الأرشيفوقفة عز

مقهى أبو دياب العلي للعودة الحلقة الثامنة

– ذكريات وحكايات من مخيم عين الحلوة – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

في مقهى عيسى العلي أبو دياب توحد الطيف الفلسطيني بكل تلاوينه الدينية والسياسية والفكرية والجغرافية. فكما المخيم جمع الفلسطينيين اللاجئين حضراً وبدواً وفلاحين في بقعة جغرافية واحدة، صغيرة وضيقة، بدأت الحياة فيها في العراء، ثم في الخيام فبيوت من الزينك والتنك والخشب فبيوت من الطين الى أن وصلنا الى مرحلة بيوت من الحجر لكن أقيم حولها منذ سنوات جدار عازل يذكرنا بالجدار في فلسطين المحتلة.

في المخيم لم يكن هناك فوارق بين هذا وذاك فكلهم كانوا لاجئين ومقموعين وملاحقين ومضطهدين. فالمخيم هو الذي جمع أهل وسكان المدينة والقرية والواحة في مكان واحد جعل من البدوي فلاحاً ومن الفلاح عاملاً ومن ابن المدينة راعياً. بما أن المخيم الاعجوبة استطاع جمع  الجميع فإن مقهى أبو دياب العجيب، استطاع أيضاً جمع الفلسطينيين اللاجئين على طاولاته وفي سهراته وحلقات أمسياته. جمعهم في نهاراتهكما في أمسياته وعلى كراسيه، حول كؤوس شايه وقهوته وحول موقد الفحم مع رائحة الهال وأباريق القهوة العربية المُرّة والشايّ المخمر أو الشاي بالنعناع والميريمية (الجعساس) كما كان يقول والدي رحمه الله.

لا أدري إن كان هناك مهباج لدق القهوة في مقهى أبي دياب العلي في تلك الحقبة من الزمن. فالمهباج كان موجوداً في منازل بعض الفلسطينيين في ذلك الوقت كما أذكر من طفولتي. بمناسبة الحديث عن المهباج فقد كنت دائماً أحب النظر في مهباج كان يقتنيه عمي جميل الزين –أبو اسماعيل حمد – في مخيم شاتيلا. توفي العم جميل من سنتين تقريباً ولا أعرف ماذا حل بالمهباج.

 كذلك  أذكر في بيتنا كان هناك المقلى النحاسي الخاص بتحميص البن. فقد كان لدينا في البيت مقلى من هذا النوع. أما الآن وأنا اكتب فأتذكر القهوة من يدي والدتي وهي صاحبة مزاج بالقهوة. آه ما أجمل رائحة البن وبالذات حين تختلط بالهال العربي. ليس هناك أجمل من ريحة القهوة وخاصة التي كانت تُغلى على موقد الفحم، ثم توضع قرب الجمر في الموقد أو على حافته. أعتقد بأن العم الراحل أبي دياب كان خبيراً بالقهوة العربية ومشتقاتها.

 من رواد المقهى كان هناك شخص لا ينساه من عرفه من أبناء المخيم، هو الراحل أبو إلياس الداموني وكذلك نجلاه الياس وجريس. كنية الداموني ربما وبحسب اعتقادي الخاص تعود الى بلدة الدامون في الجليل الفلسطيني المحتل. مع العلم أن أبي الياس كان من سكان حيفا في فلسطين المحتلة. للعلم فقد كانت هناك عائلات من الدامون تسكن في المخيم، عائلات من الديانتين الاسلامية والمسيحية. أما أبا إلياس الداموني فقد كان يسكن على تلة جبل الحليب.  وسكنت بالقرب منه عائلة البيطار وهم من المسيحيين اللبنانيين. جدير بالذكر أن  الأب البيطار كان أيضاً من رواد المقهى. ولمن لا يعلم فإن نجله الأكبر استشهد في معارك الدفاع عن الثوره الفلسطينية في بيروت. كان مقاتلاً في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حسب ما ذكر لي الصديق صالح العلي. أما شقيقته فقد استشهدت في بناية رحمه في بيروت التي قصفها الطيران الحربي الصهيوني سنة 1981.

يجب علينا أن نُذكر جيل الشباب من أبناء وبنات شعبنا في المخيم أنه كان هناك عدداً لا بأس من مسيحيي مغدوشة ودرب السيم جيران المخيم ينتسبون لفصائل العمل الفلسطيني. أعرف بعضهم فقد كانوا في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة  الشهيد الأأمين العام طلعت يعقوب. هناك آخرين كانوا في الجبهتين الشعبية والديمقراطية وبعضهم استشهدوا في المعارك والمواجهات. لازالت عائلاتهم ولازال بعضهم يعيشون في مغدوشة، حيث إلتقيت قبل سنوات ببعضهم ولازلت على اتصال ببعضهم عبر فيسبوك وخلال زياراتي الى لبنان.

في الحلقة السابعة تحدثنا مرورا عن  أحد رواد المقهى الأفاضل وهو أبو عصام هنطش (تاجر متخصص ببيع الرمل البحري) وعائلته كما أسلفنا كانت الوحيدة من جنين في مخيمنا عين الحلوة. فقد كان ينقل الرمل على ظهر حماره وكان يعمل طوال النهار وجزءا من الليل حتى تمكن من بناء بنايه من ثلاث طوابق خلف مركز الاعاشه في المخيم.

قال الصديق دياب العلي أن أبي عصام هنطش في إحدى الأمسيات في المقهى جاء كعادته ولكن الحزن كان بادٍ على قسماتِ وجهه، فسأله الوالد: خير أخوي أبو عصام في شيء لا سمح الله؟ فأجاب لقد مات الحمار وأجهش بالبكاء. إلا أن الوالد والأصدقاء طيبوا خاطره. كما قام الوالد بتعزيته فقال أبو عصام والله إنك أرحت نفسيتي خيي أبو دياب وأضاف صدقوني إنني أعتبر الحمار مثل ولد من أولادي… عِشرِة عُمُر، بفضله بنيت عمارة من ثلاث طوابق. ثم أضاف: كان الحمار قنوعاً، يقبل بالأكل العادي كالشعير والحشائش والبرسيم. عاش مكافحاً ومات فقيراً، قنوعاً ومخلصاً. لم يبتغِ منصباً ولا مالاً ولا جاهاً.”.

يتبع

27-11-2021