الأرشيفوقفة عز

مقهى أبو دياب العلي الحلقة 20 من ذكريات وحكايات مخيم عين الحلوة

إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

كان هناك مجموعة من الناس تحضر بانتظام وبشكل يومي أو شبه يومي الى مقهى أبي دياب العلي. فعندما تكون نية صاحب المقهى أن يحول مقهاه الى ما يشبه النادي، سوف يتمكن من جذب الزوار وشدهم للتردد الى هناك. هذا بالضبط ما فكر به وما كان في نية المرحوم أبو دياب. فبحسب نجله دياب العلي ” عمل على تحويل المقهى الى مكان لاستقبال المثقفين والعمال والمزارعين، الناس الوطنيين، الختايرة والشباب من أهل المخيم”.

هؤلاء كلهم ما كانوا مجرد زبائن لأنهم مع الزمن أصبحوا أصدقاء لأبي دياب وصار المقهى مثل بيوتهم. أما المرحوم أبو دياب فقد كان يرغب أن لا يكون المقهى مجرد عمل روتيني فحسب وعمل للحصول على الرزق. بل كان يريد جعل المقهى كصالون أو نادي أو حتى مجمع أو تجمع ثقافي، اجتماعي، رياضي وحتى سياسي، تجمع شعبي لإعادة البناء وإحياء وتحقيق الأحلام والأماني.

يقول صديقنا أبو عمر العلي: “لا تستغربوا أيها القراء والجيل الحالي والجيل الآتي، أنني كنت أجد ضالتي في التواجد في المقهى يوميا. كل يوم بعد انتهاء اليوم الدراسي منذ المرحلة الابتدائية وصولا الى الجامعة. فقد كان المقهى رديفاً للمدرسة والجامعة. يمكن تسميتها مدرسة الحياة.”.

كيف لا تكون مدرسة الحياة؟

فحين يجلس الإنسان في حضرة مثل هؤلاء الرجال من كبار السن، الذين عرفوا فلسطين ودعكتهم التجربة وصلبتهم النكبة وعرفوا أنه لا يوجد أشياء سهلة في هذه الحياة. كما علموا أنه ليس سهلاً أن تكون لاجئاً فلسطينياً في المخيمات. لأنك دائما موضع اتهام وملاحقة ومراقبة. رغم ذلك كانوا يربون الأمل ومع الأيام يزرعونه في أولادهم بانتظار الانبعاث والانعتاق والثورة على القيد والخيمة والقمع وظلم الأشقاء وعداء الأعداء.

يكفيك لكي تتعلم وتستفيد كم جلسة وقعدة وبعض الاستماع لأحاديث رموز المخيم والمقهى مثل :-أبو حسن المطهر – صالح العبد- من (بلدة الغابسيه).. جلال كعوش وهو الشهيد الأشهر من نار على علم.. أبو صالح الأسدي من شعب وأبو رضا السيد خميس (من اللد)…كُنا تحدثنا عنه في حلقة سابقة وكيف أنه كان فقد احدى يديه في فلسطين نتيجة الارهاب الصهيوني عام النكبه. ثم كيف عمل كبائع خضار في صيدا واستطاع تربية عائله من عشرة أبناء وبنات.

كان هناك أبو سعيد الاسدي من دير الاسد واسماعيل شريدي من الصفصاف ومحمد سلوم من طيرة حيفا والاستاذ عبد المجيد موعد من صفورية وأبو درويش مصطفى السيد (بلدة النهر) وأبو رباح الصفوري وكان من أشهر “مواسرجية” المخيم هو والعم الراحل أبو فتحي زيدان من الصفصاف. كان أبي درويش السيد من أشهر لاعبي لعبة “الباصرة”. على ذكر هذه اللعبة الشعبية فقد كنت تعلمتها ولعبتها صغيراً في مخيم عين الحلوة، لذا تحضرني الآن أغنية أتذكرها من طفولتي ولا أعرف مصدرها تقول “قوم تنلعب باصرة والشاطر يأخد باصرة”. الراحل أبو درويش السيد كان يظهر مهاراته وتفننه باللعبة خصوصاً عندما يلعبها مقابل صديقه أبو محمد البرناوي (قرية البروه). كما كان الراحل الغاندي من الرواد الذين يقضون وقتاً طويلا في المقهى وكذلك المرحوم درويش، الذي كان يأتي رفقة نجليه أحمد ومحمد الى المقهى.

في هذا الصدد يقول دياب العلي:”كان يسعدني وجودهما حيث كنا معاً نستمع للختيارية وحكاياتهم عن فلسطين. كما كنا كذلك نصغي الى تحليلات المثقفين، تحليلاتهم السياسية مع شيء من الأمثال الشعبية والقضايا والأمورالاجتماعية. كانت تلك الجلسات تترك تأثيرها الكبير فينا”.

كما كان يتردد الى المقهى كذلك أبو سعيد عبد الغفور الملقب بأبي (عكا). كان يعمل إسكافياً في محل بسوق الخضار في المخيم. يقال أنه كان إسكافياً محترفاً وصانعاً ماهراً للأحذية. كما أنه كان يحدث رواد المقهى والناس دوماً عن ورشته لصناعة الأحذية، التي كانت قائمة قبل النكبة في عكا.

من رواد وجيران المقهى كان هناك الراحل أبو أحمد محمود خيزران (عكا)… كان من أشهر الحلاقين في مدينة عكا ثم في المخيم بعدما ضاعت عكا وسقطت كل فلسطين بأيدي الصهاينة المُحتلين.

في شهادة عن أبي أحمد خيزران يقول دياب العلي: “لعَمري أنه أفضل من استخدم المقص في الحلاقة. حتى أن الزبون يخرج من بين يديه وكأنه عريس ليلة زفافه”. ربما كان أيضاً يغني أو كان الزبائن يغنون معه أغانينا التراثية الشعبية مثل “إحلق يا حلاق بالموس الذهبية”.

أولائك الختايرية، البركة المخيمية والفلسطينية كانوا يحدثون صغار رواد المقهى مثل دياب وصالح وصحبمها عن الحياة اليومية في عكا وحيفا ويافا وطبريا وصفد والناصرة والجليل، وعن بطولات أبناء الوطن. طبعا بعض الشباب والفتية في ذلك الوقت حفظوا التاريخ المروي من خلال الحكواتيه. على فكرة لازال مسرح الحكواتي قائما في القدس الفلسطينية العربية المحتلة حتى يومنا هذا. كنت أنا قبل حوالي 15 سنة إلتقيت بالفرقة في أوسلو حيث قدمت مسرحية عن واقع حال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

يقول دياب أنه كان هناك من أصدقاء والده المرحوم أبو دياب، الراحل محمد المصري (أبو سامي) وهو من مصر. عمل “تمرجياً” أي ممرضاً في فلسطين.عندما حدثت النكبة عام 48 رفض محمد المصري (أبو سامي) العودة الى مصر. ليرحل مع اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان حيث أصبح واحداً منهم في اللجوء أيضاً. كان يقول أنه لا يستطيع العيش بعيداً عن إخوانه الفلسطينيين، تماما كما فعل إسكندر الارمني الذي عاش معنا ورحل معنا ومات بيننا بأيدي عصابات بشير الجميل عملاء الصهاينة. كُنا كتبنا عن سيرته حلقة مستقلة سوف تليها حلقة ثانية عما قريب.

المرحوم أبو سامي المصري حصل على وظيفة في وكالة الانروا في مخيم المية ومية وسكن بجوار المخيم في ضيعة درب السيم، قرب الجسر، المعروف بجسر درب السيم. أما هذا الجسر فيذكرني بطفولتي ومرحلة المراهقة وبداية الشبوبية حيث قضيت وقتاً من عمري مع أصدقاء كثيرين، فمنهم من توفي أو استشهد ومنهم من لازال على قيد الحياة في المخيمات أو في المنافي العالمية.

المرحوم أبو سامي المصري كان يأتي يوميا الى مقهى صديقه أبو دياب العلي بين العصر وإلى ما بعد العشاء. فمن يعرفونه يتذكرون مواعيده ويتذكرون أنه كان يتكلم اللهجة المصرية حتى توفاه الله عام 1979 ودُفن في مقبرة صيدا (الشاكرية) حيث دُفِن معظم جيل النكبة من الختايرية.

يتبع

9-12-2021

اعداد نضال حمد وموقع الصفصاف