الأرشيفوقفة عز

على متن الطائرة – نضال حمد

من نافذة صغيرة تطل على جناح الطائرة المعدني ولمبة لا تمل من بعث إشارات ضوئية تظهر وسط العتمة بوضوح شعار الخطوط الجوية البولندية (LOT) وهو شعار جميل متعوب عليه من قبل الفنان البولندي الذي صممه.
أسفل النافذة بالقرب من جناح الطائرة نستطيع بين الفينة والأخرى وبين الغيمة والغيمة أن نلحظ ونرى أضواء المدن والأماكن المنارة ليلاً. تظهر من علٍ وكأنها لوحة رسمت بماء الذهب أو بالأصفر والبرتقالي…
ما لم يعلن كابتن الطائرة عن البلد أو المنطقة التي نطير فوقها فإنه سيكون من الصعب معرفة مكاننا في الجو بين الأرض والسماء. فنحن مثل الطيور لكن في قفصٍ معدني طائرٍ.. خمنت بعد ساعة ونصف طيران بأننا نطير ربما فوق الأراضي المجرية. فالرحلة من العاصمة البولندية وارسو وأسمها أيضاً فرصوفيا ويعني باللغة البولندية (فارشافا) إلى بيروت تستغرق نحو أربع ساعات. وعلينا ان نعبر أجواء لدولٍ عديدةٍ خلال رحلتنا.. وتلك الدول بحسب معرفتي ومخيلتي هي تشيكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وصولاً إلى لبنان.
على متن الطائرة مضيفات بولنديات لطيفات وجميلات كما هن فتيات بولندا بشكل عام تقريباً.
حضرت المضيفة البشوشة والمبتسمة بشكل متواصل وأخذت توزع ساندويشات وعصائر على الركاب. طلبت منها أن تبيعني (ساندوش) أخرى لأنني جائع جداً. ناولتني الثانية وقالت لي صحتين ومضت باسمة.
طبعاً عندما يكون الإنسان على دراية بعادات وتقاليد البلد وسكانه ويعرف لغتهم ويفهمها وينطقها، يصبح التواصل أسهل والتفاهم أفضل.
الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، أطفأت الأضواء على متن الطائرة مما يعني أنه الوقت المناسب للنوم. لكن كيف أنام وهناك في المقعد أمامي رضيع لا يكف عن البكاء. أما على الكرسي بجواري فهناك طفل فلسطيني قادم من النرويج ويبدو انه لم ينم وانتظر طويلاً في الترانزيت.. يبدو انه لم ينم فمن لحظة اقلاع الطائرة من مطار وارسو أستسلم للنوم. كما يبدو انه انتظر طويلاً في صالة الترانزيت بمطار شوبين في وارسو. كان من شدة تعبه وعمق نومه يميل باتجاهي ويضع رجله على رجلي.. وكنت أنبهه بالعربية ثم بالنرويجية وحين يسمعها يفتح عينه ليتأكد أنه ليس في حلم ولا يحلم في تلك اللحظة..
وصلنا مطار بيروت الدولي والطفل الفلسطيني لازال نائماً ورأسه على صدري.

نضال حمد
١٥/٦/٢٠٢٣
على متن رحلة الخطوط الجوية البولندية LOT/ لوت / من وارسو إلى بيروت.