة عام 1936؟

نحن أبناء فلسطين تجربتنا مع الغزاة والمستعمرين غنية، وتاريخنا مميز عن تاريخ وتجارب الآخرين… فأهل فلسطين منذ الأزل واجهوا، وواجهنا استطرادًا العديد من الغزوات الغربية … وماضينا حافلٌ بالدفاع والثبات والتضحية وحتى يومنا هذا، فحين نذكر فلسطين وأرضها ومقدساتها، فذلك يعني لنا آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن أرض الوطن وعن قدسيتها.في عام 1934 كانت مدينة حيفا، وفي كل يوم جمعة تحديدًا، بمثابة يوم حجيج لأهل المدينة وجوارها، ومن يستطيع الحضور من أبناء القرى لسماع خطبة صلاة الجمعة من الشيخ عز الدين القسام، ذلك الشيخ الذي أحب الفقراء وكره الظلم، وكثيرًا ما كان يرتاح حين يلتقي بأبناء القرى وعمال البحر وشغيلة المدن، لأنه من طينتهم، وكان يعقد عليهم الآمال في انطلاقة الثورة واستمراريتها.وبعد تكرار اللقاءات مع شيخنا المجاهد، طلبت منه وطلب زملائي الالتحاق بتنظيمه، وكما أذكر، كانت شروط الالتحاق صعبة للغاية وقاسية جدًّا، حتى أنه أفهمنا بكلماته التي لا تزال ترنُّ في مسمعي حتى اليوم:”يا شباب: الوطن مقدس، والجهاد ضد المستعمر فريضةٌ على كل مسلم. وما عليكم سوى الاعتماد على أنفسكم.”ونسأله: كيف … ونحن أمام عدوٍّ يملك الإمكانيات العسكرية والمادية والبشرية؟ ويجيب شيخنا: التحريض ضد العدو جهاد، الإضراب والعصيان، وحملات الاستنكار جهاد، والتنظيم والاستعداد والتوعية، هما أساس انطلاقة الثورة.

  • وهل تتذكر أول معركة شاركت فيها ضد قوات الاستعمار البريطاني؟

نعم أتذكر.. كان في أول تشرين الثاني عام 1936، وكنا نحن الثوار، يومها بالغرب من بلدة “ترشيحا” وصادف مرور قافلة عسكرية بريطانية قادمة من مدينة عكا … كان الوقت ظهرًا وباقتراب القافلة منا بدأت المعركة غير المتكافئة، واستمرت أربع ساعات باستشهاد ثلاثة مجاهدين أذكر منهم الشهيد علي ذياب، من قرية كفر مندة وشهيدان أحدهما من قرية سخنين والثاني من قرية الكابري، وخسر البريطانيون أربعة قتلى وثلاثة جرحى. بعد انتهاء المعركة، انتشر الناس يبحثون عنا، ليقدموا لنا المساعدات، وينضم إلينا القادرون على حمل السلاح، ويومذاك كانت قريتي “كوكب” مركزًا مهمًّا لتجمع الثوار، والانطلاق بعملياتهم … وهذا حمل القوات البريطانية على شن هجوم واسع على القرية بكل الأسلحة وبآلاف الجنود، وبعد قتال ضار، سقطت القرية ودخلتها القوات البريطانية بعد تهديم بيوتها وحرق محاصيلها، وأثاث دورها. وأصبحت كوكب من القرى المنكوبة، ولكن سرعان ما هبّ أهالي القرى لنجدتها فأعادوا بناء القرية، وقدموا المساعدات للأهالي.

في الأسر والسجونوتوالت المعارك في كافة أنحاء فلسطين ضد القوات البريطانية … وبدأت المقاومة بالمقاطعة وبالإضرابات وبالعصيان المدني، ولا زلت أذكر آخر معركة شاركت فيها شخصيًّا بتاريخ 13 أيار 1938 في قرية (طمرة) واستمرت يومًا كاملًا، حاصرتنا القوات البريطانية ووقعتُ أسيرًا مع الأخوة: أحمد كوبة، وأحمد زعرورة، والشهيد محمود الحسين، نقلنا إلى سجن عكا، ثم إلى سجن القدس بتاريخ 22/10/1940.وبهذه المناسبة لا أنسى رفيق سجني المجاهد أحمد عبد الله من رام الله الذي كان بمثابة المحرض للنضال من داخل السجن.عندما غادرنا السجن توقفت الثورة بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، والحديث عن ذلك طويل وذو شجون وليس هناك من لا يعرف التفاصيل المحزنة والمؤسفة، وكان لا بد من الهرب إلى بلدان عربية أخرى، وتوجهت إلى العراق مع عدد من الأخوة القساميين، وساندنا ثورة رشيد عالي الكيلاني لتنتصر، وتساعدنا بعد ذلك في فلسطين، ولكنها مع الأسف لم تعمِّر وانتهت. وقاسينا الكثير وعانينا الآلام، واعتقل العديد منا.حياة التشرد والنكبة وانطلاقة ثورتنا المباركة
تنهد الشيخ أبو قاسم ثم قال: إن التشرد والتغريب والتعذيب والاضطهاد لم ينتقِصْ من عزيمتنا ولم يفقدنا الأمل باسترجاع ما فقدناه … لقد ناضلنا، سرًّا وعلانيةً، وقاسينا الكثير في هذا … بعضنا قُتل، والآخر سُجن، وكثيرون اختفوا … ولكنَّ إيماننا بقضيَّتنا لم يتزعزع.وحين انطلقت ثورتنا المباركة مع إطلالة الفاتح من كانون الثاني عام 1965 أصبحت خيامنا وأكشاك حياتنا ثكنات عسكرية، كنا مُهيِّئينَ نفسيًّا ومعنويًّا … وكنا على موعدٍ مع الأمل الكبير في استمرار النضال والنصر والعودة.ونحن اليوم نعيش الثورة الحقيقية في مواجهة شراسة الصهيونية والإمبريالية، نعيشها بآمالنا، وصمودنا، وبكل أسلحتنا، وبدمائنا، التي نقدمها كل يومٍ وكل ساعةٍ من أجل العودة الكريمة واسترجاع الحق … برغم كل المعوِّقات وبعض “الاسترخاءات” والمداخلات.ويرتفع صوت الشيخ أبو قاسم، إن حجارة أبنائنا في الأرض المحتلة، وانطلاقتهم الشجاعة ضد سلطات الاحتلال الصهيونية وممارساتها الهمجية … وإن صمود مقاتلينا حيث كانوا، وإن نضالاتنا في كل ميدان ستستمر … نعم ستستمر. لا بديل عن فلسطين … ولا حياة بغير فلسطين … الوطن … ولا كرامة ولا دين بغير مقدساتنا … وإنها لثورة حتى النصر.

رحم الله الحاج أبو قاسم أبو الهيجاء، وبالفعل فإن تاريخه حافلٌ بالنضال والتضحية ومشهودٌ له بوطنيته وحبه لوطنه وشعب فلسطين. ورغم هذا المقال المقتضب عن حياته غير أن “إن تجربتنا غنية عبر التاريخ في مقارعة الغزاة وما النصر إلا صبر ساعة” كما وصفها للمجلة.◄◄◄▬►►►*

وعد بلفور

وعد من لا يملك لمن لا يستحقت

ولي إسرائيل وعد بلفور أهمية خاصة، وتعتبره أحد المستندات القانونية التي تستند عليها وقد ضمّنت “وثيقة الاستقلال” إشارة واضحة إلى هذا الوعد، فقد نصّت على أن حق اليهود في “الانبعاث القومي في بلده . . . اعترف به إعلان بلفور ” .جاء وعد بلفور بعد مفاوضاتٍ استمرت ثلاث سنواتٍ دارت بين الحكومة البريطانية واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية قبل أن يخرج بشكل خطاب موجه من آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية يوم 2 تشرين ثاني 1917، موجه إلى اللورد روتشيلد وهذا نصه :((يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته :إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليًّا أن لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير الحقوق التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى، أكون ممتنًّا لكم لو أبلغتم هذا التصريح إلى الإتحاد الفيدرالي الصهيوني.))ومن الجدير بالذكر أن نص تصريح بلفور كان قد عرض على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًّا سنة 1918 ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميًّا وعلنيًّا سنة 1919، وكذلك اليابان. وفي سنة 1920 وافق عليه مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء لوضع الخريطة السياسية الجديدة لما بعد الحرب، وضمّنه قراره بانتداب بريطانيا نفسها على فلسطين وفي سنة 1922وافقت عليه عصبة الأمم وضمّن صك الانتداب البريطاني على فلسطين.أسباب وعد بلفور:1. القيمة الإستراتيجية لفلسطين باعتبارها بوابة العبور إلى آسيا كما وصف هيرتزل دور الدولة اليهودية في فلسطين بقولة: ((سنكون بالنسبة إلى أوروبا، جزءًا من حائطٍ يحميها من آسيا، وسنكون بمثابة حارسٍ يقف في الطليعة ضد البربرية)).2. محاولة بريطانيا كسب لتأييد الطوائف اليهودية في العالم لها في أثناء الحرب العالمية الأولى.3. التخلص من موجات الهجرة اليهودية داخل أوروبا وتوجيهها إلى فلسطين.4. اكتشاف حاييم وايزمن الصهيوني لمادة الأسيتون وصنع المواد المتفجرة التي ساعدت بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.بطلان وعد بلفور:من الناحية القانونية في الوجود البريطاني أثناء إعطاء الوعد هو وجود غير شرعي أصلًا كونها دولة احتلال ومن المتفق عليه قانونًا أن الاحتلال لا يفيد بالملكية لذلك فبريطانيا العظمى لا تملك أرض فلسطين حتى تتكرم وتعطيها ليهود الأرض، لذلك اصْطُلحَ على تسمية هذا الوعد، وعد من لا يملك لمن لا يستحق!وإذا كان هذا الوعد من الناحية القانونية وعدًا باطلًا فكل ما نتج عنه فهو باطلٌ أيضًا أي أن قيام دولة إسرائيل على الأرض العربية في فلسطين هو وجودٌ باطلٌ ويجب أن يُزال طِبقًا للقاعدة القانونية التي تنص على أن ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ، وأيّ مبادرات للسّلام أو الاستسلام دوليةً كانت أو عربيةً فإنها تصبُّ في هذا البطلان ولا أساس لشرعيتها.

بمناسبة ذكرى استشهاد الشهيد البطل عبد القادر الحسيني في 8 أبريل شخصية من مخيم عين الحلوة: محمد عبد القادر موسى(أبو قاسم أبو الهيجاء) ، وكان يُعرف أيضًا بأبو قاسم كوكب

أحد المجاهدين القدامى يتحدث عن إلى مجلة “فلسطين المحتلة” في لقاء أجراه معه صالح الحسن، صحافيٌّ من المجلة ونحن نشرنا في 21/10/2012 المقال عبر موقعنا عين الحلوة دوت كوم الذي أُغلق لاحقًا.تمامًا كما ورد في اللقاء:بقامته الممدودة، وخطواته الثابتة، ونظراته الحادة الثاقبة، ووجهه البشوش وابتسامته الرقيقة، وحديثه الجذاب الذي يأخذ بالعقل والسمع والقلب، وينقل السامع إلى مدن وقرى فلسطين … إلى كل أهلها … شيبًا وشبَّانًا … ومساجد وأئمة … وفلاحين وعمَّالًا … يُحدِّث بلباقة عن بقايا الحكم العثماني التركي … وبدايات الانتداب البريطاني … ومقارعة حكم الانتداب.. إنه يضعك في الصورة … صورة جهاد فلسطين … ثوارها ومجاهديها … وشهدائها.. الذين قاتلوا وضحُّوا من أجل الاستقلال وعروبة فلسطين … قاتلوا جنود بريطانيا والغزاة الصهاينة، حديثه حديث المشارك العارف … حديث من شهد الجهاد مع بداياته … وشهد العمل الثوري على أرض فلسطين، وأرض العديد من الدول العربية في جولات من أجل السلاح والدعم بكل الوسائل … إنه الشيخ الوقور الذي تنقل من فلسطين إلى لبنان، فإلى سوريا والعراق، وحتى الحدود التركية، شارك في العديد من المعارك … قاتل مع ثوار أهله الفلسطينيين حتى اللحظات الأخيرة … حتى استنفذ شعب فلسطين كل وسائل القتال، عام1948لم يتوقف بعد ذلك حتى اليوم .. عرفته المنافي والسجون …

إنه الأخ الشيخ محمد عبد القادر موسى الهيجاوي، “أبو القاسم” الذي كان يطيب لزملائه أحيانًا أن يطلقوا عليه لقب “الكاشاني” … ولم يصعب على فلسطين المحتلة تلمس مكانه، “فأبو قاسم” أشهر من نار على علم … وكان اللقاء حميمًا وذا شجون وشؤون وسألناه:

  • يا حاج أبو قاسم … لقد عرفك الجميع بالقسامي تارةً (نسبة إلى المجاهد الكبير الشيخ عز الدين القسام) وبالقاشاني تارة أخرى (نسبة إلى الشيخ القاشاني، الذي كان يلتفُّ بكفنه مدافعًا عن الحق) … وناداك البعض “بالهيجاوي” نسبةً إلى مسقط رأسك قرية “كوكب أبو الهيجاء” فهل لك وأنت تجمع بين الإيمان والجهاد والتضحية والحرب في مجموعة الأسماء التي يطلقونها عليك … هل لك أن تحدثنا عن طفولتك، وبداية نضالك، وعز شبابك…؟

منذ طفولتي حيث أبصرت النور في قرية كوكب أبو الهيجاء قضاء الناصرة، عام 1909… ونسبت القرية إلى أحد الأولياء (أبو الهيجاء) أي (أبو الحرب)، وقد أطلق الاسم لقبًا على عائلتنا … وأنا أنتمي لأبوين فلاحين … قريتنا تحيط بها غابة كثيفة من الأشجار الحرجية، وأراضيها واسعة تزرع بالحبوب المتنوعة، بالإضافة إلى بعض كروم العنب والزيتون.وفي التاسعة من عمري تلقيت تعليمي على يد أحد المشايخ كسائر أبناء قريتي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وهزيمة العثمانيين على يد الاستعمار البريطاني، ومع استمرار دورة الحياة ومرور الأيام، اكتشفت كسائر شباب فلسطين ومناضليها، ماهية الخطر الاستعماري البريطاني، ومساندته للعصابات الصهيونية في الهجرة إلى فلسطين، وشراء الأراضي وبناء المستعمرات ومضايقة أصحاب الوطن في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية بموجب وعد (بلفور) المشؤوم وإنشاء الوطن القومي اليهودي *(اقرأ وعد بلفور في أسفل هذا المقال)

  • هذا عن طفولتك وصباك … فماذا عن شبابك وعلاقتك بالشيخ القسام وثورة عام 1936؟

نحن أبناء فلسطين تجربتنا مع الغزاة والمستعمرين غنية، وتاريخنا مميز عن تاريخ وتجارب الآخرين… فأهل فلسطين منذ الأزل واجهوا، وواجهنا استطرادًا العديد من الغزوات الغربية … وماضينا حافلٌ بالدفاع والثبات والتضحية وحتى يومنا هذا، فحين نذكر فلسطين وأرضها ومقدساتها، فذلك يعني لنا آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن أرض الوطن وعن قدسيتها.في عام 1934 كانت مدينة حيفا، وفي كل يوم جمعة تحديدًا، بمثابة يوم حجيج لأهل المدينة وجوارها، ومن يستطيع الحضور من أبناء القرى لسماع خطبة صلاة الجمعة من الشيخ عز الدين القسام، ذلك الشيخ الذي أحب الفقراء وكره الظلم، وكثيرًا ما كان يرتاح حين يلتقي بأبناء القرى وعمال البحر وشغيلة المدن، لأنه من طينتهم، وكان يعقد عليهم الآمال في انطلاقة الثورة واستمراريتها.وبعد تكرار اللقاءات مع شيخنا المجاهد، طلبت منه وطلب زملائي الالتحاق بتنظيمه، وكما أذكر، كانت شروط الالتحاق صعبة للغاية وقاسية جدًّا، حتى أنه أفهمنا بكلماته التي لا تزال ترنُّ في مسمعي حتى اليوم:”يا شباب: الوطن مقدس، والجهاد ضد المستعمر فريضةٌ على كل مسلم. وما عليكم سوى الاعتماد على أنفسكم.”ونسأله: كيف … ونحن أمام عدوٍّ يملك الإمكانيات العسكرية والمادية والبشرية؟ ويجيب شيخنا: التحريض ضد العدو جهاد، الإضراب والعصيان، وحملات الاستنكار جهاد، والتنظيم والاستعداد والتوعية، هما أساس انطلاقة الثورة.

  • وهل تتذكر أول معركة شاركت فيها ضد قوات الاستعمار البريطاني؟

نعم أتذكر.. كان في أول تشرين الثاني عام 1936، وكنا نحن الثوار، يومها بالغرب من بلدة “ترشيحا” وصادف مرور قافلة عسكرية بريطانية قادمة من مدينة عكا … كان الوقت ظهرًا وباقتراب القافلة منا بدأت المعركة غير المتكافئة، واستمرت أربع ساعات باستشهاد ثلاثة مجاهدين أذكر منهم الشهيد علي ذياب، من قرية كفر مندة وشهيدان أحدهما من قرية سخنين والثاني من قرية الكابري، وخسر البريطانيون أربعة قتلى وثلاثة جرحى. بعد انتهاء المعركة، انتشر الناس يبحثون عنا، ليقدموا لنا المساعدات، وينضم إلينا القادرون على حمل السلاح، ويومذاك كانت قريتي “كوكب” مركزًا مهمًّا لتجمع الثوار، والانطلاق بعملياتهم … وهذا حمل القوات البريطانية على شن هجوم واسع على القرية بكل الأسلحة وبآلاف الجنود، وبعد قتال ضار، سقطت القرية ودخلتها القوات البريطانية بعد تهديم بيوتها وحرق محاصيلها، وأثاث دورها. وأصبحت كوكب من القرى المنكوبة، ولكن سرعان ما هبّ أهالي القرى لنجدتها فأعادوا بناء القرية، وقدموا المساعدات للأهالي.في الأسر والسجونوتوالت المعارك في كافة أنحاء فلسطين ضد القوات البريطانية … وبدأت المقاومة بالمقاطعة وبالإضرابات وبالعصيان المدني، ولا زلت أذكر آخر معركة شاركت فيها شخصيًّا بتاريخ 13 أيار 1938 في قرية (طمرة) واستمرت يومًا كاملًا، حاصرتنا القوات البريطانية ووقعتُ أسيرًا مع الأخوة: أحمد كوبة، وأحمد زعرورة، والشهيد محمود الحسين، نقلنا إلى سجن عكا، ثم إلى سجن القدس بتاريخ 22/10/1940.وبهذه المناسبة لا أنسى رفيق سجني المجاهد أحمد عبد الله من رام الله الذي كان بمثابة المحرض للنضال من داخل السجن.عندما غادرنا السجن توقفت الثورة بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، والحديث عن ذلك طويل وذو شجون وليس هناك من لا يعرف التفاصيل المحزنة والمؤسفة، وكان لا بد من الهرب إلى بلدان عربية أخرى، وتوجهت إلى العراق مع عدد من الأخوة القساميين، وساندنا ثورة رشيد عالي الكيلاني لتنتصر، وتساعدنا بعد ذلك في فلسطين، ولكنها مع الأسف لم تعمِّر وانتهت. وقاسينا الكثير وعانينا الآلام، واعتقل العديد منا.حياة التشرد والنكبة وانطلاقة ثورتنا المباركة تنهد الشيخ أبو قاسم ثم قال: إن التشرد والتغريب والتعذيب والاضطهاد لم ينتقِصْ من عزيمتنا ولم يفقدنا الأمل باسترجاع ما فقدناه … لقد ناضلنا، سرًّا وعلانيةً، وقاسينا الكثير في هذا … بعضنا قُتل، والآخر سُجن، وكثيرون اختفوا … ولكنَّ إيماننا بقضيَّتنا لم يتزعزع.وحين انطلقت ثورتنا المباركة مع إطلالة الفاتح من كانون الثاني عام 1965 أصبحت خيامنا وأكشاك حياتنا ثكنات عسكرية، كنا مُهيِّئينَ نفسيًّا ومعنويًّا … وكنا على موعدٍ مع الأمل الكبير في استمرار النضال والنصر والعودة.ونحن اليوم نعيش الثورة الحقيقية في مواجهة شراسة الصهيونية والإمبريالية، نعيشها بآمالنا، وصمودنا، وبكل أسلحتنا، وبدمائنا، التي نقدمها كل يومٍ وكل ساعةٍ من أجل العودة الكريمة واسترجاع الحق … برغم كل المعوِّقات وبعض “الاسترخاءات” والمداخلات.ويرتفع صوت الشيخ أبو قاسم، إن حجارة أبنائنا في الأرض المحتلة، وانطلاقتهم الشجاعة ضد سلطات الاحتلال الصهيونية وممارساتها الهمجية … وإن صمود مقاتلينا حيث كانوا، وإن نضالاتنا في كل ميدان ستستمر … نعم ستستمر. لا بديل عن فلسطين … ولا حياة بغير فلسطين … الوطن … ولا كرامة ولا دين بغير مقدساتنا … وإنها لثورة حتى النصر.

رحم الله الحاج أبو قاسم أبو الهيجاء، وبالفعل فإن تاريخه حافلٌ بالنضال والتضحية ومشهودٌ له بوطنيته وحبه لوطنه وشعب فلسطين. ورغم هذا المقال المقتضب عن حياته غير أن “إن تجربتنا غنية عبر التاريخ في مقارعة الغزاة وما النصر إلا صبر ساعة” كما وصفها للمجلة

◄◄◄▬►►►*

وعد بلفوروعد من لا يملك لمن لا يستحق

تولي إسرائيل وعد بلفور أهمية خاصة، وتعتبره أحد المستندات القانونية التي تستند عليها وقد ضمّنت “وثيقة الاستقلال” إشارة واضحة إلى هذا الوعد، فقد نصّت على أن حق اليهود في “الانبعاث القومي في بلده . . . اعترف به إعلان بلفور ” .جاء وعد بلفور بعد مفاوضاتٍ استمرت ثلاث سنواتٍ دارت بين الحكومة البريطانية واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية قبل أن يخرج بشكل خطاب موجه من آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية يوم 2 تشرين ثاني 1917، موجه إلى اللورد روتشيلد وهذا نصه :((يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته :إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليًّا أن لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير الحقوق التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى، أكون ممتنًّا لكم لو أبلغتم هذا التصريح إلى الإتحاد الفيدرالي الصهيوني.))ومن الجدير بالذكر أن نص تصريح بلفور كان قد عرض على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًّا سنة 1918 ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميًّا وعلنيًّا سنة 1919، وكذلك اليابان. وفي سنة 1920 وافق عليه مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء لوضع الخريطة السياسية الجديدة لما بعد الحرب، وضمّنه قراره بانتداب بريطانيا نفسها على فلسطين وفي سنة 1922وافقت عليه عصبة الأمم وضمّن صك الانتداب البريطاني على فلسطين.

أسباب وعد بلفور:1. القيمة الإستراتيجية لفلسطين باعتبارها بوابة العبور إلى آسيا كما وصف هيرتزل دور الدولة اليهودية في فلسطين بقولة: ((سنكون بالنسبة إلى أوروبا، جزءًا من حائطٍ يحميها من آسيا، وسنكون بمثابة حارسٍ يقف في الطليعة ضد البربرية)).2. محاولة بريطانيا كسب لتأييد الطوائف اليهودية في العالم لها في أثناء الحرب العالمية الأولى.3. التخلص من موجات الهجرة اليهودية داخل أوروبا وتوجيهها إلى فلسطين.4. اكتشاف حاييم وايزمن الصهيوني لمادة الأسيتون وصنع المواد المتفجرة التي ساعدت بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.بطلان وعد بلفور:من الناحية القانونية في الوجود البريطاني أثناء إعطاء الوعد هو وجود غير شرعي أصلًا كونها دولة احتلال ومن المتفق عليه قانونًا أن الاحتلال لا يفيد بالملكية لذلك فبريطانيا العظمى لا تملك أرض فلسطين حتى تتكرم وتعطيها ليهود الأرض، لذلك اصْطُلحَ على تسمية هذا الوعد، وعد من لا يملك لمن لا يستحق!وإذا كان هذا الوعد من الناحية القانونية وعدًا باطلًا فكل ما نتج عنه فهو باطلٌ أيضًا أي أن قيام دولة إسرائيل على الأرض العربية في فلسطين هو وجودٌ باطلٌ ويجب أن يُزال طِبقًا للقاعدة القانونية التي تنص على أن ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ، وأيّ مبادرات للسّلام أو الاستسلام دوليةً كانت أو عربيةً فإنها تصبُّ في هذا البطلان ولا أساس لشرعيتها.

https://www.facebook.com/mfa.agha/?show_switched_toast=0&show_invite_to_follow=0&show_switched_tooltip=0&show_podcast_settings=0&show_community_transition=0&show_community_review_changes=0