وقفة عز

مخيم فياريجيو بايطاليا للتضامن مع صمود غزة

 نضال حمد

شهدت مدينة فياريجيو الساحلية السياحية الواقعة في إقليم توسكانا الإيطالي استمرارية المخيم الثالث للشبيبة والعائلات والأطفال الفلسطينيين والعرب وأصدقائهم الطليان والأوروبيين. المخيم الذي يقيمه الاتحاد الديمقراطي العربي الفلسطيني في إيطاليا. ويعتبر المخيم الذي يقفل ابوابه يوم 17/08/2009 هذا العام، من المخيمات الشبابية الناجحة على صعيد العمل الفلسطيني والعربي في أوروبا. وهو يلتئم ويستمر وينجح للمرة الثالثة على التوالي، إذ أقيم قبله المخيم الأول في تموز وآب 2007 تحت شعار “أنا أدعم المقاومة ” فيما جاء المخيم الثاني في نفس الوقت من سنة 2008 .. بينما حمل المخيم الحالي سنة 2009  شعار ” مخيم التضامن مع صمود غزة”.   و كان لي شرف المشاركة في المخيمين الثاني والثالث فيما تعذر علي المشاركة بالمخيم الأول لضيق الوقت والتزامي بأمور أخرى.

إن مجرد إقامة المخيم هو نجاح بحد ذاته لمنظميه وللمشاركين فيه وللمؤمنين بفكرته ورسالته، نقول هذا الكلام لأن الفلسطينيين في أوروبا كانت ومازالت تنقصهم مثل هذه الالتفاتة ومثل هذا البرنامج الملتزم، الوطني، القومي، الإنساني، التقدمي والعلماني، الذي يجمع كافة أطياف شعب فلسطين وأمة العرب في المهاجر والمنافي الأوروبية، مع تنسيق ومشاركة رمزية من قوى شعبنا وأمتنا في بلادنا العربية وفي فلسطين المحتلة ومخيمات التشرد واللجوء والشتات.

نجح هذا العمل الكبير الذي قامت به ثلة من المناضلين الأوفياء لتاريخ وحاضر ومستقبل أمتهم، بالبرنامج المؤمن بوحدة كافة قوى الأمة لأجل استمرارية وديمومة الموقف الفلسطيني الملتزم بفلسطين وبقضايا الأمة العربية، والمؤمن بعالمية وإنسانية القضية، وبضرورة تجميع قوى التضامن والمناصرة حول هذه القضية الحية ، التي يريد لها الكثيرون أن تموت مرة واحدة والى الأبد

أن القيام بمثل هذا المخيم يتطلب تحشيد طاقات بشرية ومادية كبيرة ويتطلب كذلك علاقات واسعة توفرت للقائمين على المخيم نتيجة تاريخ طويل من النضال والعمل في إيطاليا بالذات وفي القارة الأوروبية بشكل عام. إذ عرف عن هؤلاء المناضلين حسن سيرتهم وتمسكهم بالقضية الوطنية ورفضهم الخضوع لتيار “الأوسلة ” الذي اجتاح الساحة الفلسطينية ووصل الى بعض الساحات العربية والأوروبية. ولولا أن هؤلاء المناضلين أصحاب تجارب كبيرة وطويلة في العمل التضامني والنقابي وأصحاب مواقف مشرفة وضمائر حرّة وحيّة لما كان التئم المخيم، ولما إستطاع أن يرى النور ويخرج بنجاح محققاً الكثير مما أراد تحقيقه.

قد يقول قائل أن المشاركة من داخل إيطاليا في المخيم الثالث كانت متواضعة، نقول لهؤلاء نعم كانت كذلك لكن المشاركة الفلسطينية والعربية من أوروبا كانت كبيرة وفعالة. وبالمناسبة أذكر أن المشاركة في المخيم الثاني سنة 2008 ومن إيطاليا بالذات كانت كبيرة وكاسحة، قد يعود الانخفاض في المشاركة هذا العام لعدة أسباب منها الخاص ومنها العام. إما بسبب سفر الناس خارج إيطاليا أو الالتزام بعمل ما لم يمكنهم من المشاركة أو أيضاً لخلل في الدعاية والتنظيم، ممكن أن سببه كان انشغال القائمين على المخيم بقضية التضامن مع قطاع غزة وقيامهم بإرسال وفد كبير مع مساعدات كبيرة الى القطاع، حيث شارك بعض من القائمين على المخيم في الوفد الذي دخل غزة وتضامن مع صمود شعبها. مما تسبب بعد ذلك بضيق الوقت لإجراء حملة إعلامية أفضل للمخيم. لكن هذا  يمكن تجاوزه مستقبلاً .. وبناء عليه يتوجب على القائمين على المخيم إعادة تقييم التجربة هذا العام ودراسة الموضوع بكافة أبعاده كي يتم تفادي مثل هذا الأمر في المخيم القادم.

 إن وجود مخيم مثل هذا هو بحد ذاته رد قوي على المتربصين بالقضية ونصر للمدافعين عن ثوابتها ومقاومتها المشروعة … لقد جاء المخيم هادفاً الى لم الشمل وجمع الكل حول شعارات دعم المقاومة والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية. وجاءت المشاركة من قبل العديد من العائلات والأفراد الفلسطينيين والعرب المنتشرين في إيطاليا وأوروبا لتؤكد على هذا الخيار الوطني الأصيل. ومما زاد المخيم قوة وتنوع كان حجم المشاركة الفعالة من قبل قوى التقدم والتحرر والتضامن ولجان المناصرة المحلية في إيطاليا والأخرى التي حضرت من عدة دول أوروبية مثل فرنسا والنرويج واسبانيا وألمانيا. وزاده كذلك نوراً وأحمراراً وإشعاعا وجود العشرات من الشبيبة والأطفال الذين هم جيل المستقبل وهم من سيحمل راية فلسطين والعروبة في أوروبا بعد جيل الآباء.

 

تنوعت النشاطات في المخيم بين ثقافية وسياسية وإعلامية وفنية وتعليمية وترفيهية .. في كل يوم كانت هناك أمسية ثابتة اما فنية او توجيهية، فيلم عن فلسطين أو فيلم عن نضالات المتضامنين مع شعب فلسطين ضد الفاشية والرأسمالية التي تنهب خيرات الشعوب والأمم وتهيمن على العالم. وكذلك ندوات عن زيارات ميدانية قام بها متضامنون وكتاب وإعلاميون وأطباء لقطاع غزة وللضفة الغربية وللمخيمات الفلسطينية في لبنان. كذلك ندوات مباشرة عبر الفيديو من قطاع غزة مع بعض المؤسسات العاملة هناك ومع اعلامي ومتضامن طلياني معروف ( فيتوريو أيغوني ) فضل البقاء في غزة ورفض الخروج منها. شاهدنا أيضا امسيات تحدث فيها بعض أعضاء الوفود القادمة من فرنسا والنرويج وألمانيا عن تجاربهم في العمل التضامني هناك وعن أوضاع الفلسطينيين وأنصارهم في تلك البلدان. كما ألقى الشاعر الزجال الفلسطيني د أحمد العمري مجموعة من قصائده الزجلية الجميلة … فيما قدم الشاعر الفلسطيني – السوري العربي غسان عزام المقيم في مدينة “كومه” الطليانية بعض قصائده الملتهبة في أمسية ثقافية جميلة. كذلك تم عرض بعض الكتب التي تتحدث عن القضية الفلسطينية وقام بكتابتها وتأليفها شخصيات إيطالية معروفة. وكذلك قراءة بعض النصوص من مجموعة قصصية بعنوان ” فجر العصافير الطليقة” لكاتب هذه السطور، ترجمتها الى اللغة الإيطالية الكاتبة والأديبة المغربية المقيمة في إيطاليا د. اسماء غريب. حيث طبعت المجموعة طباعة شعبية خاصة بالمخيم وكانت النسخ محدودة جداً .كذلك تم عرض كتابي الآخر باللغة العربية ” طفولة بين المقابر ” …

كما شارك في المخيم البرفسور محمد الجعيدي الأكاديمي الفلسطيني المحاضر في إحدى جامعات العاصمة الاسبانية مدريد، فتحدث في ندوة خاصة عن فلسطين في الأدب الاسباني وتطرق الى شعراء وأدباء إسبان ولاتينيين كتبوا عن القضية الفلسطينية وفلسطين. وتحدث كذلك عن شخصيات أدبية وسياسية وإجتماعية فلسطينية الأصل تكتب وتقرأ بالإسبانية في أسبانيا وأمريكا اللاتينية.

 كما أقيمت أمسيات تذكارية وفاءا لبعض المتضامنين الطليان الذين رحلوا عن عالمنا وهم يحملون هم فلسطين. كما قام ممثل وممثلة طليانيين بعرض مسرحية “عائد الى حيفا” باللغة الطليانية حيث لاقت المسرحية تجاوباً كبيراً من الحضور وكان أداء الممثلين رائعاً.

كذلك قدم شاعر شعبي شاب طلياني قصيدة تعرض لمأساة غزة وأهلها…

في مجالات أخرى كان هناك دورات تدريبية رمزية يومية  “كورسات” رسم وتخطيط، ركوب الخيل، تعلم اللغة العربية، الدبكة الشعبية الفلسطينية والمسرح ..

أما الخدمة في المخيم فكانت تطوعية من قبل إدارة المخيم وسكانه. كما أن أسعار الإقامة في المخيم للكبار جاءت رمزية وللصغار مجانية، فيما لم تكن أسعار الطعام والشراب مرتفعة ولا تجارية بل عادية من أجل إستمرارية المخيم وتغطية نفقاته على أمل أن يخرج هذا العام بدون عجز مالي. ونتمنى ذلك.

 

أهداف الاتحاد من إقامة المخيم يمكن التعرف عليها من خلال زيارة الموقع الالكتروني للاتحاد :

 

http://www.udap.it/index2.html

 

 ولمشاهدة مجموعة كبيرة من الصور يمكن الدخول الى موقع الصفصاف.

 

http://www.safsaf.org

 

شكراً لإدارة مخيم فياريجيو مخيم دعم صمود غزة .. شكرا لكل طفل وطفلة شاركوا في المخيم وعلى جباههم إرتسمت فلسطين كجزء عزيز من بلادنا العربية، فأعادوا الأمل بجيل المستقبل .. شكرا للإتحاد الديمقراطي العربي الفلسطيني في إيطاليا والى اللقاء في المخيم الرابع ..

 

16/08/2009