الأرشيفوقفة عز

على ضريح ناجي العلي – الحلقة الأولى – نضال حمد

عندما استقر رأيي على السفر الى لندن بعد تفكير طويل بالسفرة وتكاليفها والخ خاصة أنها جاءت بعد عودة من سفرتين متتاليتين واحدة منهما إلى لبنان، وعاصمتها التي كانت قبل أربعون عاماً ونيف محاصرة وصامدة تنتظر وصول ناجي العلي من مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا الى عاصمة ما تبقى لنا من مqaومة في تلك السنة. ففي مثل تلك الأيام من سنة 1982 كانت بيروت تكتب التاريخ بدم أهلها وثوارها وبدماء الفدائيين الفلسطينيين ومن كانوا معهم من الثوار العرب والأمميين.

كانت زيارتي الى مخيم ناجي العلي حيث بيته وبيت أهله وقبر والديه، الذي لم يضمه معهما كما أوصى في وصيته، ليبقى غريباً ومنفيا في لندن حتى بعد وفاته أي استشهاده. كانت الزيارة الى لبنان بعد انقطاع نحو خمس سنوات عن السفر الى بلاد الأرز، مخصصة للمكوث مع والدتي في بيتنا بمخيم عين الحلوة، وللبقاء بجوار أمي الطاعنة في السن والمريضة. لذا بقيت تقريباً كل فترة سفري معها في مخيم ناجي العلي بعين الحلوة.

في يوم من أيام تلك السفرة الفلسطينية اللبنانية كنت أمر في حي الجميزة بالمخيم حيث كان ناجي العلي في شبابه وفتوته وطفولته يقضي بعضاً من وقته مع رفاق الحارة والمخيم. تذكرته وتذكرت كثيرين من رموز وشهداء المخيم الذين كانت لهم مكانة عظيمة في الساحات القومية والوطنية والثقافية والفنية والاعلامية والسياسية والميدانية والاجتماعية. بالتأكيد ناجي العلي كان واحداً من أبرزهم وأكثرهم شهرة ووطنية وتضحية وصمود حتى الشهادة، فقد دفع عراب حنظلة حياته ثمناً لقناعاته وتمسكه بكامل تراب فلسطين، ثمناً لاصراره عبر رسوماته على فضح الخيانة والعمالة، وعلى تعرية جماعة التراجع والسقوط والانحراف والفذلكة والتشبيح والاستزلام والمتاجرة بدماء وتضحيات وحقوق شعبنا. فناجي العلي كان دائماً بالمرصاد للذين اشتروا ضمائر وذمم وعقول الناس وأقلام غالبية المثقفين والاعلاميين.. لجماعة العربدة والهيمنة والزعبرة والتسحيج والتفرد وكل ما أتت به تلك القيادات الصوتية من خراب وتدمير وتشويه لكي تكنى بقيادات المصادفة.

قبل اتخاذ قراري بالسفر كنت أفكر فقط بتحقيق أمنيتي بزيارة قبر المعلم ناجي العلي لطرح السلام عليه ولايصال سلام شعب كامل وأمة كاملة، يحلمان بعودة التراب الوطني الفلسطيني كاملاً…
ولناجي تأثير كبير في زرع هذا الحلم بكل انسان عربي وفلسطيني…أردت الوقوف أمام ضريحه في جبانة أو مقبرة “بروك وود”، في منطقة “ووكنغ” من ضواحي العاصمة لندن وتبعد عن مركز البلد مسافة نصف ساعة أو أكثر قليلاً بالسيارة. وقفت أمام المعلم ناجي وعند قبره الذي يحمل الرقم “230191” ولكنني لم ألحظ وجود الرقم المذكور ولا شاهد القبر ولا علم فلسطين، مع العلم أنني أخذت معي اثناء سفري علماً فلسطينياً لوضعه على القبر لكنني للاسف نسيته في بيت مضيفي غسان في لندن. أردت التحدث مع ناجي قليلاً وعلى إنفراد، لأنه بصراحة لم يعد هناك كثير من الناس أفهم عليهم ويفهمون علي خاصة من نوعية ناجي العلي، فأنا اعتبر نفسي من مدرسة حنظلة الفلسطينية ومن كُتاب أو جماعة “كامل وكاملة” أي كل تراب فلسطين من أول أوله لآخر آخره… وربما لهذا السبب أوقفوني وأوجعوا رأسي في مطار لندن قبل أن يطلقوا سراحي. هذه على كل حال قصة أخرى قد أعود لها في يوم من الأيام وبعد أخذ آراء كل الجهات المختصة وخاصة القانونية منها. سنحت لي الفرصة أن أكون لدقائق عديدة وحدي عند قبر ناجي، وقفت في حضرة ضريحه الجميل، وناجي الكبير ببساطته والحاضرمع حنظلة وبهيبته كان أمامي.. وقفت وحدي لأكثر من خمس دقائق وذلك بعدما قام أخي وقريبي وصديقي غسان اليوسف بايصالي بالسيارة إلى المقبرة وصولاً حتى القبر. لا أخفيكم سراً أنني فرحت مثل طفل صغير حين لمحت من بعيد ضريح ناجي فقد كنا طوال الطريق داخل المقبرة الضخمة نفتش عن مكان القبر. صرخت ها هو قبر ناجي .. أنظر مكتوب ناجي العلي .. كان في مكان قريب جداً على جانب الطريق بالقرب من شجرة وفي جواره مجموعة أضرحة لأطفال توفيوا ربما بعد ولادتهم بقليل أو فور ولادتهم. ترى هل كان يعلم الذين دفنوا الأطفال قرب مكان دفن ناجي أنه قضى حياته مع رفيقه أو ظل ظله حنظلة يكافحان من أجل حياة أفضل لأطفال فلسطين والعالم أجمع.

قريباً يتبع الجزأ الثاني

نضال حمد في آب أغسطس 2023

رابط في فيسبوك فيديو وصور من الزيارة

https://www.facebook.com/100044926821131/videos/846044216911485